خلال جلسة الكنيست، في 18 نوفمبر الجاري، عاد رئيس الوزراء «الإسرائيلي» بنيامين نتنياهو ليصف حرب الإبادة الجماعية ضد غزة بأنها «حرب وجود»، ويعتمد مصطلح «حرب الانبعاث أو النهضة» («تكوما» باللغة العبرية) بدل «السيوف الحديدية».
هذا المصطلح «Tekuma» صكه نتنياهو يوم 7 أكتوبر الماضي، بالتزامن مع ذكري مرور عام على «طوفان الأقصى»، وهو يحاول محو آثار الهزيمة ليقول لـ«الإسرائيليين»: إنهم في 7 أكتوبر 2023م تعرضوا لهزيمة وانهيار، ولكن «إسرائيل» نهضت وبُعثت من جديد وردت على الهجوم.
لكن «الإسرائيليين» يعترفون بأن كلا الاسمين (تكوما، والسيوف الحديدية) لن يصمدا، وستظل الحرب تُعرف بـ«حرب السابع من أكتوبر».
والاسم الجديد الذي طلبه نتنياهو لتغيير وصف الحرب على غزة هو «تكوما»، هو جزء من الهستيريا الدينية التي تلبست نتنياهو منذ 7 أكتوبر، وسعيه المتوالي للاستشهاد بالتوراة.
وضمن استعماله مصطلحات توراتية تحدث نتنياهو عن قصة عماليق وهزيمتهم؛ أي العرب على أيدي اليهود، وأبناء النور وأبناء الظلام؛ قاصداً «الإسرائيليين» مقابل الفلسطينيين والعرب، وصولاً إلى اقتباس توراتي يقول: «ألاحق أعدائي حتى أقضي عليهم»؛ بهدف تقديم نفسه نبياً جديداً لبني إسرائيل، أو ملكاً في أقل تقدير.
وسبق أن تحدث في 2 سبتمبر الماضي، عن أن زمن المشياح (المسيح المنتظر من نسل داود) جاء ليقيم مملكة اليهود، وهو يبشر «الإسرائيليين» أنهم سينتصرون لأن زمن المشياح سيأتي، وقبل هذا، زعم في خطاب تلفزيوني، في 25 أكتوبر 2023م، أنه سيحقق «نبوءة إشعياء»، في تدمير الفلسطينيين والعرب ووصفهم بأنهم أبناء الظلام، و«الإسرائيليين» أبناء النور!
قيامة ونهاية الصهيونية
لكن مطالبته حكومته بتغيير اسم الحرب من «السيوف الحديدية» إلى حرب «تكوما» أثار التباسات، رغم أنه في النهاية مؤشر على تصنيف الحرب في غزة على أنها حرب دينية صهيونية ضد الفلسطينيين؛ إذ إن عبارة «تكوما» العبرية تُفسر لدى «الإسرائيليين» بمعنيين متناقضين؛ الأول الذي يروج له نتنياهو أنها حرب للنهضة مجدداً والانبعاث بعد الهزيمة في «طوفان الأقصى» ورد العدوان، والثاني بمعنى القيامة وآخر الزمان؛ أي حرب أبدية تؤدي لنهاية العالم؛ حيث القيامة هي العكس والنقيض للانبعاث؛ لأنها في المفهوم الديني اليهودي تعني آخر أيام الكون.
حيث يخشى المحللون الصهاينة أنه في حال استمرار نتنياهو وفريقه من تيار الصهيونية الدينية في الاعتقاد بسياسة التفوق وأنهم قادرون على كل شيء، وإعادة رسم الشرق الأوسط وفق رؤى دينية، قد ينتهي بآثار عكسية، وتنتهي الحرب بكارثة على دولة الاحتلال، ويكون فعلاً يوم القيامة للدولة العبرية.
ويقولون: إن أحلام «من النيل إلى الفرات»، وخطط نتنياهو لتغيير الشرق الأوسط وفق رؤى دينية سينتهي بتعجيل مخاوفهم بشأن ما يُسمى «نهاية الثمانينيات»؛ حيث يؤمنون أن دولة «إسرائيل» لن تعيش 80 عاماً (حالياً 76)، وتسقط كما سقطت لليهود تاريخياً مملكتان يهوديتان قبل أن تبلغا عمر 80 عاماً.
مُسمى توراتي
واستخدم نتنياهو كلمة «تكوما» العبرية؛ وهي تعني بالعربية انبعاث، وتعني أيضاً قيامة، لكن صحفاً «إسرائيلية» تقول: إنه قصد منها الانبعاث؛ لأنه كان يتحدث عن الإنجازات التي حققها جيشه في الحرب على غزة بشكل عام بعد هجوم «حماس» الخاطف، وقتله قيادات «حزب الله»، وقد عبر عن ذلك بقوله: هذه هي حرب الانبعاث لضمان عدم تكرار السابع من أكتوبر، هذه حرب من أجل وجودنا، فعلى عكس ما حدث في أثناء «الهولوكوست»، لقد انتفضنا ضد أعدائنا لخوض حرب شرسة.
لكن الكاتب «الإسرائيلي» إيدو ديفيد كوهين قال في صحيفة «هاآرتس»، في 15 أكتوبر: إن الانبعاث، وادعاء أننا نغير الواقع الأمني في منطقتنا، من أجل أولادنا ومستقبلنا ومن أجل ضمان أن ما حدث في 7 أكتوبر لن يتكرر، هدفه تبرير إطالة الحرب، ويرى أن استخدام نتنياهو التعبير التوراتي هدفه دغدغة مشاعر الصهيونية الدينية ومحاولة توحيدهم بعد صدمة «طوفان الأقصى» للدفاع عن الوطن والشعب و«الهيكل» باسم الله، وفق مزاعمهم، وهذا يفسر لماذا تسمية الحرب مهمة بالنسبة لـ«إسرائيل»؛ بهدف الإحياء أو الولادة من جديد أو النهوض.
وسبق لصهر نتنياهو حجاي بن أرتسي القول، في 19 سبتمبر: «هذه حرب يأجوج ومأجوج»؛ ما يؤكد أن الصراع ليس سياسياً مع الفلسطينيين فقط، وإنما ديني مع كل العرب والمسلمين، ويوظفون التوراة في رؤيتهم للصراع ويستدعون الخرافات التلمودية لتبريرها.
وقبل هذا قال نتنياهو، في 30 سبتمبر: نحن في حالة حرب لتحديد مصير بقاء «إسرائيل»، وإنهم سيوحدون جميع قواهم ويهزمون جميع أعدائهم.
אנחנו במלחמה על עצם קיומנו. נאחד כוחות, נלך יד ביד, וננצח את אויבינו >> pic.twitter.com/Sh5Yp2K3WY
— Benjamin Netanyahu – בנימין נתניהו (@netanyahu) September 30, 2024
وفي ديسمبر 2023م بعد شهرين من «طوفان الأقصى»، ذكرت «هيئة البث الإسرائيلية» (كان) أن نتنياهو كان يبحث عن عناوين بديلة مختلفة للحرب، منها حرب التكوين، وحرب غزة، وحرب سيمهات توراة، وفي حينه، قيل: إن نتنياهو قال: إن اسم سيوف من حديد مناسب لعملية محدودة، وليس لحرب شاملة.
وبحسب «كان»، وصحيفة «تايمز أوف إسرائيل»، في 7 أكتوبر 2023م، فإن نتنياهو يفضل حرب التكوين؛ حيث يمثل عيد سيمهات توراه نهاية الدورة السنوية لقراءة التوراة وبداية قراءة سفر التكوين.
وبحسب موقع «بوليتيكو» الأمريكي، في 10 أكتوبر، نجح نتنياهو في استغلال العواطف الدينية وما حققه من تدمير لغزة وقتل قادة في «حزب الله» و«حماس» في البقاء في السلطة بعدما كان يجري الحديث عن إبعاده وإجراء انتخابات مبكرة.
وأوضح أن كثيرين لم يصدقوا أنه قد يتمكن من تحقيق الفوز في عام 2015م، نظراً للحديث عن تحقيق جنائي محتمل في مزاعم خرق الثقة والرشوة والاحتيال، ومع ذلك، نجح نتنياهو في تحقيق إعادة انتخابه من خلال مغازلة اليمين المتطرف والقوميين المتدينين وهو التكتيك الذي كرره في عام 2019م.
ومع تعافيه الحالي في استطلاعات الرأي، بمغازلة «الإسرائيليين» برؤاه التوراتية يتساءل المعارضون عما إذا كان سيفوز مرة أخرى بطريقة أو بأخرى في انتخابات 2026م التي يتوقع تبكيرها؟!