كاتب المدونة: د. وفا محمود عياد (*)
في زمن النزاعات، تبرز الكلمة كسيف ذي حدين؛ إما أن ترفع من معنويات الناس، وتشد من أزرهم، أو أن تحبط عزائمهم وتفرق صفوفهم.
إن الكلمة أمانة جليلة، خاصة في الأوقات التي تتعاظم فيها الحاجة إلى وحدة الصف وتماسك القلوب، يقول الله تعالى: (وَقُولُواْ لِلنَّاسِ حُسْناً) (البقرة: 83)، وفي هذه الآية توجيه إلهي بضرورة انتقاء الكلمات التي تجمع ولا تفرق، وتحافظ على صفاء النفوس ووحدة المجتمع.
«إن الكلمة إذا خرجت من القلب وقعت في القلب، وإذا خرجت من اللسان لم تجاوز الآذان» (نهج البلاغة).
الكلمة أمانة في زمن الصراع
إن الالتزام بالصدق والدعم واجب على كل فرد في أوقات المحن، ولا سيما من لهم أثر على العامة، فالكلمة قد تكون في ساحات النزاع أشد من نصل السيف؛ إذ تؤثر على عزائم الرجال، وترسم ملامح النصر أو الهزيمة، يقول ابن تيمية: «الكلمة التي تفرق الصفوف وتحمل الناس على الظنون لا تناسب أمانة العلم وأخلاق العلماء» (مجموع الفتاوى، لابن تيمية).
وعلى العالم أن يزن كلماته بموازين الحكمة، فيرتقي بها إن كانت خيرة، ويحبسها إن كانت موغلة في الأذى.
واجب العلماء في حفظ وحدة الصف
يقع على عاتق العلماء واجب مضاعف في أوقات النزاع، إذ عليهم أن يحذروا من كل كلمة قد تثير الفرقة أو تضعف من عزائم الناس، وأن يلتزموا الحكمة والموضوعية في النصيحة والتوجيه، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيراً أو ليصمت» (رواه البخاري)، وهنا تأكيد نبوي على أن الكلمة يجب أن تكون دعماً وصدقاً، لا قنابل تشعل نيران الفتنة.
الصمت خير من الفرقة
في بعض الأوقات يكون الصمت أبلغ من الكلام، خاصة عندما تكون الكلمة في غير موضعها فتؤدي إلى الفرقة، يقول الشافعي: «إن الصمت في بعض المواطن هو الحكمة بعينها» (كتاب الأم، للإمام الشافعي).
وإن الكلمة التي لا تنير الدرب للناس، أو لا تعزز من وحدتهم، تظل عبئاً ثقيلاً، وهنا يكون الصمت خيار الحكمة.
ولتصحيح المسار نقول: علينا جميعاً أن نتحمل مسؤولية الكلمة، خاصة في زمن النزاع، وأن نتجنب كل ما يمزق صف الناس، يجب أن تكون الكلمة جسراً يربط بين القلوب، لا سهاماً تطعن بها وتمزق.
في نهاية المطاف، تبقى الكلمة سلاحاً ذا قوة جبارة، قد تجلب النصر أو تجلب الهزيمة، علينا أن نكون حذرين في استخدامها، وأن نبقيها دائماً في صف الحق والعدالة.
_____________________________
(*) مدير دائرة الرقابة الإدارية والفنية بوزارة الأوقاف والشؤون الدينية بغزة.