ساعات فقط بعد إعلان الرئيس الأمريكي المنتخب دونالد ترمب نيته تعيين حاكم أركنساس السابق مايك هاكابي ليكون سفيرًا للولايات المتحدة لدى الاحتلال الصهيوني، وهو المعروف بدعمه منقطع النظير للاستيطان خاصة في الضفة الغربية التي يعتبرها جزءاً من «أرض الميعاد»، كما يقول ويسميها بـ«يهودا والسامرة».
بعد إعلان ترمب هذا، نشر الوزير الصهيوني المتطرف سموتريتش في تغريدة بـ«إكس» قال فيها: إن 2025 سيكون عام السيادة «الإسرائيلية» على «يهودا والسامرة»، وهو الاسم الذي يطلقه الاحتلال على الضفة الغربية، وأنه أعطى تعليماته لإدارة الاستيطان والإدارة المدنية (تتبعان وزارة الدفاع) للبدء بإعداد البنية التحتية اللازمة لتطبيق السيادة على الضفة الغربية،
هذا الأمر دفعنا لطرح تساؤلات حول ملامح السياسة الخارجية الجديدة لإدارة ترمب القادمة، خصوصًا تجاه الشرق الأوسط الذي يمثل محور الصراع العالمي اليوم، فبينما يتباهى ترمب بأسلوبه الفريد في القيادة، تُظهر اختياراته للفريق الوزاري ملامح سياسات ستكون أكثر حدة وعدائية تجاه القضايا الساخنة، خصوصًا فيما يتعلق بالقضية الفلسطينية والعلاقات مع إيران.
في هذا المقال، سنحاول الوقوف على أبرز الأسماء التي اختارها ترمب ضمن فريقه لقيادة الولايات المتحدة الأمريكية، وسنركز على أبرز المواقف لدى هذه الأسماء تجاه قضايا المنطقة في محاولة لفهم شكل السياسة الخارجية القادمة انطلاقاً من ذلك.
من خلال إعلانات ترمب وفريقه، تُبرز أسماء، مثل ماركو روبيو، ومايك هاكابي، ملامح هذه الإدارة المرتقبة، روبيو الذي يُتوقع أن يتولى حقيبة وزارة الخارجية معروف بمواقفه المتشددة تجاه إيران وتأييده المطلق للكيان الصهيوني، هو ليس مجرد داعم للاحتلال، بل يعتبر أحد أبرز الأصوات المدافعة عن سياسات «إسرائيل» العدوانية.
وقد سبق له وصف النظام الإيراني بـ«النظام الإرهابي»، وأعلن دعمه المطلق للرد «الإسرائيلي» الصارم على إيران، مثل هذه التصريحات تضع ملامح واضحة لسياسة أمريكية ستدفع نحو مزيد من التصعيد في المنطقة مع مواصلة الضغط على إيران.
وفي تقديرنا أن تأجيل الرد الإيراني على العدوان الصهيوني يأتي في سياق محاولة إيران فهم تركيبة النظام الأمريكي القادم، بالإضافة لذلك، فإن روبيو لا يرى غزة سوى تهديد أمني محتمل، وتؤكد تصريحاته الأخيرة رفضه لأي هدنة في القطاع، مع دعمه الكامل لتزويد دولة الاحتلال بالمساعدات العسكرية بلا قيود؛ مع يعني تجاهل شبه كامل للمآسي التي يعيشها الفلسطينيون تحت الاحتلال، كما أن أفكار الرجل تُظهر رغبته في استمرار الحرب في غزة أكثر من رغبته في وقفها وإنهائها!
أما مايك هاكابي، المرشح لمنصب سفير الولايات المتحدة في الكيان الصهيوني، فينقل التحالف الأمريكي – «الإسرائيلي» إلى مستوى جديد من الانحياز، الرجل الذي قال يومًا: إنه لا يوجد شيء اسمه فلسطيني، يُتوقع أن يدفع نحو دعم الاستيطان بشكل غير مسبوق، مع تعزيز شرعية الضم الصهيوني للأراضي المحتلة.
هاكابي لا ينظر إلى الضفة الغربية كأراضٍ محتلة، بل كجزء من «يهودا والسامرة»؛ مما ينسجم مع الخطاب اليميني المتطرف الصهيوني، مواقفه المعادية لحل الدولتين وتعصبه المطلق لنتنياهو تعكس توجه إدارة ترمب لإغلاق الباب أمام أي عملية سياسية عادلة، كما تُثير تساؤلاً حول إمكانية أن تكون السيادة على الضفة الغربية هي هدية ترمب المرتقبة لنتنياهو ضمن أي حراك سياسي في المنطقة على غرار إعلانه القدس عاصمة للكيان الصهيوني في أعقاب فوزه في انتخابات عام 2017م.
في خضم هذه الاختيارات المثيرة للقلق، يظهر اسم جون راتكليف كمرشح لمنصب مدير وكالة المخابرات المركزية، وهو المعروف بموقفه المعادي لإيران، يضيف بُعدًا آخر للسياسات الأمنية الأمريكية، يُتوقع أن يدفع نحو زيادة العمليات الاستخباراتية ضد طهران وحلفائها في المنطقة، مع تعزيز الدعم الاستخباراتي للاحتلال، وتركيزه على اعتبار القدس العاصمة الأبدية للشعب اليهودي يُبرز انحيازًا مطلقًا يخدم المشروع الصهيوني على حساب القانون الدولي.
على الصعيد الداخلي، تتجلى نوايا الإدارة في اختيار كريستي نويم وزيرة للأمن الداخلي، مع افتقارها للخبرة الأمنية، تعكس توجهًا أيديولوجيًا أكثر منه مهنيًا، خصوصًا مع دعمها لقوانين تجرّم انتقاد «إسرائيل» تحت ذريعة معاداة السامية، هذا التوجه يعزز مناخًا عالميًا يحاصر الأصوات المنتقدة للجرائم الصهيونية، ومن غير المستبعد أن تعمل نويم ليس فقط على تشديد القوانين المتعلقة بمعاداة السامية، بل وملاحقة كل التحركات السابقة التي تندرج ضمن هذا الإطار، وخاصة الحراك الطلابي في الجامعات الأمريكية.
وفيما يتعلق بالإستراتيجية الأوسع، فإن تعيين مايك والتز كمستشار للأمن القومي يعكس نية ترمب لتبني سياسة أكثر عدائية تجاه الأعداء المفترضين، وتحديداً الصين التي يُناصبها العداء بشكل كبير، ووالتز الذي يدعو إلى تمكين الصهاينة من إنهاء المهمة في غزة، يعزز من احتمالات دعم إدارة ترمب لاستمرار الحرب في القطاع وفرض الخطط الصهيونية على سكان القطاع، إضافة إلى ذلك، فإن المواقف المتشددة تجاه إيران تتعزز مع اختيارات مثل بيت هيغسث كوزير للدفاع، وهو الذي يرى أن استهداف مواقع إنتاج الطاقة الإيرانية مفتاح لشل قدرة إيران على مواجهة الضغوط الأمريكية.
اختيارات ترمب لا تترك مجالًا للشك بأن الشرق الأوسط سيظل محور الاهتمام، مع سياسة تسعى لحسم الصراع عبر تكريس الهيمنة الصهيونية وتعزيز عزلة إيران، وهو ما يسميها نتنياهو «الشرق الأوسط الجديد»، لكن الأكثر إثارة للقلق هو غياب أي رؤية سياسية لتحقيق السلام أو إنهاء الصراعات على أساس الحقوق.
إدارة ترمب لا ترى في الفلسطينيين سوى عقبة أمام تحالف الدول العربية والإسلامية مع الكيان الصهيوني، وتتعامل مع القضية الفلسطينية كملف يجب طمسه وليس حله.
ومع هذه التحولات، يبدو أن إدارة ترمب المقبلة ستضع المزيد من الضغوط على الفلسطينيين والدول العربية التي لا تزال تسعى لحلول عادلة، العودة لسياسة الضغط الأقصى على إيران تعني مزيدًا من التوترات التي قد تنفجر في أي لحظة، كما أن تقويض أي فرص لحل الدولتين واستمرار دعم الاستيطان قد يؤدي إلى انفجار موجات جديدة من المقاومة الفلسطينية، خاصة في الضفة الغربية، في وقت يتضاءل فيه الدعم الدولي للقضية بفعل الضغوط الأمريكية.
مع اقتراب موعد تسلمه السلطة، يدرك ترمب أن الشرق الأوسط ليس فقط ساحة للصراعات التقليدية، بل هو أيضًا اختبار لقدرة إدارته على تحقيق مكاسب داخلية من خلال صفقات تسعى لتلميع صورته أمام قاعدته الانتخابية، لكن هذه السياسات قد تزيد من تعقيد الأوضاع الإقليمية؛ ما يعيد العالم إلى أجواء التوتر التي كانت سائدة خلال ولايته الأولى، مع تبعات قد تكون أكثر خطورة على الأمن والاستقرار العالميين.