جريج ماير (*)
ما زال صدى سقوط بشار الأسد السريع يتردد في سورية وفي مختلف أنحاء الشرق الأوسط، وقد أصبحت بعض التغييرات واضحة بالفعل، فالسوريون الذين فروا من الحرب الأهلية الشرسة في البلاد قبل سنوات يصطفون في طوابير عند المعابر الحدودية للعودة إلى ديارهم.
كما تنفتح أبواب السجون سيئة السمعة في البلاد، فتُطلَق سراح الآلاف، ويتحدث السوريون بحرية بعد عقود من الحكم القمعي، وما زال هناك العديد من التطورات الأخرى المتوقعة في المستقبل.
وفيما يلي نظرة أولية على ردود فعل وما قد تعنيه الاضطرابات لمجموعة من البلدان التي لها مصالح في سورية:
الولايات المتحدة
نفذ الجيش الأمريكي غارة جوية كبيرة بشكل غير عادي يوم الأحد على قواعد لتنظيم «الدولة الإسلامية» في وسط سورية، وتقول الولايات المتحدة: إن هذا تم لأن مجموعة من مقاتلي تنظيم «الدولة الإسلامية» تجمعوا للتدريب، ربما على أمل الاستفادة من الاضطرابات في سورية، وضربت الولايات المتحدة نحو 75 هدفاً بمجموعة متنوعة من الطائرات، من بينها قاذفات «بي-52» الضخمة.
تقاتل القوات الأمريكية تنظيم «الدولة الإسلامية» في سورية منذ عقد من الزمان، وقد هزمت الجماعة هزيمة ساحقة قبل 5 سنوات، ولا يزال نحو 900 جندي أمريكي موجودين لمنع عودة ظهور تلك المنظمة المتطرفة، ومعظم الأمريكيين موجودون في شمال شرق سورية النائي، وبعضهم موجودون في أقصى الجنوب.
وقد قال الرئيس بايدن، يوم الأحد: إن الولايات المتحدة ستحافظ على هذا الوجود العسكري، ووصف الإطاحة بالأسد بأنها لحظة مخاطرة وفرصة، مضيفًا أن الولايات المتحدة ستعمل مع السوريين وهم يحاولون تشكيل حكومة جديدة.
ومع ذلك، فإن الرئيس المنتخب ترمب يتبنى نبرة مختلفة، فقد لجأ إلى وسائل التواصل الاجتماعي خلال عطلة نهاية الأسبوع، وقال: إن سورية ليست مشكلة أمريكية، ولا ينبغي للولايات المتحدة أن تتدخل، ويجب أن تترك الأحداث تسير دون تدخل.
لكن الولايات المتحدة متورطة هناك بالفعل، والقوات الأمريكية لا تقاتل تنظيم «الدولة الإسلامية» فحسب، ولكنها تقوم أيضاً بحماية المدنيين السوريين المعرضين للخطر.
فقد صرح معاذ مصطفى، من قوة المهام الطارئة السورية، وهي مجموعة مساعدات أمريكية: إن القوات الأمريكية قدمت مساعدات إنسانية للمدنيين النازحين في منطقة قاحلة على الحدود الجنوبية لسورية.
وقال مصطفى: إذا تحدثت إلى أي من هؤلاء الأشخاص وسألتهم عن الجيش الأمريكي، وسألتهم عن العلاقة بين الاثنين، فإن هؤلاء السوريين سيقولون: إنهم يحبون الجيش الأمريكي.
إيران
يعتبر سقوط الأسد الأحدث في سلسلة من النكسات الكبرى التي تعرضت لها طهران، فلقد أمضت إيران الفارسية العقود الأربعة الماضية في تطوير الشركاء والوكلاء العرب في المنطقة، والمعروفين بشكل جماعي باسم «محور المقاومة»، ولكنهم كانوا يتدحرجون مثل أحجار الدومينو في العام الماضي.
كانت إيران حاسمة في وقوفها مع الأسد، بينما الذي كان يكافح من أجل البقاء في السلطة خلال الحرب الأهلية التي اندلعت في البلاد في عام 2011م، وقد حافظ الحرس الثوري الإيراني على وجود قوي في سورية حتى انسحابه الأسبوع الماضي، قبل تقدم الثوار، كما استخدمت إيران سورية كجسر لشحن الأسلحة إلى «حزب الله» في لبنان.
والآن رحل الأسد، وضعف «حزب الله» بشدة بسبب حربه مع «إسرائيل».
وقالت جونول تول، من معهد الشرق الأوسط في واشنطن: إن خسارة سورية ستوجه ضربة قوية لإيران ووكلائها في المنطقة، ولهذا السبب أعتقد أن القادة في طهران يشعرون الآن بالقلق الشديد، هذه لحظة تعرضت فيها إستراتيجية إيران الإقليمية لضربة قوية، في وقت يتم التشكيك في النظام في الداخل من قبل ملايين الإيرانيين.
روسيا
ظلت سورية الشريك الرئيس لروسيا في المنطقة لعقود من الزمان، وعندما هدد الثوار السوريون حكومة الأسد في عام 2015م، قصفت القوات الجوية الروسية مناطق الثوار بشدة ساعدت في تأمين قبضة الأسد على السلطة.
وحينها قال الرئيس الروسي فلاديمير بوتين: إن هذا يظهر التزام روسيا بدعم حلفائها.
ولكن روسيا الآن منشغلة بالحرب في أوكرانيا، ولم تنفذ سوى بضع غارات جوية أثناء انهيار نظام الأسد، الأمر الذي يدل على أنها غير قادرة أو غير راغبة في تقديم دعم كبير.
إن روسيا تولي أهمية كبيرة للقاعدة البحرية والقاعدة الجوية اللتين تمتلكهما على ساحل البحر الأبيض المتوسط في سورية، وهما القاعدتان العسكريتان الوحيدتان لروسيا في الشرق الأوسط، والآن أصبحتا معرضتين للخطر إلى حد كبير، فقد كبدت حملات القصف الروسية السابقة خسائر شديدة للثوار -والمدنيين السوريين- ولهذا قد لا يكونون ميالين إلى السماح لروسيا بالاحتفاظ بهذا الوجود العسكري.
وبالإضافة إلى ذلك، منحت روسيا حق اللجوء للأسد وعائلته؛ وهو ما قد يشكل نقطة خلاف مع الحكومة السورية الجديدة.
«إسرائيل»
كانت «إسرائيل» على خلاف دائم مع الأسد، لكنها اعتبرته الشيطان الذي تعرفه، واعترفت «إسرائيل» بأن الأسد حافظ على هدوء الحدود مع «إسرائيل» إلى حد كبير، حتى عندما كانت المنطقة الأوسع مشتعلة.
ستواجه «إسرائيل» الآن سورية التي لا يمكن التنبؤ بها إلى حد كبير حيث يمكن للجماعات الإسلامية أن تتولى دوراً بارزاً، فعلى مدى العام الماضي، ظلت «إسرائيل» تقاتل مجموعة مثلهم في غزة «حماس»، وأخرى إلى الشمال منها «حزب الله» في لبنان، و«إسرائيل» تشعر بالقلق من مجموعات مماثلة في سورية.
استولت «إسرائيل» على مرتفعات الجولان من سورية في حرب عام 1967م، وضمت المنطقة الإستراتيجية في وقت لاحق، ومن المؤكد أن استمرار «إسرائيل» في السيطرة على مرتفعات الجولان سيظل نقطة احتكاك رئيسة، بغض النظر عمن سيتولى السلطة في دمشق.
تركيا
لدى الرئيس التركي رجب طيب أردوغان أهداف متعددة في سورية، وهو في وضع جيد سيمكنه من ممارسة دور قيادي في مستقبلها.
في البداية، يرغب أردوغان في تشكيل حكومة جديدة في سورية على ذوقه، كما تقول جونول تول، من معهد الشرق الأوسط، مؤلفة كتاب «حرب أردوغان: كفاح الرجل القوي في الداخل وفي سورية»، وتقول تول: يمكن لتركيا أن تصبح صانعة للملوك، وسوف تستفيد تركيا محليًا وإقليميًا من حكومة سورية جديدة، وربما صديقة حميمة في دمشق.
والزعيم التركي يرغب أيضًا في رؤية أكثر من 3 ملايين لاجئ سوري في تركيا يعودون إلى ديارهم، وقد بدأ البعض في القيام بذلك بالفعل، وبالإضافة إلى ذلك، ستتمتع شركات البناء التركية بوضع جيد لإعادة بناء سورية، التي دمرتها حرب مستمرة منذ أكثر من عقد من الزمان.
ومع ذلك، فإن طموحات أردوغان ستعتمد على استعادة سورية للاستقرار النسبي، ففي عهد أردوغان، غالبًا ما عمل الجيش التركي في سورية ضد مجموعات كردية مختلفة ينظر إليها أردوغان على أنها تهديدات قوية لحكمه، فإذا اختار أردوغان العمل ضد الفصائل الكردية في سورية، فقد يؤدي ذلك إلى تقويض الجهود الرامية إلى إعادة بناء سورية.
__________________
(1) كاتب متخصص في الأمن القومي الأمريكي ومجتمع الاستخبارات، عمل كمراسل أجنبي في تغطية الصراعات في أنحاء عديدة من العالم.
– المصدر: موقع «NPR» الأمريكي.