«دمرنا مقدرات الجيش السوري بأكبر عملية جوية قمنا بها في تاريخنا»، هكذا قالت «إذاعة الجيش الصهيوني»، نقلاً عن مصدر أمني كبير، تعقيباً على العمليات الهمجية التي نفذها جيش الاحتلال بعد ساعات من سيطرة المعارضين (الثوار) السوريين على الحكم في سورية.
القصف الصهيوني الذي طال أغلب المطارات السورية ودمر كافة الطائرات والبوارج والسفن الحربية ومقرات ومخازن للجيش السوري، في قرابة 480 غارات جوية خلال يومين فقط، جاء بهدف صهيوني معلن هو «عدم وجود هذه الأسلحة في أيدي الجهاديين» بعد سقوط نظام بشار الأسد وهربه لموسكو.
القصف جاء عقب تملص وتراجع الاحتلال عن اتفاق «فض الاشتباك وفصل القوات» الذي تم توقيعه بين سورية و«إسرائيل» عقب حرب أكتوبر 1973م، وذلك في مايو 1974م، في جنيف برعاية أمريكية سوفييتية حينذاك.
الاحتلال نفذ 480 غارة على المطارات ومواقع الصواريخ والدفاع الجوي والسفن ومواقع للجيش
ولم تكتف «إسرائيل» بإنهاء اتفاقية فض الاشتباك مع سورية عام 1974م، ولكنها توغلت في الأراضي السورية، فبدأت باحتلال منطقة جبل الشيخ الملاصقة للجولان الذي تحتله «إسرائيل» منذ عام 1973م، وضمته رسمياً لها وترفض التنازل عنه، وتبع هذا احتلال كل المنطقة العازلة بين سورية و«إسرائيل» التي تعادل 14 كيلومتراً، وطرد القوات الأممية الموجودة هناك للفصل بين القوات، ثم توسيع الاحتلال ليبلغ مسافة 25 كيلومتراً قريباً من جنوب دمشق!
وهو ما يشير لنوايا صهيونية بالضغط على المعارضة السورية وتوريطها في حرب مبكرة مع الاحتلال للقضاء عليها، بالتزامن مع تدمير كافة قدرات سورية العسكرية، خاصة سلاح الصواريخ والطائرات، بعدما بدأ الاحتلال يحذر رسمياً من أن من سيحكم سورية هم إسلاميون سلفيون معتدلون وإخوان.
وأكد هذا مصدر سوري مطلع لـ«المجتمع»، شارحاً أن الاحتلال الصهيوني يضغط لخلق حالة حرب في وقت تتم فيه السيطرة على الوضع، ويريد نشر الفوضى في سورية كي يسهل تقسيمها وسهولة تحكم الاحتلال فيها وتلافي أي وجود إسلامي على حدود دولة الاحتلال، مضيفاً أنه سيتم التعامل مع الصهاينة بشدة عقب استقرار النظام، وسيخرجون من المناطق التي احتلوها، مشيراً إلى أن القصف «الإسرائيلي» تم بتنسيق مع مجموعة ماهر الأسد!
وتسعى «إسرائيل» إلى تدمير القدرات الحربية والدفاعية السورية، وأي سلاح إستراتيجي ثقيل وصواريخ أرض – جو، ومنظومات الدفاع الجوي، وصواريخ أرض – أرض، الموجّهة عن بُعد، وقذائف صاروخية طويلة المدى وصواريخ شاطئ – بحر؛ كي تضمن السيطرة على أجواء سورية وردع الإدارة السورية الجديدة من تهديد أمنها.
«إسرائيل» تضغط على الإدارة السورية الجديدة عبر توريطها في حرب مبكرة مع الاحتلال للقضاء عليها
ويشير نكص الاحتلال الصهيوني العهد (اتفاق فض الاشتباك) لعام 1974م، إلى أن الهدف الصهيوني في نهاية المطاف هو احتلال الأراضي العربية لا السلام كما يزعمون.
ماذا جرى؟
بموجب اتفاق عام 1974م، تم إنشاء منطقة عازلة، فضلاً عن منطقتين متساويتين من القوات والأسلحة المحدودة للطرفين على جانبي المنطقة، لكن جيش الاحتلال قام باحتلال هذه المنطقة منزوعة السلاح (14 كم)، ووسع احتلاله لسورية واحتل منطقة جبل الشيخ (التي كانت غير محتلة) ليضمها للجولان المحتل وضمنها قرابة 20 قرية وبلدة سورية.
وأعلن رئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو أن اتفاق عام 1974م يعتبر لاغياً، بحجة أن الجنود السوريين تركوا مواقعهم في القسم المخصص لهم بالمنطقة المنزوعة بالجولان المحتل، وبرغم أن قوات الأمم المتحدة لا تزال موجودة وتحمي الحدود، وهذا معناه إعلان الحرب رسمياً على سورية مجدداً ومن حقها الرد، لكنه اتخذ هذا القرار لأنه يعلم أنها مفككة حالياً ومشغولة بتسليم وتسلم الحكم لنظام الثوار الجديد؛ لذا استكمل عدوانه لنزع أسنانها العسكرية بتدمير قدارتها الحربية، وهو ما يعني أن «إسرائيل» قد تفتح، من حيث لا تدري، على نفسها جبهة سورية بعد غزة ولبنان.
الهدف الصهيوني، كما أكد القادة الصهاينة و«إذاعة جيش الاحتلال»، تدمير القدرات العسكرية السورية بالكامل؛ كيلا يسيطر عليها «الجهاديون»، في إشارة لتولي نظام جديد ذي طابع إسلامي يهدد دولة الاحتلال.
«إذاعة جيش الاحتلال» الرسمية أكدت أن «إسرائيل» تهاجم كل ما يمكن أن يهدد «إسرائيل» في سورية، وأنها تعمدت تدمير كل ما يمكن أن يشكل خطراً عليها، بما في ذلك أي مادة استخباراتية يمكن أن يستخدمها الأعداء في المستقبل، وقالت: إن «إسرائيل» قررت الاستفادة الكاملة من الفرصة، والهجوم على أوسع نطاق ممكن.
.. وتريد نشر الفوضى بسورية كي يسهل تقسيمها وتلافي أي وجود إسلامي على الحدود معها
وفي غضون 48 ساعة، نفذ الاحتلال 480 غارة جوية على المطارات والطائرات الحربية ومواقع الصواريخ والدفاع الجوي والسفن الحربية ومواقع للجيش، وهو ما لم يفعله منذ نشأة الدولة الصهيونية عام 1948م في معاركه السابقة مع مصر وسورية وغزة، ووصفت «إذاعة الجيش الإسرائيلي» هذه العمليات الهمجية، 9 ديسمبر 2024م، بأنها «غير مسبوقة»، مشيرة إلى أن الطيران الحربي «الإسرائيلي» نفذ هجمات مكثفة استهدفت تدمير كل الأهداف العسكرية التابعة للنظام السوري.
وقالت: إن هذه الهجمات تأتي في أعقاب اتخاذ القيادة «الإسرائيلية» قراراً إستراتيجياً بتدمير جميع القدرات العسكرية المتقدمة والإستراتيجية للجيش السوري بعد سقوط نظام الأسد، أما الهدف فهو «دفع الدولة السورية المستقبلية إلى العمل على بناء قدراتها العسكرية من الصفر كدولة جديدة»، وفق «إذاعة الاحتلال»!
وبالتزامن مع الهجمات الجوية الصهيونية، قام جيش الاحتلال بغزو بري لأراضٍ سورية واحتل منطقة «جبل الشيخ» الإستراتيجية، بخلاف 15 قرية أخرى، وتوغل حتى مسافة 25 كم جنوب غرب دمشق، لكنه ظل ينفي اقترابه من دمشق ويقول: إنه يعمل فقط في المنطقة العازلة التي احتلها.
وبرر الناطق باسم حكومة الاحتلال دافيد مينسر، للصحافة الأجنبية، تدمير القدرات العسكرية السورية واحتلال هذه الأراضي الجديدة داخل سورية بأنها «ضمان كي لا تتمكن أي قوة جهادية معادية من التمركز قرب الحدود»، إلا أن تقديرات عسكرية تشير إلى أن هدف «إسرائيل» هو التوسع لو فشلت الثورة السورية في توحيد واستقرار البلاد، أو التفاوض على الأرض المحتلة الجديدة مع حكومة مستقرة بدمشق على معاهدة سلام دون أن تعيد الجولان المحتل.
التحرك «الإسرائيلي» ضد سورية جاء بعد سلسلة تحذيرات من قادة عسكريين ومراكز أبحاث «إسرائيلية» من أن من سيحكم سورية هم الثوار الإسلاميون وتصنيفهم على أنهم «جهاديون، وداعشيون»! فغالبية فصائل ثوار سورية، خاصة «هيئة تحرير الشام» و«أحرار الشام»، هم من السلفيين المعتدلين، وممن ينتمون لفكر جماعة الإخوان المسلمين؛ وهو ما دفع الاحتلال للتخوف من نشوء دولة سُنية معادية في سورية بدل الدولة العلوية التي كانت تنشد الهدوء مع دولة الاحتلال حفاظاً على كرسي الحكم.