كم هو رائع دين الإسلام العظيم
اجتمعت الدارسات قي لقاء مجدد، كانت هؤلاء الدارسات قد حضرن دورة كاملة عن التحرك بالقرآن والحديث تحت إشراف معلمتهن، وكان من منهج الدورة أن تقوم كل واحدة من الدارسات بعد حضور الدورة بالتطبيق العملي الواقعي لما تعلمته وما تدربت عليه، ثم تجتمع الدارسات مرة أخرى بحضور معلمتهن، لتعرض كل واحدة منهن تجربتها الخاصة في التطبيق، ومدى نجاحها في ذلك، والمشكلات والمتاعب التي واجهتها في هذا الصدد؛ وذلك لتعميم الفائدة وإثراء تجربة التحرك بالقرآن والحديث بصفة عامة.
من بين التجارب التي عرضت في ذلك اليوم، التجربة التي نقدمها هنا كما روتها صاحبتها بنفسها.
هي طالبة في الجامعة الأمريكية، شعرت أن أستاذتها بالجامعة تجعل دوماً حجاباً من الجفاء بينهما، ولا تعرف لذلك سبباً، هل السبب هو سمْتها الإسلامي المميز؟! ردت على نفسها أن كثيرات من الفتيات مثلها، هل لأنها تناقش القضايا الإسلامية بحماس واهتمام؟ ردت كذلك بأنها ليست الوحيدة في ذلك، عجزت الفتاة عن تعليل سبب هذا الحاجز، وحاولت إزالته بلا طائل، وحتى أبحاثها التي كانت تهتم بها وتبذل فيها جهداً كبيراً ثم تقدمها لها حيث يترتب عليها جهد سنة كاملة، كانت ترفضها أستاذتها دون تفسير أو تعليل، وكان هذا الهم يسبب للفتاة كدراً، وضيقاً، وقلقاً، وتتوقع أنه سيجلب لها متاعب ومشكلات لا تتوقعها.
كانت الطالبة منذ حضورها دورة التحرك بالقرآن والحديث، وأعجبها ما سمعت ودرست، تمنت لو تستطيع تطبيق هذا الأمر في حياتها، ولكنها لم تكن قد توصلت إلى وسيلة، وعندما أهمها أمر أستاذتها أخذت تبحث عن حل لمشكلتها عن طريق التحرك بالقرآن والحديث، ولكنها لم تصل إلى نتيجة.
في يوم من الأيام كانت الأستاذة عابسة حزينة بشكل أكثر من المعتاد، وصرَّحت لطلبتها أن ولدها الذي يبلغ من العمر أربعة أعوام يعاني من مرض يمنعه من الكلام وحالته متأخرة، وأن ذلك ربما كان له تأثير سلبي على معاملتها ومساعدتها لهن، وطلبت منهن أن يعذرنها في ذلك.
هنا تذكرت الفتاة قريبةً لها كان ولدها يعاني من نفس هذا المرض، وطاف بذهنها قول الله سبحانه وتعالى: { ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ”34″}(فصلت)، وأحست أنها وجدت بغيتها أخيراً، وعزمت على مساعدة أستاذتها بالتحرك بهذه الآية.
دخلت على الإنترنت، وقامت بتجميع كل ما تحتاجه أستاذتها من معلومات تفيدها في علاج ولدها، وأيضاً حصلت من قريبتها على اسم الطبيب المعالج ورقم هاتفه، وعلى معلومات مهمة حول المرض وطرق علاجه، وذهبت لتبشر أستاذتها ألا تيأس، وهي تضع في حسبانها أن أستاذتها ربما لا تقابل صنيعها بترحاب، وربما قابلتها بنفس الجفاء المعتاد.
قبل أن تصعد لمكتب أستاذتها علمت أن نتيجة الاختبارات قد ظهرت، وكانت المفاجأة المزلزلة؛ أنها رسبت في هذه المادة، مادة أستاذتها، دارت بها الدنيا، فقد تذكرت كل ما عانته من هذه الأستاذة طوال العام، وكيف كانت ترفض أبحاثها، ولا ترحب بمساعدتها، ولكن ما أثارها أكثر هو يقينها أنها في هذا الامتحان بالذات قد أجابت على معظم الأسئلة إجابة صحيحة، وقع منها الملف الذي أعدته للأستاذة على الأرض، وشعرت كم هي تنزف ألماً لمجرد تفكيرها أن أستاذتها ربما فعلت ذلك عن عمد وترصد.
جمعت الوريقات المتناثرة على الأرض، وفكرت بقوة أن تعدل عن الذهاب إلى أستاذتها، فكيف تقوم بمساعدتها وهي تحس أنها ظالمة لها، غيَّرت وجهة سيرها استعداداً للعودة إلى منزلها، ولكن شيئاً بداخلها قال لها: إنك على حق، هذه المرأة لا تستحق منك المساعدة طالما أنك ربطت الأمر بها، ولكن أكان هذا ما دفعك لإعداد الأوراق والمستندات لإعطائها إياها؟ وماذا تغير فيها عن ذي قبل؟ أفلم تكوني تتوقعين شيئاً من ذلك؟ أفيقي.. لقد قررتِ التحرك بآية من القرآن ابتغاء مرضاة الله، فاختاري لنفسك، ووجدت الآية نفسها تقول لها: أكملي وتذكري {وَمَا يُلَقَّاهَا إِلاَّ الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلاَّ ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ “35”}(فصلت).
لم تستطع منع دموعها.. دموع استغفارها لربها، ودموع الإحساس بالظلم الذي تعانيه، قررت أن تستجيب لحديث نفسها، وأن تعلو على مشاعرها، واتجهت بخطوات ثابتة إلى حيث مكتب أستاذتها، واستأذنتها، فقامت الأستاذة من على مكتبها بطريقة سريعة، متوقعة أن الطالبة ستسأل عن سبب رسوبها، وتستعد للإجابة بقوة وحسم، لكن الطالبة سلمت لها الملف، وبلطف قالت: في هذا الملف معلومات مفيدة جداً في علاج مرض ولدك، أجمعها لك من يوم أن علمت بذلك، وإذا أذنت أن تعطيني عنوان بريدك الإلكتروني؛ لأني أتوقع أن تتوافر لي معلومات أخرى أرسلها إليك عن طريقه.
انعقد لسان الأستاذة، ولم تدرِ بماذا ترد، بل حتى عجزت عن شكر طالبتها، وبحركة آلية أعطتها العنوان، ونزلت الفتاة على الدرج بخطوات ثقيلة وهي تخفي دموعها حتى لا يلحظها أحد، وبعد توافر المعلومات الأخرى لديها؛ أرسلت بقية ما تعرف من معلومات لمساعدة الطفل المريض، في رسالة على بريد أستاذتها الإلكتروني.
لم تستطع التخلص من الإحساس بالاضطهاد الذي كساها، فكان البكاء هو ما يفرج عن ضيقها الشديد، لم يكن سهلاً عليها أن تضغط على مشاعرها بهذا الشكل، لكن حبها لربها هو الذي فصل في الأمر، فكانت تسأل الله أن يفرج همَّها ويخفف عنها ما تجد.
بعد فترة ليست طويلة، رنَّ هاتفها وكانت أستاذتها على الخط الآخر، طلبت منها الحضور إلى الجامعة على الفور، ووجدت الفتاة في لقاء أستاذتها ترحيباً حاراً مصبوغاً بقليل من الخجل، وقالت لها: حبيبتي، أعلم أنك مجتهدة، لذلك تقابلت مع عميد الكلية، وطلبت منه أن تمتحني مرة أخرى بعد أقل من شهر حتى تكوني مع زميلاتك في المنهج الدراسي القادم، تهللت أسارير الفتاة، لم تكن تصدق ما تسمع، وخرجت هذه المرة وهي تكاد تطير على الدرج من سعادتها، كان أكثر ما أسعدها هو نجاحها في اختبار التحرك بالقرآن، وأنها تعيش هذه التجربة بنفسها، دخلت سيارتها وأدارت المفتاح مرددة: {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلاَّ رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ “107”}(الأنبياء).
حقاً يا رسول الله، لولاك ما عرفنا، ولولا أن طبقنا ما سعدنا، كانت السعادة مزدوجة، والرحمة مستوفية للجميع، كم هو رائع دين الإسلام العظيم، تبسمت وقالت بصوت مسموع: كم أنا فخورة بعبوديتي لك يا من بلا حول مني ولا قوة خلقتني، ولم تتركني، بل بدستور حياة أكرمتني بآيات ندب بها على الأرض؛ فينمو بها وبنا الخير.