علاقات قويّة كانت تربط بين الطائفة الدرزية في فلسطين وبين الجماعات اليهودية – ليس الكل – وازدادت تباعاً منذ قيام الدولة الصهيونية في عام 1948م
علاقات قويّة كانت تربط بين الطائفة الدرزية في فلسطين وبين الجماعات اليهودية – ليس الكل – وازدادت تباعاً منذ قيام الدولة الصهيونية في عام 1948م، ربما بلغت ذروتها إبان حياة الزعيم الروحي للطائفة “أمين طريف” الذي أعطى ولاءً بلا حدود للدولة الوليدة، التي اعتمدت في سبيل التحقق منه، من خلال وسائل متعددة، وأهمها تقديم الأموال والصعود بالطائفة، ووعدها بمناصب سياسية واقتصادية في الدولة، والتي ساعدت في اجتذاب تعاطفها وكسب ولائها لها على نحوٍ متقدّم، وإيهامها بأنها أقرب إلى اليهودية من القومية العربية المتلاشية، والتي ترسخت لديهم بشدّة أكثر، حينما تم إحياء هذه المزاعم من خلال نائب الكنيست الدرزي “أيوب قرّا” – عضو في حزب الليكود اليميني الصهيوني ويقف جنباً إلى جنب مع رئيس الوزراء “بنيامين نتنياهو” في سياسته ضد الفلسطينيين، وكان من أشد المعارضين لخطّة الانسحاب “الإسرائيلي” من قطاع غزة عام 2005م – حين أكّد بأن الطائفة الدرزية هي إحدى القبائل اليهودية التي تاهت في صحراء سيناء، واستدل على أن أبناء الطائفة يؤمنون بزفولون (سبلان)، والياهو (الخضر)، ويترو (شعيب) المذكورين في كتاب “التاناخ” (التوراة)، وأنه لا تمييز بين الديانة والطائفة، إذ يرى أن الإسلام طائفة، كما أن مزاعم “الهولوكوست” الدرزي الكبير، الذي حصد 11 مليون درزي، على أيدٍ عربية، أي ضعف “الهولوكوست” اليهودي الذي لم يتجاوز 6 ملايين يهودي كما تحكي المزاعم اليهودية، كانت مثّلت دعامة قوية في الانتماء الدرزي للدولة والاندماج فيها، وبالتالي ساهم في نمائها وتطورها.
معظم الدروز هم مندمجون في الدولة “الإسرائيلية”، ويكنّون التقدير والولاء لها، وهم يتفرقون حول الأحزاب “الإسرائيلية” وخاصةً اليمينيّة، وعلى رأسها “الليكود”، وهناك العديد من الشخصيات الدرزية التي تبوأت مكانة داخل تلك الأحزاب، والتي أهّلتهم للدخول في مؤسسات الدولة الحكومية، وأهمها مؤسسة الجيش، حيث تقلّدوا خلاله مناصب قيادية لكتائب وألوية وكأعضاء في “الكنيست” الصهيوني، ومنهم النائب “مجلّي وهبة” وسابق الذكر “قرّا” وكلاهما خدما في الجيش الصهيوني برتبة “رائد” في وحدات عسكرية مختارة.
برغم التقاليد العنصرية ضد غير اليهود، في “إسرائيل”، هناك من يغارون على الدروز ويدافعون عنهم، نظراً لولائهم للدولة ولليهوديّة بشكلٍ عام، بغض النظر عن بعض تصرفات بعضهم كالتهرّب من أداء الخدمة العسكرية أو عدم الولاء كفاية للعلم “الإسرائيلي”، أو عدم الانتظام لبعض القوانين “الإسرائيلية”، وكان الأصولي المتشدد وزعيم حزب “البيت اليهودي” “نفتالي بينت” قد ثار بقوّة لصالح الدروز، بناءً على صلتهم الجيّدة مع الدولة، وتماهيهم مع الحزب بشكلٍ خاص، سيما وأن مئات الدروز هم أعضاء فيه.
لدينا، وفي أنحاء المناطق العربية، كان يطغى الوصف بـ”الدرزي” لمن يشتد قلبه بالقسوة، أو باختلاق بدعةٍ مؤذية، أو بالمعاملة الصعبة، كما عانى الفلسطينيون أشد معاناة من أعمال الدروز وسلوكياتهم منذ التحاقهم كعناصر فاعلة في قيادة الدولة، وسلوكهم المعادي لهم، سيما وأن جُل قادة الحكم العسكري داخل المناطق في القطاع أو الضفة الغربية هم من الدروز، وحتى أُلصقت أغلبية عمليات القتل التي حدثت في صفوف الفلسطينيين بدايةً بتحقيق عمليات أمنية ضد فدائيين فلسطينيين ومروراً بعمليات القتل التي حدثت خلال الانتفاضتين الفلسطينيتين عام 1987، وعام 2000م، وانتهاءً بالمشاركة في الاعتداءات “الإسرائيلية” ضد الفلسطينيين، حيث كان لهم الدور البارز في العدوان “الإسرائيلي” الأخير في يوليو الماضي (الجرف الصامد) تحمل خلاله الجنود الدروز مسؤولية لا بأس بها، أثناء الحرب، ولا أحد يستطيع نسيان قائد القوات الصهيونية “غسان عليان” الذي أصيب خلال العملية العسكرية على مشارف القطاع، وعاد في نفس اللحظة إلى حومة الوغى – متحدياً – للقتال وسحق المقاومة الفلسطينية.
في قرية أبوسنان، في منطقة الجليل شمال فلسطين، اتضح ولاء الدروز للدولة “الإسرائيلية” والدفاع عنها بشكلٍ صارخ، عندما ثاروا ضد مسلمين مناوئين لـ”إسرائيل” وممارساتها القمعيّة ضد الفلسطينيين ومقدساتهم، حيث أصيب عشرات الأشخاص، منهم حالات خطرة خلال شجار عنيف.
ليست هذه الحادثة مهمّة، بقدر ما كشفت أن هناك ولاءً درزياً متزايداً بالنسبة إلى الدولة الصهيونية، في مقابل عداءٍ متنامٍ ضد الفلسطينيين المسلمين، ليس في القرية هذه والتي تضم 15 ألفاً، ثلثهم تقريباً من الدروز، وإنما في كل القرى التي يشترك في سكنها أفراد من الطائفتين؛ بما يعني أن المسألة ربما لا تتوقف عند هذا الحد، وهو الأمر الذي يُوجب الحذر.
(*) خانيونس – فلسطين