حسن القباني
حسن القباني
نعود سوياً، لعصر الاحتلال الفرنسي البغيض لمصر، والذي لم تعتذر فرنسا بعد عن جرائمه للمصريين، وتحديداً نتوقف على شخصية “سيساوية” بامتياز، وهي المعلم “يعقوب”، واسمه بالكامل “يعقوب حنا”؛ وهو مسيحي مصري اتفق المؤرخون على خيانته، وكان أهل الصعيد من المسلمين والمسيحيين على السواء، يسمون جيش الاحتلال الفرنسي، جيش المعلم يعقوب، وكان أحد أدوات الاحتلال الفرنسي لمعاقبة المصريين في ثورتي القاهرة الأولى والثانية في الفترة من 1798 – 1800م.
المعلم يعقوب رغم أنه في البطاقة مصري، إلا أنه كان عدو المصريين، وخادم خبيث للاحتلال الفرنسي، وقائد حرب لفصيلة مسيحية متطرفة ضد أبناء بلده، وجامع جباية بالإكراه منهم، ويستشهد المؤرخ القبطي شفيق غربال على دور المعلم يعقوب القذر، برسالة كتبها الجنرال “جاك فرانسوا مينو” إلى “بونابرت” يقول فيها: “إني وجدت رجلاً ذا دراية ومعرفة واسعة اسمه المعلم يعقوب وهو الذي يؤدي لنا خدمات باهرة منها تعزيز قوة الجيش الفرنسي بجنود إضافية من القبط لمساعدتنا”.
قدم المعلم يعقوب كل ما يضر مصر والمصريين، وساهم في علو الاحتلال الفرنسي علو كبيراً، ومع نهاية الحملة الفرنسية على مصر، هرب للخارج، ولكن بعد يومين من ركوب سفينة الهروب جاءه قدر الله قاهر الخونة المتكبرين، بحمى وإسهال حاد مات على إثرهما، وقذف الفرنسيون جثمانه من السفينة رغم وصيته بالدفن جوار أحد قادتهم العسكريين، لتكون نهايته في قبر بلا مكان بعد خيانة بلا حدود.
وعلى خطى المعلم يعقوب، طرح علينا الجنرال المتأزم بوجه مكروب مشروعه الجديد، بعد فشل جميع مشاريعه بما فيها المشروع الأم لرعاية الإرهاب، كورقة أخيرة وقربان أخير بعد استنفاذ كل أوراقه وقرابينه، ليفاجأ الجميع بمكنون عقيدته وصدره وقدر عقله، بدعوته لـ”تين” جديد مع الاعتذار للتين، غير الدين الذي مكث لمئات السنين بدون تغيير لثوابته ونصوصه المقدسة، “تين” يعالج اعتداءات أمة الإسلام على باقي المليارات البشرية والتي يسقط فيها للمفارقة مسلمون.
ولم تمر أيام معدودات، حتى جاءت زيارته المفاجئة المستعجلة، التي أفسدت قداس المسيحيين، ليقول غزلاً صريحاً بوجه بشوش في حضرة البابا ورجالات أمريكا ومندوبها السامي الحاضرين، لتكتمل الصورة وتضيف بُعداً جديداً للمشهد، بين وجه مكروب أهان دين الأغلبية الحزينة وشارك في الحملة الصليبية الصهيونية لوصم الإسلام بالإرهاب، وبين وجه بشوش أدخل السرور على الأقلية السعيدة وأرضى المندوب الأمريكي في مصر.
الأمر لم يتوقف عند هذا الحد، فقد خرج علينا متطرفو الانقلاب من الجانب المسلم والمسيحي، بهرطقات صارخة، تنال بلسان مسلم من الدين وتعزف ألحان النفاق في ضلال “السيسي” وجهله الصارخ، ووصلت في الجانب المسيحي إلى حد الادعاء بأن الانقلاب “عمل إلهي بكل المقاييس وفعل من السماء”، وبأن “السيسي” هو “المسيح”، وهو “المنقذ” وهو “المخلص”!
هل إذن نحن إزاء وضع الوطن تحت الاحتلال الأجنبي، بعد تقديم نسخ المعلم يعقوب فرع السلاح والدين والإعلام، لكافة التنازلات المعهودة وغير المعهودة في أزمنة الاحتلال للبقاء في ذات المقاعد؟ وهل الانتداب الأجنبي بدأ بعد فشل المعلم يعقوب أبو بندقية في تنفيذ المهمة، ما يلزم وضع البلد تحت الوصاية الأمريكية تحديداً مباشرة، بحيث كان لازماً على الجنرال المتأزم أن يقدم قرابين الرضا للبيت الأبيض من الكاتدرائية؟!
في حقيقة الأمر، المعلم يعقوب هو قدوة الجنرال المنقلب في شيء، والمشهد به أكثر من شخص يؤدي دور المعلم يعقوب بطريقته، ولكن في النهاية، فإن الجميع يلعب لصالح دولة الهيمنة ولصالح استمرار الاحتلال غير المباشر، ومن هنا نفهم أن أزمة الرئيس الشرعي المنتخب “محمد مرسي” أنه أعلن صريحة عن مشروع استقلالي تحرري بتوفير الغذاء والدواء والسلاح، بغية إنهاء ذلك الاحتلال، ولكن كانت أيدي المعلم يعقوب أسرع، ليمكن تسمية لحظة الانقلاب بلحظة الاحتلال غير المباشر.
إن لحظة دخول الجنرال المنقلب للكاتدرائية بعد كارثة المولد النبوي، هو لحظة الانتقال من السر إلى العلن، لحظة مخاطبة رجال أمريكا علناً في القداس، لحظة مخاطبة ود المندوب الأمريكي الذي تواجد في القداس، لحظة التمهيد لمشهد لبناني أو يمني إذا فقد المعلم يعقوب إدارة الدفة على حين غرة من جراء الثورة الطامحة لحسم ثوري جذري يقر الاستقلال التام لمصر، ويجعلها لكل المصريين.
وهكذا من رسائل اللقاء المسجل لقائد الانقلاب العسكري في الاحتفال المشوش بالمولد النبوي الكريم إلى دلالات الزيارة المفاجئة المستعجلة لذات البني آدم للكنيسة للأرثوذكسية لا الإنجيلية ولا الكاثوليكية، فضح الجنرال المنقلب نفسه، وجدد للكافة حقيقة ما هو معلوم لكثيرين منذ اللحظة الأولى لانقلابه الصهيو أمريكي، لتعود إلى مصر نسخ المعلم يعقوب بقوة في وقت مفصلي مهم وسط منطقة تقف في حلبة مصارعة عنيفة بين عواصف الفساد والتبعية وبين ربيع التحرر والرشد.
ومن هنا تنبع أهمية استكمال ثورة 25 يناير وتحقيق التحرر الوطني الذي هتف الثوار بشعاراته في قلب ميدان التحرير ضد أمريكا والعدو الصهيوني، واستعادة مصر المحروسة بتواجد المسلم والمسيحي والهلال والصليب والمصحف والإنجيل معاً في قلب الثورة المستمرة ضد نسخ المعلم يعقوب في قصر الاتحادية والأزهر والكنيسة وسائر مؤسسات الدولة.
إن 25 يناير يقترب، وإن الوطن على شفا الهاوية، ونسخ المعلم يعقوب تسلمه للاحتلال بعد فشل حكم المعلم يعقوب أبو بندقية، وفقه الواقع والثورة والمستقبل يحتم على الجميع التقدم بما يملك في مسار الثورة حتى النصر وتطهير مصر العربية المسلمة من دنس الخونة خريجي مدراس المعلم يعقوب حنا بالبيت الأبيض والمخابرات الأمريكية!