في أقصى الجنوب الشرقي لليمن، ثمة لغات قديمة مازالت في حديث الناس وتداولاتهم رغم غياب الاهتمام الحكومي اليمني سابقاً، وتأثير الصراع القائم حالياً على بقائها.
فمن بين لغات اليمن المتعددة التي عرفت قديماً بالسبئية والقتبانية والمعينية والسقطرية والمهرية، مازالت اللغتان الأخيرتان متداولة بين نحو ما يزيد على مائتي ألف نسمة ينتشرون في محافظتي المهرة وسقطرى.
هاتان اللغتان تواجهان حالياً أخطار الاندثار، وأصبح المتحدثون بها في تناقص مستمر؛ نتيجة عوامل عدة، أبرزها الإهمال الحكومي، وغياب اهتمام المنظمات المعنية سواء على المستوى المحلي اليمني أو من المنظمات الدولية، وفق متحدثين.
يقول توفيق السقاف، مهتم باللغات المحلية ويقطن في محافظة المهرة شرق البلاد: إن اللغتين المهرية والسقطرية هما لغتان حميرية قديمة، وهما ما بقي من تراث حميري حي حتى اليوم، رغم مرور أكثر من ألفي عام على حضارة اليمن الحميرية.
هذه اللغات المتبقية مهددة بالاندثار وفق السقاف، فبالإضافة إلى غياب الاهتمام الحكومي سابقاً بتوثيق هذه اللغات أو الحفاظ عليها، دخلت الحروب والصراعات كعامل آخر قد يقلل من مساحة المتحدثين بها.
ويؤكد ياسين علي صالح، ناشط ومسؤول محلي في جزيرة سقطرى اليمنية؛ أن جميع سكان الجزيرة مازالوا محتفظين بلغتهم الأصلية (اللغة السقطرية)، كما أنهم يتحدثون اللغة العربية بطلاقة، فهي لغة المنهج الدراسي في المدارس، ولغة الإعلام لديهم.
وهنا تكمن الخطورة وفق ياسين، فتعميم اللغة العربية وعدم وجود أي اهتمام باللغة المحلية السقطرية رغم كونها عربية جنوبية قد يؤدي إلى اندثارها وتحولها إلى حكايات وقصص تاريخية تُحكى للأجيال القادمة.
مخاوف الصراعات
ويبدي ياسين مخاوفه من أن تؤثر الصراعات الحاصلة في بلاده على التراث اللغوي السقطري نتيجة غياب دور الدولة في الحفاظ على هذه اللغة، ونتيجة توقف المنظمات الناشطة في هذا المجال بسبب الحروب القائمة.
وتعد اللغة المهرية هي اللغة الأولى بعد العربية من حيث عدد المتحدثين بها، حيث تنتشر بين نحو 150 ألف نسمة، معظمهم يقطنون في محافظة المهرة المحاذية لدولة عُمان شرق اليمن، كما تنتشر أيضاً في مناطق داخل عُمان والسعودية.
أما اللغة السقطرية، فإن عدد المتحدثين بها يصل إلى ستين ألف نسمة، ينتشرون في جزيرة سقطرى وجزر عبدالكوري، وما يميز هذه اللغة أن أحرفها تكتب بشكل آخر عن الأحرف العربية المعروفة رغم تصنيفها بأنها جزء لا يتجزأ من اللغة العربية الجنوبية.
عوائق
يؤكد المسؤول في منظمة اليونسكو باليمن أحمد المعاينة؛ أن اليمن ثري بلغاته ولهجاته، ومعظم هذه اللغات هي في الأصل لغات عربية كانت تعرف باللغة العربية الجنوبية سابقاً.
ويضيف: حتى عهد قريب جداً كانت اللغة العبرية لغة الطائفة اليهودية في اليمن موجودة، وأيضاً لغة الكشي في عدن، وهي لغة خاصة بالهنود، إضافة إلى اللغتين العربيتين المهرية والسقطرية اللتين مازالتا حتى اليوم.
وتحدث المسؤول بمنظمة “اليونسكو” عن عوائق مادية وأيضاً أمنية تحول دون قيامهم بدور في الحفاظ على ما تبقى من هذه اللغات، رغم وجود أفكار بإنشاء إذاعات محلية بهذه اللغات في المناطق التي تنتشر فيها؛ بهدف الحفاظ عليها.
تراث يمني
المنظمات اليمنية على كثرتها في اليمن إلا أنه لا يوجد منظمة مهتمة باللغات المحلية؛ وبالتالي يندر المتحدثون عنها، لكن منظمة سواء لمناهضة التمييز قالت: إنها تسعى ضمن أهدافها إلى الاهتمام بالأقليات اللغوية باعتبارها جزءاً من تراث الشعب اليمني.
وبحسب أشواق الجوبي، رئيسة المنظمة، فإن لغتين أصبحت مهددتين بالاندثار، بعد أن اندثرت لغتان أخريان في السنوات الأخيرة، وهي اللغة العبرية الخاصة بالطائفة اليهودية، وكذا لغة الكشي في عدن.
وأشارت إلى عدم وجود اهتمام حكومي باللغات المحلية رغم كونها جزءاً من ثقافة اليمن، إضافة إلى تأثير الإعلام الفضائي والإلكتروني الذي يهدد اللغات واللهجات المحلية في البلاد بالاندثار.
وتشير الجوبي إلى أن اليمن ثري باللهجات واللغات المحلية، وأن هناك أكثر من 300 لهجة محلية تنتشر في ستة آلاف تجمع سكاني، وكلها تراث ثقافي يمني يجب العمل على توثيقه والاهتمام به.