دفع نفاد صبر أوروبا حيال تدفق اللاجئين بالمستشارة الألمانية أنجيلا ميركل لتغيير إستراتيجية التعامل مع هذه المسألة، فبدلاً من الاعتماد على إمكاناتها الخاصة، سعت المستشارة الألمانية للمراهنة على دور تركيا في تعطيل أو الوقف الفوري لتدفق اللاجئين المتزايد عبر بحر إيجة.
بالرغم من أن القرار الرسمي لم يتم اتخاذه بعد، فإنها أصبحت مسألة أيام معدودة قبل أن يتم حسم المسألة، وفي هذا الإطار كان رؤساء دول الاتحاد الأوروبي المجتمعون يوم الخميس الماضي في لافيات قد اتفقوا على تعيين يوم 30 نوفمبر المقبل كموعد للقمة الحاسمة، التي ستجمعهم بالرئيس التركي رجب طيب أردوغان، الذي تعتبر مشاركته في القمة القادمة نجاحاً شخصياً له، يبدو أيضاً أن تركيا باتت قريبة من الحصول على 3 مليارات يورو، مقابل إيجاد “حل” لمسألة طالبي اللجوء للاتحاد الأوروبي على أراضيها، وتفكيك شبكات الهجرة السرية التي تنشط في تركيا.
في هذا الإطار جاءت تصريحات أنجيلا ميركل التي قالت: “لقد بلغنا مرحلة جديدة في إدارة الأزمة”؛ ما يؤكد الضغوطات الذي تقوم بها المستشارة الألمانية لإيقاف تدفق اللاجئين المتواصل إلى بلادها منذ الصيف الماضي، وقد ساندها في ذلك الرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند، الذي أكد بأن تواصل تدفق اللاجئين بهذا المعدل سيؤدي سريعاً إلى خلق وضع “لا يحتمل بالنسبة لبعض الدول”، وهو اقتضى البحث عن حلول بديلة لمسألة اللاجئين، وأدى ذلك لفتح باب مناقشة اتفاقية شينجن، من خلال فرض قيود جديدة على مسألة الحدود، وقد بادرت سلوفينيا والسويد وألمانيا بالحديث في هذا الخيار، وهو ما أثار مخاوف بشأن تماسك الاتحاد الأوروبي، بعد أن دفعته الأزمة إلى البحث عن حلول متطرفة.
فيما يتعلق بفائدة أنقرة من الاتفاق، علق الرئيس التركي قائلاً: يجب أن يكون هناك التزام من الطرفين لاتخاذ إجراءات سريعة، إذ لا توجد تصورات واضحة بالنسبة لأعداد اللاجئين، أو جدول زمني للعمل الميداني، في الوقت الذي أكد فيه مسؤول أوروبي من ناحية أخرى أن العرض الأوروبي دقيق بينما يبقى الموقف التركي غير واضح.
يبقى توزيع 160 ألف لاجئ بين دول الاتحاد الأوروبي مسألة عالقة رغم الاتفاق المبدئي، يبقى هناك تساؤل آخر حول من سيدفع لتركيا؟ فالأموال المدفوعة لن تكون في شكل ديون يتم تسديدها لاحقاً، بل مجرد مساعدات مالية، وبينما ترى فرنسا أنه ينبغي على ميزانية الاتحاد الأوروبي أن تساهم في المساعدات قدر الإمكان، يشير يونكر، رئيس اللجنة الأوروبية، إلى أن اللجنة على استعداد للمساهمة بمبلغ 500 مليون يورو ويبقى على الدول الثماني والعشرين للاتحاد الأوروبي أن تتكفل بدفع مبلغ 2.5 مليار يورو المتبقية، في حين دفعت ألمانيا بالقضية إلى الواجهة عندما أكد نائب المستشارة الألمانية سيجمار جابرييل بأن برلين ستسدد الفاتورة أو ستدفع مسبقاً لأنقرة، إذا كانت دول الاتحاد الأوروبي ما زالت مترددة.
يبدو أن الدول الثماني والعشرين لم تتوصل مبدئياً لما يضمن تماسك الاتحاد الأوروبي، فمسألة توزيع 160 ألف لاجئ بين الدول الأعضاء رغم أنها كانت محل إجماع منذ الصيف الماضي، فإنها بقيت عالقة.. أما في اليونان، فقد استغرق اختيار 30 من طالبي اللجوء إلى لكسمبورج شهرين كاملين، رغم أن هذه الدولة الصغيرة تعتبر من أغنى الدول في أوروبا، بينما يبرر المفوض الأوروبي للهجرة والشؤون الداخلية ديميتريس أفراموبولوس هذا الأمر قائلاً: إن اللاجئين لا يريدون الذهاب إلا إلى ألمانيا.
إنقاذ اتفاقية شينجن صار سباقاً مع الزمن
لا يزال الوافدون على الجانب الأوروبي يتدفقون يومياً بمعدل 5 أو 6 آلاف مهاجر، أما آلية توزيع اللاجئين وفقاً لحصص وطنية فإنها لم تنجح منذ الصيف إلا في “إعادة توطين” 147 لاجئ، وفي هذا الإطار، تسعى العواصم جاهدة لتوفير الأماكن للمهاجرين الذين وعدت باستقبالهم ليبلغ العدد الجملي 3496 مسكناً إلى حد هذا اليوم رغم النقائص اللوجستية ورفض المهاجرين محاولة إعادة توطينهم في وجهات محددة.
إن الوضع ينذر بالانفجار بسبب الضغط المتزايد المسلط على اليونان، في الوقت الذي تمتنع فيه دول شمال أوروبا عن التعاون لحل المشكلات العالقة، لذلك كان السؤال المطروح في اجتماع يوم الخميس الماضي هو السيطرة على ممر بحر إيجة، الذي يتوافد منه 90% من المهاجرين الجدد، لذلك أكد دونالد توسك، رئيس المجلس الأوروبي ومنسق القمة الأوروبية بأن “الوقت يمر، وإنقاذ اتفاقية شينجن صار سباقاً مع الزمن”.
إذا كان الهدف الرئيس من وراء القمة المنعقدة الأسبوع الماضي في لافيات هو شراء خدمات تركيا؛ بهدف دفع اليونان لاتخاذ إجراءات جديدة على حدودها، فإنه يمكن القول على حد تعبير أحد الدبلوماسيين: إن القمة لم تلقَ نجاحاً كبيراً، ولئن ساهم الاجتماع الأخير في تقليص حدة العداء تجاه اليونان، المتهمة بإهمال مراقبة الحدود بصفة منتظمة فإن رئيس الوزراء اليوناني ألكسيس تسيبراس قد بادر بالإشارة إلى أن الخزينة اليونانية قد استنزفت، في الوقت الذي يجد فيه الأوروبيون أنفسهم صعوبات في إثبات تماسكهم.
المصدر: اضغط هنا