تعتبر ولاية مينيسوتا الأمريكية إحدى الولايات التي تشهد تواجداً للمسلمين المهاجرين من عدة دول وخاصة الأفريقية، وفي إطار متابعة أخبار الجالية المسلمة، كان لنا هذا اللقاء مع الشيخ شعبان أبو بدرية، إمام مسجد الهدى الإسلامي في مينيابولس بولاية مينيسوتا في الولايات المتحدة الأمريكية.
* بداية نحتاج أن نتعرف على أوضاع المسلمين في الولاية؟
– أوضاع المسلمين في ولاية مينيسوتا القادمين من الشرق، يغلب عليهم الطابع الأفريقي، وأكثرهم من الصومال وإثيوبيا، وبقية الجالية العربية تواجدها قليل في تلك الولاية، أما بخصوص قبولهم للإسلام، فنستطيع القول: إن نسبة لا بأس بها منهم اعتنقت الإسلام عن قناعة تامة، ونحن فرحون جداً بإسلامهم، خصوصاً أن إقبال النساء على الإسلام أكثر من الرجال، والمرأة إذا صلحت صلح المجتمع.
* ما أبرز أنشطتكم الدعوية بين أبناء المسلمين هنا؟
– أؤكد أن حرية الرأي مكفولة للجميع، وعلى أوسع نطاق، ونحن نستغل الفرص والمساحات المتاحة للقيام بواجبنا الدعوي؛ وعلى سبيل المثال، نلقي في مسجد الهدى خطبتين في الأسبوع، إحداهما باللغة العربية، والأخرى باللغة الإنجليزية للذين لا يجيدون العربية، وعندنا أيضاً ثلاثة دروس أسبوعية باللغة العربية، وأربعة دروس خاصة بالنساء باللغة العربية والإنجليزية، كما نقوم بإعطاء الدروس للمسلمين الجدد، يقوم بها الشباب الذي ولد هنا وتلقى العلوم الشرعية، ويجيد اللغة الإنجليزية الصحيحة، وهذا ما يفتقد إليه الدعاة القادمون من الشرق، فهم لديهم العلوم الشرعية ولكن لا يجيدون اللغة؛ لذا نحن في حاجة إلى إعداد نوع جديد من الدعاة، يجمعون بين اللغة الإنجليزية والتعليم الشرعي؛ من أجل تقديم صورة صحيحة عن الإسلام.
* هل يقتصر دوركم على الأمور الدعوية فقط؟
– هناك مشكلات اجتماعية كثيرة يتعرض لها بعض المسلمين، وخصوصاً الخلافات التي تحدث بين الأزواج، وتفضي إلى الطلاق أحياناً، وهي بكل أسف كثيرة، نظراً للحرية المطلقة السائدة في تلك البلاد، فالبعض حينما يجد مثل تلك الحرية يسيء استخدامها، لذا كان لا بد من إنشاء مركز لإصلاح ذات البين، وهو مركز تم إنشاؤه حديثاً، وتشرف على إدارته السيدة جوهرة، وهي سودانية متخصصة، حاصلة على ليسانس «كيفية التوفيق بين الزوجين ومعالجة تلك الخلافات وفقا لأساليب علمية»، علم نفس الأسرة، وعلم النفس الاجتماعي، وهي تنجح كثيراً في لملمة شتات الكثير من الأسر التي كانت على حافة الفرقة والتشرذم، ونزع فتيل الخلافات المستعصية فيما بينهم.
* كيف ترون الواقع على مستوى القضايا التي تخص الأمة مثل انتفاضة الأقصى وغزة وما يحدث في سورية ومصر؟
– يوجد في ولاية مينيسوتا «مؤسسة الأقصى»؛ لمناصرة المسجد الأقصى، وهي منتشرة بكثافة بين العرب ولا سيما الفلسطينيين، وكلنا ندعمهم ونقف بجانبهم لأنهم إخواننا، وتلك مقدساتنا، فالمسجد الأقصى أولى القبلتين وثالث الحرمين الشريفين.. إذن، كيف يجرؤ الصهاينة اليهود على منع المسلمين من دخول المسجد الأقصى للصلاة والعبادة؟ وبأي حق يفعلون ذلك؟ فهم مجرد مجموعة من الوافدين الذين وفدوا إلى فلسطين من بلاد شتى، وليسوا من أبناء البلد، ونحن نرفض منعهم للفلسطينيين من الدخول إلى المسجد الأقصى، ونرفض تهويدهم لمدينة القدس، ونرفض اعتداءاتهم المستمرة على إخواننا.
وأسجل اعتراضي الشديد على ما تفعله الحكومة المصرية من حصار غزة بواسطة ضخ مياه البحر؛ من أجل تدمير الأنفاق، فأهلنا في غزة محاصرون من قبل النظام المصري، ومن قبل الصهاينة، فأين تلك الأخوّة العربية والإسلامية؟
وفي الشأن السوري نتألم لما يتعرض له إخواننا هناك من قتل ودمار، حيث تقوم طائرات النظام بقصفهم بالبراميل المتفجرة، ومن ينجو منهم تقصفه الطائرات الروسية بالقنابل الفراغية والعنقودية، ومن ينجو من الاثنين تقصفه طائرات دول التحالف الغربي، فنحن بدورنا نرفض بكل صراحة هذا القتل وهذا الدمار الذي يقوم به النظام السوري، وروسيا، والتحالف الغربي، ولكن للأسف الشديد الكثير من المسلمين يحجمون عن الحديث في تلك الأمور؛ لاعتبارات واهية وحجج ضعيفة.. وأنا على يقين أن الله تعالى سينصر الحق، وسيبطل الباطل، وستكون سورية مقبرة للروس كما كانت أفغانستان مقبرة لهم، وأعتقد أن الغرب قد أوحى إلى روسيا بحرب خاسرة للمرة الثانية.
أما ما يتعلق بالثورة المصرية، فنحن مع ما يقرره الشعب المصري في اختيار رئيسه اختياراً حراً مباشراً، ولسنا مع وأد الديمقراطية بإلغاء استحقاقات انتخابية، والانقلاب على الرئيس «محمد مرسي»، حيث إن الدستور الذي تم التصويت عليه في عام 2012م هو أفضل دستور تم وضعه في مصر باعتراف كبار الدستوريين ورجال القانون، ومع ذلك أجهضت تلك التجربة.
نحن نقر أنه كانت هناك أخطاء، ولا يخلو أي نظام من وجود أخطاء، ولكن في النهاية كانت تجربة من الممكن أن يتم البناء عليها، وأنا شخصياً لا أدري أين هي تلك الأخطاء التي يزعمونها، فالدولة العميقة هي التي كانت تعرقل سير «د. محمد مرسي»، مع علمنا التام وإيماننا اليقيني أنه كان هناك فساد، ولكن لم نكن نظن أنه بهذا الحجم وبهذا العمق.
أما الاتهامات التي تم توجيهها للرئيس ومن عارض النظام الحالي فهي اتهامات مضحكة وتافهة، وفي النفس مرارة وفي الحلق غصة وألم شديد، إذ كيف يعتدي الجيش المصري الذي التف حوله عموم الشعب في حرب السادس من أكتوبر، كيف يعتدي على فصيل وطني مخلص للوطن؟ هذا الفصيل هم أفضل من أنجبت مصر؛ في التخصصات الراقية، والطبقات العلمية العالية، ومع ذلك تم قتلهم وحرقهم وسجنهم، وسلطت وسائل الإعلام من أجل تشويه صورتهم، بجانب أحكام قضائية قاسية على الآلاف في جلسات محدودة دون أن تستكمل القضية تداولها القانوني الصحيح.
وأريد أن أوضح جزءاً مهماً؛ وهو أن الخلاف ليس بين العسكر والإخوان، بل الخلاف بين العسكر ومن يريدون حرية هذا البلد، والإخوان جزء من هذا البلد، وليس الإخوان وحدهم من يرفض الانقلاب، بل هناك مكون كبير من الشعب يرفض هذا الانقلاب، سواء كانوا علمانيين أو ليبراليين أو اتجاهات أخرى ترفض هذا الانقلاب.
وأنا أعتقد أن حل مشكلة مصر تتمثل في نشر الوعي، فالصراع مع العسكر سوف يطول، ومن يتوهم أن المشكلة سوف تنتهي خلال سنتين أو ثلاث أو أربع فهو غير مدرك لعمق المأساة.
* كيف ترى ظهور تنظيمات مسلحة تنتهج العنف كـ «داعش»؟
– «داعش» أو تنظيم الدولة الإسلامية في الشام والعراق، هو تنظيم لقيط، لا يُعرف له أب ولا أم، فنحن صحونا ذات صباح على «داعش»، واكتسح مساحات كبيرة من العراق، وانهار أمامه الجيش العراقي أو كاد، وهذا نوع من الكوميديا العبثية، التي لم يحسنوا إخراجها، فالغرب لم يحسن إخراجها في هذه الحالة، فتنظيم الدولة الإسلامية صنيعة مخابراتية، ورجاله عملاء بامتياز، وهم يظهرون حينما يُراد تشويه الإسلام، ولا ينبغي أن يتم اتخاذهم ذريعة لضرب الشعب السوري، فأماكن «داعش» معروفة عن طريق الأقمار الصناعية، ولكنهم يتعمدون تركهم وقصف المدنيين الأبرياء العزل. وحقيقةً المساجد هنا تقوم بدور كبير في التوعية، وفي الولايات المتحدة الإجراءات الأمنية مشددة، تمنع انخراط كثير من الشباب بـ «داعش»، ولكن لا يعني هذا عدم وجود حالات فردية تنجح في التسلل والخروج من الطوق الأمني شديد الصرامة التي تقوم به الولايات المتحدة، ولا توجد معلومات كافية عن عدد الذين نجحوا في التسلل، وهؤلاء تم التغرير بهم والضحك عليهم.
* هذه الجهود التي تقومون بها ألا تحتاج إلى دعم لتنتشر وتصبح أكثر تأثيراً؟
– نحن نناشد إخواننا المسلمين في العالم الإسلامي أن يدعموا جهودنا في نشر الإسلام في المجتمع الأمريكي، وهو بيئة خصبة لتقبل الإسلام، خصوصاً إذا أبرزنا الوجه الحقيقي للإسلام، وحتى يتسنى لنا ذلك فنحن وبقية المراكز الإسلامية في أمريكا في حاجة ماسة للدعم؛ لأن قلة الدعم هي المشكلة الرئيسة التي تعاني منها جميع المراكز الإسلامية في أمريكا، وبالدعم المادي تستطيع أن تعمل عملاً ناجحاً، وبدونه تتوقف عجلة الدعوة، وإن تحركت سيكون تحركها بطيئاً.
وفي ولاية مينيسوتا لدينا مدارس وكتاتيب، ومدارس لتحفيظ القرآن الكريم، ولدينا أمل أن ننشئ إذاعة في المستقبل، بحيث تقوم تلك الإذاعة بنقل مفاهيم الإسلام وقيمه السمحة من خلال الدروس والمحاضرات والخطب، باللغتين العربية والإنجليزية، وفي سبيل إنشاء هذه الإذاعة نحن في حاجة للدعم المادي والمعنوي؛ لذا نناشد كل من له القدرة على المساعدة أن يدعم هذا المشروع.