أكد محافظ بنك الكويت المركزي د. محمد الهاشل حرص البنك الدائم على ممارسة دوره الإشرافي والرقابي بموضوعية ومهنية وتجرد بالارتكاز على أفضل الممارسات العالمية.
وأضاف الهاشل في كلمة ألقاها خلال افتتاح مؤتمر “شورى” الفقهي السادس الذي انطلق أمس؛ أن “المركزي” أعد دليلاً شاملاً خاصاً بالبنوك الإسلامية يشتمل على مجموعة تفصيلية من السياسات والمعايير والضوابط التي تجسد تطبيق الأساليب الرقابية المتطورة بذات النسق المتبع في البنوك التقليدية، مع الأخذ في الحسبان طبيعة عمل البنوك الإسلامية وما يتعلق بنوعية الأخطار والتحديات المقترنة بمنتجات وأدوات الصناعة المالية الإسلامية.
وذكر أن مثل هذه الملتقيات لها أثر عميق في تعزيز الترابط بين مستجدات المعاملات المصرفية المالية الإسلامية والأصول والقواعد الفقهية والشرعية، مبيناً أن هذا التواصل يساعد على استشراف آفاق جديدة تسهم في مواصلة ترسيخ نمو وتطور الصناعة المصرفية والمالية الإسلامية على أسس مستدامة.
واعتبر الهاشل أن ما يشهده العمل المصرفي والمالي الإسلامي بات واضحاً نحو النمو الملموس الذي انطلق قبل أربعة عقود، متخطياً في امتداده الجغرافي حدود دول العالم الإسلامي ليتزايد بتنوع أدواته ومنتجاته يوماً تلو الآخر.
وأوضح أن هذه الوتيرة من النمو للصناعة المالية والإسلامية بلغت درجة متقدمة من التطور بما ينطوي عليه ذلك من تحديات مستجدة وفرصاً أكثر رحابة لمزيد من النمو والازدهار.
وقال الهاشل: إن سوق الخدمات المالية الإسلامية العالمية تقاس بحجم إجمالي الأصول التي تجاوزت نحو تريليوني دولار أمريكي في نهاية 2014م مقارنة بما قيمته بحوالي 1.8 تريليون في نهاية عام 2013م بنمو 16.6%.
وأضاف أن قيمة الأصول المصرفية الإسلامية سجلت نمواً سنوياً بلغ متوسطه نحو 17.6% خلال الفترة من عام 2009 إلى 2013م؛ مما يؤكد قوة جذب التمويل الإسلامي في مختلف دول العالم؛ وهو ما يعكس قبولاً وارتياحاً واسع النطاق من المتعاملين بمبادئ وأسس التمويل الإسلامي، لاسيما ما يتعلق بمبدأ المشاركة في الربح والخسارة، ومبدأ ربط الأدوات التمويلية بالأنشطة والقطاعات الحقيقية للاقتصاد.
وأوضح أن تطور بنيان الصناعة المالية الإسلامية يقف على أربعة أركان أساسية، يتمثل أولها في وجود بيئة قانونية وتشريعية متطورة، وثانيها وجود إطار رقابي وتنظيمي حصيف ومرن، في حين يتمثل الركن الثالث في توافر كوادر بشرية مؤهلة علمياً ومدربة عملياً، بينما يرتكز الركن الرابع على وجود حوكمة البناء المؤسسي لكيانات هذه الصناعة وكفاءتها في مختلف جوانبها التشغيلية والتنفيذية.
وأكد د. الهاشل أهمية الإطار التنظيمي والرقابي لجهة تنظيم الصناعة المالية الإسلامية وتعزيز قدرتها وكياناتها العاملة في دور فاعل في خدمة الاقتصاد الوطني، وذلك من خلال التركيز على جناحي المنظومة الإشرافية والرقابية على المؤسسات المصرفية والمالية الإسلامية.
وقال: إنه يجب الوقوف على محورين أساسيين؛ أولهما ينصب على دور الرقابة التنظيمية للسلطة الرقابية في إرساء القواعد الكفيلة بتوفير الأجواء التي تعزز كفاءة عمل قطاع المؤسسات المصرفية والمالية الإسلامية ووحداته.
وأشار إلى دور الرقابة الشرعية في تطوير أعمال وأنشطة المؤسسات المصرفية والمالية الإسلامية لتحقيق رسالتها وبلوغ أهدافها، مبيناً أن السلطات الإشرافية والرقابية تضطلع بمهمة وضع القواعد والضوابط التي تساهم في ترسيخ أسس استدامة نظام مصرفي محصن ومتماسك ومتفاعل مع المتغيرات والمستجدات المالية والاقتصادية.
وبين أن ذلك يأتي تجسيداً للإدراك الكامل للدور المحوري للقطاع المصرفي والمالي لتحقيق أهداف السياسات الاقتصادية العامة، ومنها أهداف السياسات النقدية والرقابية بشكل خاص.
وذكر أن القواعد والضوابط الرقابية تتمحور في شكلين أساسين هما احترازية ووقائية هدفهما تعزيز قدرات الجهاز المصرفي ككل ووحداته فرادا لتجنب تداعيات أي اضطرابات مالية أو اقتصادية تحدث إذ إن هذا التنبؤ المسبق لمواطن الضعف والانكشاف يأتي عبر الرصد والمتابعة اللصيقة في ضوء نظم الإنذار المبكر.
واعتبر أن تلك الضوابط الرقابية علاجية أو إصلاحية تأتي لتصويب بعض الاختلالات التي تشوب بعض المعاملات التشغيلية ضماناً لسلاسة الأداء الذي يحقق الأهداف الموضوعة، لافتاً إلى أن الجهود تتضافر بين الرقابة الاحترازية والعلاجية ليكمل بعضها بعضا بشكل لصيق وصولا لتحقيق الاستقرار المالي.
وبالنسبة إلى دور الرقابة الشرعية، قال الهاشل: إن هذا المحور يحظى باهتمام كبير، حيث إن الإطار العام لمضمون عمل هيئات الرقابة الشرعية يتمحور حول التحقق من التزام الوحدات المصرفية الإسلامية بالقواعد والضوابط الشرعية في جميع ممارساتها المصرفية والاستثمارية.
وبين أن التطبيق العملي لتلك المعاملات أظهر اتساعاً وتشعباً للدور المنوط بهيئات الرقابة الشرعية لاسيما مع تزايد درجة التنوع والابتكار في الأدوات والمنتجات؛ الأمر الذي تزايد معه أعباء الاجتهاد الفقهي حتى يواكب مستجدات العمل المصرفي والمالي تحقيقاً لمصالح البلاد والعباد.
وقال: إن معطيات النشاط المصرفي الإسلامي تتطلب الاهتمام ببناء الكوادر البشرية المؤهلة والمدربة على ممارسة أعمال الرقابة الشرعية بكفاءة عالية، مشيراً إلى أن هذا الدور محوري يجب أن تساهم به المؤسسات الأكاديمية والتعليمية.
وأضاف أن مساهمة المؤسسات الأكاديمية يجب أن يكون من خلال توفير البرامج الدراسية والتأهيلية بمنهجيات العلوم الحديثة في قطاع المال والاقتصاد، إلى جانب أهمية الدراسات الشرعية وفقه المعاملات لربطهما بما يسهم في بناء وتنمية العنصر البشري المؤهل الذي يمثل العمود الفقري للصناعة المصرفية والمالية الإسلامية.
وأكد الهاشل أهمية مفهوم حوكمة الرقابة الشرعية وتفعيل عناصرها المختلفة، والتي من أبرزها مبدأ استقلالية عمل هيئات الرقابة الشرعية وإفساح المجال أمام إصدار الأحكام الشرعية دون أي مؤثرات على أعضائها سواء من داخل المؤسسة أو خارجها.
وأوضح أن الكويت تكفل استقلالية هيئات الرقابة الشرعية بموجب القانون، حيث كفل المشرع أن تكون هذه الهيئات مستقلة لاسيما مع جسامة عبء المسؤولية الملقاة على عاتق القائمين بهذا العمل.
وأشار إلى أن ما حققته المصرفية والمالية الإسلامية من نمو وتوسع بات واقعاً يدركه الجميع، وهو يرتبط بالجهود المخلصة لهيئات الرقابة الشرعية، حيث إن التوسع في هذه المعاملات يحمل في طياته نمواً وتطوراً لأسس راسخة تنطوي على تحديت انعكست على اهتمام عالمي جعل هذه الصناعة تسخر بالعديد من المستجدات المتسارعة؛ وهو ما يتطلب اليقظة في التعامل مع متغيرات هذا الواقع الذي يتطلب تكثيف الجهود.