المجتمع هو عبارة عن مساحة كبيرة للتنوعات والإختلافات. بينما الأمة فهي عبارة عن كيان موحد متكافل علي قلب رجل واحد ضد هذه الإختلافات والتنوعات الموجودة داخل المجتمع وهذه المنظومة دائما ما تخضع لإختبارات مصيرية. عادة ما تكون هذه التنوعات والإختلافات الطبقية إضافة إلي التقسيمات داخل المجتمع وما بينها من إضطرابات دائما ما تكون عقبة جادة أمام بناء كيان الأمة الموحد.
خلافا لهذا الإعتقاد الشائع في عميلة تكون الأمة فإن مشكلة تركيا الوحيدة تكمن في عدم توفر مصطلح شامل وحاضن يمثل الهوية العرقية. بل إنه من الصعب العمل علي بناء كيان الأمة الموحد بتطبيق مصطلح هوية عرقية شامل مع واقع المجتمع التركي وهو أحد أهم الأسباب الرئيسية في وجود إضطرابات في المجتمع. ولكن في فترة الجمهورية لم يكن هذا السبب هو العقبة الوحيدة أمام بناء كيان الأمة. بل إن عدم توحد الجميع علي قيم مشتركة و إن إختلاف تبعية الجهات الفاعلة داخل في الدولة نحو أمم ودول أخري كانت من أكبر العقبات أمام بناء كيان الأمة . والجدير بالذكر أن هذه الإختلافات الإجتماعية كانت أكثر بكثير مما نتصور ، بل وإنها كانت السبب في بناء جدران عزل كبيرة بين فئات المجتمع لا يمكن إختراقها.
لونظرنا إلي الجو السياسي كما رسمته الديمقراطية التفاوضية ، يمكننا القول أنه يدعو إلي حد كبير من التفاؤل في تركيا. ولكن في حال أرادت الأطراف السياسية التفاوض والتوصل إلي تفاهم وإتفاق فيما بينها لابد من توفر الإرادة والرغبة في ذلك قبل الجلوس. بينما في تركيا فإن الأطراف بعيدة أبعد البعد عن التوصل إلي إتفاق علي مبادئ وقيم مشتركة ولو صح التعبير فإن الأطراف لا تدخل المفاوضات بإحترام الحقوق فيما بينها و بهدف الوصول لحل في صالح بناء منظومة الأمة ، بل إنها تدخل نيابة عن جهات خارجية سواء دول أو منظمات بهدف توسيع بقعة الخلاف. لأجل ذلك دعونا من فكرة بناء منظومة الأمة، بل إن بعض هذه الأطراف تقوم وبطريقة منهجية بإنتهاك بعض القيم الأساسية للمجتمع نفسه.
ومن الواضح أن هذا الوضع سيصير من أكبر المعيقات التي تواجهنا في مرحلة إنشاء الدستور الجديد الذي هو عبارة عن رغبة مجتمعية كبيرة.
إنظروا ، إننا حتي لا نستطيع إنشاء حساسية مشتركة أو إيجاد تعريف وموقف واضح ضد الإنقلابات. الكل ضد الإنقلاب في الشكل الظاهري ، ولكن في حال توفر إحتمال لوقوع إنقلاب فإننا نري البعض قد حمل أمتعته وقام بالفرار. والبعض يحدد موقفه بالنظر إلي الإنقلاب ضد من سيحدث ، ومن القائم بالإنقلاب. وهذا بالتحديد ما حصل في إنقلاب 9-12 مارس وكذلك إنقلاب 12 سبتمبر و28 فبراير ، وأيضا في أي إنقلاب يحدث!! في كل واحد من هذه الإنقلاب وعلي الرغم من أن هناك البعض الذي يقف في صفوف الإنقلاب بشكل مؤقت إلا أنه قد أعطي مشروعية لفكرة الإنقلاب. بعد أن وقفت الإنقلابات وفعلت ما أرادت فعله ومن ثم تم التحقيق والإستجواب عن مشروعيتها.
وخصوصا عندما يأتي الإنقلاب في زي أخر ، فإنه يستطيع إرباك العقول وجلب أناس أكثر لصفه. ولأنه لم تشكل حساسية موحدة ضد جوهر الإنقلاب فإن الإنقلاب حين يأتي في زي أخر يصفق له حتي من هم مميزون وضد له. بينما أن من الواجب أن يقف الجميع موقف واحدا ضده بشكل واعي ومدرك وحتي يجب أن تكون قيمة مجتمعية مشتركة في أي حال من الأحوال سواء جاء الإنقلاب بزي أو بأخر.
أليس موضوع الإرهاب أيضا نفس الشي؟ أصبح من الطبيعي أن تجد هناك من يحمل وجهين بدلا من رفض الإرهاب ككل بمبدأه وأشكاله ، يقوم بالنظر إلي الجهة التي يصدر منها الإرهاب. من المستحيل أن يعرض المجرم في أي دولة من العالم كبطل وهو الذي قام بتفجير إنتحاري قتل إثره 29 شخص من المدنين و60 أخرين جرحوا . ويا للآسف الشيئ الذي لا يحدث في العالم يحدث في تركيا ، بل ويقوم نائب برلماني بالإنضمام إلي جنازة الإرهابي المجرم الذي تسبب في قتل نفسه و29 شخص أخرين ، ويقوم حزبه وزملائه البرلمانيون الأخرون بتسويغ إنضمامه والدفاع عنه.
قام برلمانيو حزب الشعب الجهوري (جا ها بي) بتقديم إرهابيو حزب التحرر الشعبي (دي ها كا بي) الذين قاموا بإحتجاز النائب العام لساعات ومن ثم قتله بطريقة وحشية الإرهابين علي أنهم أبطال. الذين قاموا بهذه الأعمال والذين دعموهم باتوا وكأنهم يستخدمون حقهم الديمقراطي المشروع. برلمانيو (هي دي بي) و (جا ها بي) منهم من يقوم بتثميل (بي كا كا) ومنهم من يقوم بتمثيل (دي ها كا بي) أو (مي لي كي بي) وكأنهم وكلائهم السياسيين. إن ردود الفعل التي قاموا بها ضد هجمات داعش في منطقة سروج او محطة أنقرة كأن إستبشارنا وأملنا بهم أمل وهمي. فهذه الردود التي في جوهرها (ردا علي الإرهاب) كما تسرعنا في قرائتها. في كلا الحالتين كان هناك إرهاب لكن هذا من داعش إذن هو في نظرهم أنه إرهاب لكن الإرهاب الذي يقوم به كل من (بي كا كا) و (دي ها كا بي) لا يعد في نظرهم إرهابا بل أعمالا بريئة.
بينما كانت مواقفنا نحن دائما واضحة فقد هاجمنا وأعلنا إستنكرانا ضد تنظيم داعش الإرهابي وما يقوم به . إن لم نكن نستطيع حتي التوصل إلي تفاهم وإتفاق ضد الإرهاب ، ولو قمنا بتحديد مواقفنا بناءا علي تصنيف نوع الارهاب والجهة الصادر فإننا لن نستطيع التوصل إلي أي تفاهم في أي موضوع.
إذا لم نستطع حتي التوصل إلي إتفاق في هذه القضايا ، فإنه من الطبيعي أن لا يكون هناك مصطلح محدد وواضح لخيانة الوطن وأن نبقي نظهر المواقف المبعثرة. وبسبب عدم الإتفاق يقوم البعض بالتجسس علي مؤسسات دولته الإستخباراتية والعسكرية ومن ثم تبرير مثل هذه الاعمال بالجرم المشروع وحرية الإعلام منتهزا الفرصة والشجاعة من عدم الإتفاق الموجود. ولكن هذه المواضيع التي لم يتم الإتفاق عليها مع مرور الزمن ، يجب علينا القول أنه حان الوقت لبزوغ إرادة وطنية لجعل هذه القضايا تحت رقابة القانون والجزاء. هذه الإرادة مهمة من أجل بقاء تركيا وتكوين الأمة ومن أجل الدفاع عن نفسها بل إنها إرادة مصيرية و ما عشناه في تركيا في الأونة الأخيرة إنما هو مظهر من مظاهر هذه الإرادة.