ما طبيعة العلاقة بين «حزب الله» وإيران؟ وما دوره في تنفيذ مخططاتها التوسعية؟ وما حقيقة صراع الحزب مع الكيان الصهيوني؟ ولماذا توقفت أعماله ضده؟ وهل حقاً للحزب أعمال تندرج تحت وصف «الأعمال القذرة» خارج حدوده؟ هذه الأسئلة وغيرها يلقي الضوء عليها في السطور التالية كل من د. عبدالحفيظ ماموح، الباحث في العلوم السياسية، والمتخصص في الحركات الإسلامية، ود. محمد نشطاوي أستاذ العلوم السياسية والعلاقات الدولية بالجامعة المغربية.
أولاً لا بد من الإشارة إلى أن «حزب الله» هو تنظيم سياسي شيعي عسكري متواجد على الساحة اللبنانية، ويمارس أدواراً مهمة على المستويين السياسي والعسكري باعتباره يجسد ما يسمى «المقاومة الإسلامية» في لبنان.
وقد تأسس «حزب الله» في لبنان عام 1982م، فقد ولد من رحم حركة «أمل» الشيعية اللبنانية المدعومة من إيران، وقد أطلق عليه بدايةً اسم «حركة أمل الشيعية» ثم سمي بـ «أمل الإسلامية» رغبةً في توسيع نطاقه ليشمل الأمة الإسلامية.
وقد ارتبط اسم «حزب الله» بالثورة الإسلامية في إيران التي قام بها «الخميني» عام 1979م، واكتسب شرعيته المحلية وشعبيته الإقليمية عن طريق ما يسمى «المقاومة» العسكرية للاحتلال الصهيوني للبنان منذ عام 1982م.
حزب إيراني في لبنان
ويرى د. محمد نشطاوي أن «حزب الله» هو حزب إيراني في لبنان، حسب المتابعين لشؤونه، ففي البيان التأسيسي للحزب، الذي جاء بعنوان «من نحن؟ وما هي هويتنا؟»، والصادر في 16 فبراير 1985م، عرّف الحزب نفسه فقال: «.. إننا أبناء أمة حزب الله التي نصر الله طليعتها في إيران، وأسست من جديد نواة دولة الإسلام المركزية في العالم.. نلتزم بأوامر قيادة واحدة حكيمة عادلة تتمثّل بالولي الفقيه الجامع للشرائط، وتتجسد حاضراً بالإمام المسدد آية الله العظمى روح الله الموسوي الخميني دام ظله مفجر ثورة المسلمين وباعث نهضتهم المجيدة..»، وقد عبر إبراهيم الأمين، قيادي في الحزب، عن هذا التوجه عام 1987م فقال: «نحن لا نقول: إننا جزء من إيران؛ نحن إيران في لبنان، ولبنان في إيران».
ويرى المتابعون لشؤون الحزب أن ارتباطه بإيران ينطلق من مفردات عقائدية، حيث إن كل أفراد الحزب هم من اللبنانيين الشيعة، ويعتبرون الولي الفقيه في إيران مرجعاً دينياً وسياسياً لهم.
ويعتقد أن «حزب الله» يتلقى دعماً مادياً كاملاً من إيران، إضافة إلى التبرعات وأموال الخمس التي يتلقاها الحزب من مناصريه.
أما د. عبدالحفيظ ماموح فيقول: إن دور «حزب الله» في تنفيذ مخططات إيران التوسعية في المنطقة العربية أصبح واضحاً وبارزاً للمتابعين، خاصة بعد الأزمة السورية، وقبل الحديث عن بعض مظاهر هذا الدور وبعض المؤشرات علينا أولاً فهم طبيعة العلاقة بين «حزب الله» وإيران، وذلك باستحضار ثلاثة أبعاد رئيسة:
– البعد الديني والعقدي: حيث يشترك «حزب الله» مع إيران في نفس المعتقد الديني، فهما ينتميان لنفس المرجعية الدينية، بل أكثر من ذلك فالحزب يؤمن بنظرية ولاية الفقيه ويعتبر «الخميني» المرشد الروحي لأتباعه.
– البعد التاريخي: المتعلق بتأسيس «حزب الله» بدعم مباشر من إيران، وفي هذا الإطار يمكن استحضار سيرة الأمين العام الحالي للحزب حسن نصر الله الذي استكمل تعليمه الديني بمدينة «قم» الإيرانية التي تعتبر عند الشيعة مدينة مقدسة لضمها الحوزة العلمية.
– البعد السياسي: المرتبط بالدعم الحالي الإيراني للحزب، سواء على المستوى السياسي أو الإعلامي أو العسكري.
ومن خلال هذه الأبعاد يظهر الارتباط الوثيق لـ «حزب الله» بإيران؛ وبالتالي فمن السهل على المتابعين تفسير انخراط الحزب في تنفيذ السياسة الإيرانية في المنطقة العربية، بل إنه يعتبر جزءاً من هذه السياسة، ومن أهم تجليات هذا الانخراط مشاركة «حزب الله» في الحرب السورية إلى جانب النظام السوري.
«حزب الله» في سورية
يتجلى دور «حزب الله» أساساً في سورية – علاوة على ما سبق ذكره، حسب ماموح – في المشاركة في القتال العسكري إلى جانب النظام السوري ضد المعارضة، إلا أن العلاقة السياسية بين «حزب الله» والنظام السوري علاقة تاريخية، أدت فيها إيران دوراً بارزاً.
ويعتبر نشطاوي أن علاقة «حزب الله» مع سورية ارتبطت بالظروف التي تشكل بها الحزب، ولا سيما ظرف المقاومة العسكرية للاحتلال «الإسرائيلي»، إذ وجد «حزب الله» دعماً سياسياً ومعنوياً من سورية، ولم تخلُ تلك العلاقة من مصادمات بين الطرفين كانت أشدها عام 1987م حيث سقط من «حزب الله» أكثر من 20 قتيلاً، ولكن الطرفين استطاعا تجاوز الخلافات والوصول إلى رؤية مشتركة برعاية وتدخل إيراني، وبلغت هذه العلاقة مراحل متقدمة بعد استلام حسن نصر الله قيادة الحزب، ويعتبر نشطاوي تدخل «حزب الله» في الحرب السورية منذ عام 2012م مرده إلى عجز النظام السوري عن الدفاع عن نفسه وصد هجمات المعارضة السورية.
ويبرر «حزب الله» مشاركته في القتال السوري بمحاولة منع «المجموعات التكفيرية» من الوصول إلى لبنان، كما أكد الأمين العام للحزب حسن نصر الله أنه لن يسمح بسقوط النظام السوري، حليف «المقاومة» الإسلامية الأول!
حقيقة الصراع مع الكيان الصهيوني
يرى د. ماموح أنه لا يمكن إنكار دور «حزب الله» في مقاومة الاحتلال «الإسرائيلي»، سواء خلال حرب عام 1996 أو حرب عام 2006م، حيث خرج منتصراً في الحربين معاً، ما جعل شعبية الحزب ترتفع وتعاطف الشارع العربي معه يزداد، خاصة أن الحزب أقام شرعية وجوده في لبنان على فكرة المقاومة.
لكن عن حقيقة الصراع بين «حزب الله» و «إسرائيل»، يقول نشطاوي: إن هناك تفاهمات طبعت حقيقة هذا الصراع؛ مما يضفي الشك على حقيقة المقاومة التي يتزعمها «حزب الله» ضد الكيان الصهيوني، وأن جهاده ومقاومته سياسية في المقام الأول وليست من أجل تحرير الأرض، ولكن من أجل تحقيق أهداف مؤسسية، وذلك في تناقض صارخ مع ميثاق «حزب الله» الذي ينص على أنه يجب إزالة «إسرائيل» من الوجود، ويدعو لتوحد العرب والمسلمين لتحرير فلسطين كلها من النهر إلى البحر.
ويؤكد نشطاوي – على سبيل المثال – تفاهمي يوليو 1993، وأبريل 1996م بين «إسرائيل» والحزب، حيث تعهد الحزب في هذين التفاهمين بعدم ضرب أهداف «إسرائيلية» داخل فلسطين المحتلة بداية، وهو أمر كان الحزب يؤكد التزامه به، معتبراً أن إطلاق صواريخ «الكاتيوشا» على المستعمرات «الإسرائيلية» في الجليل ليس سوى رد فعل على الاعتداءات «الإسرائيلية» على المدنيين، وأن مقاومته هي مجرد رد فعل على الانتهاكات «الإسرائيلية»، ونفس الشيء بالنسبة للاتفاق الذي سبق الانسحاب «الإسرائيلي» من جنوب لبنان عام 2000م.
عمليات قذرة
يقول نشطاوي: إن تواجد «حزب الله» في أمريكا اللاتينية يرجع إلى بداية الثمانينيات، حين هاجرت مئات العائلات اللبنانية بسبب ظروف الحرب الأهلية، وكان أول نشاط رسمي للحزب مع خلية محسن رباني، المستشار الثقافي السابق في السفارة الإيرانية في الأرجنتين، والتي اتهمتها السلطات الأرجنتينية بتفجير مقر الجمعية التعاضدية اليهودية الأرجنتينية (آميا) في بوينس إيرس عام 1994م، وأعد المدعي العام الأرجنتيني «ألبرتو نيسمان» قراراً ظنياً اتهم فيه إيران مباشرة باتخاذ قرار الهجوم، وتكليف «حزب الله» بتنفيذ الأمر.
كما أعلنت وكالة مكافحة المخدرات في الولايات المتحدة عن إلقاء القبض على شبكة تابعة لـ «حزب الله» مسؤولة عن غسل الأموال نيابة عن عصابات المخدرات في أمريكا اللاتينية، وتمويل عمليات الحزب في سورية ولبنان.
ولا تقتصر الاتهامات الموجهة إلى «حزب الله» على الولايات المتحدة الأمريكية، بل تشمل دولاً عدة، إذ نشرت بعض الوسائل الإعلامية الأرجنتينية تقريراً يفيد أن الحزب يجني بين 60 و100 مليون دولار سنوياً، عبر أنشطة غير مشروعة في أمريكا اللاتينية، وخصوصاً في منطقة الحدود الثلاثية المشتركة بين دول الباراجواي والأرجنتين والبرازيل.
كما كشف الموقع الأرجنتيني «أنفو باي» نقلاً عن مصادر في الاستخبارات الفرنسية معلومات تفيد أن الحزب منخرط بالاتجار بالمخدرات والأسلحة وغسيل الأموال، وأن منطقة الحدود الثلاثية تمثل العاصمة التي تدر أرباحاً كبيرة.
منظمة إرهابية
قرر مجلس التعاون الخليجي، ومجلس جامعة الدول العربية في ختام أعمال دورته الـ145 على مستوى وزراء الخارجية العرب بالقاهرة، اعتبار «حزب الله» اللبناني «منظمة إرهابية»، وقد كان هناك إجماع على القرار مع تحفظ كل من لبنان والعراق وملاحظة من الجزائر.
ويقول ماموح: إنه قرار سياسي يمثل رد فعل على السياسة التوسعية لإيران في المنطقة، التي تشكل تهديداً لاستقرار مجموعة من الأنظمة السياسية في الخليج، كما أن هذا القرار مؤشر آخر يبين أن الصراع المذهبي في منطقة الشرق الأوسط قد بلغ أوجه.
ويشير نشطاوي إلى أن البعض اعتبر أن هناك تجنياً كبيراً على «المقاومة» التي يتزعمها «حزب الله» ضد «إسرائيل» وضد مشاريعها الاستيطانية، ويمس في العمق وحدة الأمة العربية ووحدة صفها، والبعض الآخر يعتبر أن هذين القرارين جاءا رد فعل على ممارسات «حزب الله» في اليمن وسورية والعراق، وما يحاول القيام به في البحرين والكويت والسعودية ودول أخرى.