– البعض ما زال ينظر إلى عبدالإله بن كيران نظرة حذر وشك في النوايا
– «البلوكاج» صيغة دينامية قوية يشهدها المجتمع المغربي في علاقته بالسياسة والانتخابات
يعيش المغرب حالة من الجدل السياسي المتزامن مع فراغ حكومي بعدما طال أمر الحسم في تشكيل الحكومة من قبل عبدالإله بن كيران، الأمين العام لحزب العدالة والتنمية، ذي المرجعية الإسلامية، والذي كلفه الملك محمد السادس بذلك نتيجة حصول حزبه على المرتبة الأولى في الانتخابات التشريعية لشهر أكتوبر 2016م طبقاً لمقتضيات الدستور المغربي الجديد.
ما زال عدد من الفرقاء ينظرون إلى ابن كيران نظرة حذر – إن لم نقل نظرة «شك في النوايا» – بالرغم من أنه قدم الدليل تلو الدليل أنه مثل باقي الأحزاب المغربية الأخرى يؤمن بثوابت الوطن ويدافع عنها، وإن كان يفوقهم تنظيماً ووضوحاً في الرؤية في تقديم أجوبة حول محاربة الفساد، وتقديم أجوبة الإصلاح، وهو الذي رفع «الإصلاح في ظل الاستقرار»، ومنع أي مس بجوهر الحكم في المغرب.
تحول سياسي
يشرح د. خالد يايموت، أستاذ العلوم السياسية في تصريح لـ«المجتمع»؛ أن عدم الحسم في تشكيل الحكومة المغربية حتى الآن يبرهن على وجود عملية تحول دخل فيها النظام السياسي المغربي منذ عام 2011م، ولذلك يظهر «البلوكاج» (تعذر تشكيل الأغلبية الحكومية وما يتبع ذلك من عدم الحسم في تشكيل الحكومة وتأثيره على باقي المؤسسات في البلاد) بصيغة دينامية قوية يشهدها المجتمع المغربي في علاقته بالسياسة والانتخابات.
أما د. عبدالعالي الحور، أستاذ العلوم السياسية، فيؤكد ضرورة إعادة النظر في النظام الانتخابي لعقلنة المشهد السياسي والحزبي لفرز أحزاب قوية قادرة على تشكيل حكومة منسجمة تتكون من حزب واحد أو حزبين على الأكثر، مبرزاً في تصريح لـ«المجتمع» أن هذا «البلوكاج» من جهة ثانية يدعو إلى إعادة النظر في صناعة القرار الحزبي وضرورة استقلاله عن الدولة.
ويوضح د. يايموت أن نتائج الانتخابات بالرغم من إشكاليات التقطيع الانتخابي أفرزت نتائج لم تتوقعها الدولة بفوز العدالة والتنمية بالمرتبة الأولى، وفي الوقت نفسه متجاوزة لبنية النظام السياسي التقليدي، فـ«البلوكاج» في رأيه – إذن – هو تكييف للنظام السياسي مع الواقع الذي تجاوزه الذي يستند أساساً إلى تحول مجتمعي مساند للأحزاب ومسلح بالوسائل الانتخابية؛ بما يعني أننا دخلنا لأول مرة في تاريخ المغرب في تشكيل حكومات بناء على الانتخابات وليس بناء على مساومات سياسية بين الملكية والنخبة السياسية، لأن الرأي العام دخل بقوة عبر المراقبة المباشرة على النظام السياسي وعلى النخبة السياسية.
إن توالي الأحداث أظهر أن أحزاب 8 أكتوبر – باستثناء الأصالة والمعاصرة الذي صرح أنه لن يتحالف مع العدالة والتنمية وتموقع في المعارضة تكتيكياً – متشبثة بالدخول إلى الحكومة كقوة نافذة داخلها بقيادة عزيز أخنوش، الأمين العام لحزب الأحرار، البديل عن زعيم الأصالة والمعاصرة إلياس العماري، أخنوش الذي لم يشارك في الانتخابات لكن بمجرد ظهور نتائجها عقد الحزب مؤتمره لتنصيبه رئيساً مفوضاً له بدأ المفاوضات مع رئيس الحكومة، وقدَّم نفسه محارباً للظلاميين كما جاء على لسانه في تجمع خطابي وهو يقرأ من ورقة، والكل يعرف أنه رجل اقتصادي ذو ثروة يريد أن يحمي مصالحه ولا يعرف ربما معنى لهذا الكلام.
إن تقوية موقف أخنوش كان بدافع قبول كل شروطه، أو دفع ابن كيران إلى إعلان فشله في تشكيل الحكومة، وإرجاع المفاتيح إلى الملك.. وفي هذا الصدد، يقول د. الحور: ليس من مصلحة التجربة المغربية أن تتحكم جهات ما في المشهد الحزبي أو أن تصرف عبره مواقفها من أطراف أخرى، فوجود أحزاب قوية يقوي النظام السياسي ويعزز استقراره وليس العكس كما يروج البعض.
أما د. يايموت فيقول: المتتبع لخطاب ابن كيران وسلوكه السياسي يعرف أنه لن يتخذ مثل هذه الخطوة (إعلان فشل تشكيل الحكومة) لسببين:
الأول: إنه يريد التواصل المباشر مع الملك فيما يخص الأزمة السياسية الحالية، وهو يعلم أن التواصل المباشر آلية لتجاوز العرقلة التي يضعها حزب التجمع الوطني للأحرار وشخصية أخنوش.
ثانياً: إن ابن كيران يعتمد على (الفصل 47) الذي يجعله في وضعية سليمة؛ لأنه لا يحدد آجالاً لتشكيل الحكومة الجديدة، كما أنه يجعل منه (ابن كيران) رئيساً لحكومة تصريف الأعمال.
حلان لتجاوز «البلوكاج»
وتُطرح في الشارع المغربي حلول عن كيفية تجاوز حالة «البلوكاج»، ويتساءل البعض: هل مسألة إعادة الانتخابات في صالح البلد أم في صالح الديمقراطية المغربية؟ ويجيب د. يايموت قائلاً: بالطبع إعادة الانتخابات هو السبيل الديمقراطي والدستوري الذي يطرحه دستور المغرب عام 2011م، لكن النظام السياسي المغربي لا يريدها؛ لأنها تضر بما تبقى له من مساحة التحكم في المشهد السياسي والحقل السياسي معاً، فليس هناك أحزاب يمكنها مواجهة العدالة والتنمية انتخابياً وسياسياً.
ويتوقع يايموت حلين لتجاوز الأزمة؛ أولاً: الطريقة السياسية عبر تواصل مباشر بين الملك ورئيس الحكومة بصفتهما الدستورية والبحث عن حل سياسي، أو العودة للانتخابات؛ وهذا مكلف بالنسبة للنظام السياسي المغربي؛ لأن العدالة والتنمية سيحرز نتائج أكبر مما حصل عليه في عام 2016م.