قال نائب رئيس مجلس الوزراء ووزير الخارجية السابق الشيخ الدكتور محمد صباح السالم الصباح اليوم: إن منطقة الشرق الأوسط تشهد صورة «قاتمة» مليئة بالتحديات الهائلة تتطلّب جهوداً دولية أكبر لمواجهتها واحتوائها.
وخلال إلقائه محاضرة تحت عنوان: (الأمن الإقليمي في عالم مضطرب.. رؤية خليجية) في جامعة أستراليا الوطنية بحضور عدد من رؤساء البعثات الديبلوماسية ومسؤولي وزارة الخارجية وأساتذة المؤسسات الأكاديمية والطلبة في العاصمة كانبرا، استعرض الشيخ الدكتور محمد الصباح طبيعة المناخ السياسي والجيوسياسي في منطقة الشرق الأوسط، مشيراً إلى “ما تمر به حالياً من اضطرابات هائلة تتراوح بين الحرب الأهلية في سورية وظهور تنظيم (داعش) وحروب العراق واليمن في جنوب شبه الجزيرة العربية وأزمة فلسطين المستمرة وتزايد انعدام القرارات في هذه النزاعات”.
وأوضح أن “التطورات الجارية في المنطقة أوجدت دولاً فاشلة كتلك التي في اليمن وسورية وليبيا”، مشيراً إلى “أن فشل دول المنطقة في اتخاذ قرارات مصيرية أثر سلباً عليها، كما تزايد دور عدد من الدول في الشرق الأوسط ولاسيما روسيا وتركيا وإيران”.
وعن العراق قال الشيخ محمد الصباح: إن “الأمر لا يكمن في الانتصارات التي يتم تحقيقها على أرض المعركة، ولكن فيما إذا تم كسب قلوب وعقول الناس وكيفية قيام السلطات العراقية بإعادة تشكيل النظام السياسي في هذه المناطق”، مضيفاً: إن “من الممكن أن تفوز بالمعركة وتخسر الحرب”.
وشدد على “أهمية التخلي عن الحلول المبنية على الطائفية وتبني سياسة وطنية تقوم على الاندماج والاحتضان لمكونات المجتمع كافة”، مضيفاً: إن “تنظيم (داعش) نشأ في بدايته تحت الادعاء بحماية الطائفة السنية ضد الطائفة الشيعية لذا فقد بدأ كحركة طائفية وعليه فإنه كان يجب إخمادها في بدايتها”.
ولفت إلى أن “الأمر في العراق ينطبق على سورية فرغم أنهما منطقتان منفصلتان فإن المسرح واحد والأسباب الكامنة واحدة”، مؤكداً “التزام دول مجلس التعاون الخليجي المطلق بمكافحة التطرف والإرهاب”، ولافتاً إلى «أهمية تضافر الجهود لمواجهة الفكر المتطرف بالفكر المعتدل»، وموضحاً أن “دول المجلس تعد جزءا من التحالف الدولي الذي يهدف لتفكيك (داعش) والقضاء عليه”.
وحول الانقسام الطائفي في الدول الإسلامية، قال: إن “الانقسام الطائفي يتجاوز الدول المسلمة حيث إن العنصرية والتعصب وقمع الأقليات مشكلات قد تواجهها كل الدول في وقت واحد، وهذه هي حقيقة أسباب الحرب الأهلية في المجتمعات”.
وأعرب عن اعتقاده بأنه “تم عمل الكثير في هذه المنطقة في مجال الانفتاح والانخراط في سياسة شمولية لمواجهة وجود الدكتاتوريات كتلك التي كانت في العراق في زمن صدام حسين والتي نتج عنها مجتمع منقسم وغاية في الطائفية، حيث يدفع المجتمع بكامله حالياً ثمن السنوات العديدة التي قضاها صدام في حكم العراق”.
وأشار إلى “أهمية فهم ارتفاع تأثير النظام الشعبوي والطائفي على الأمن الوطني وعواقب ذلك على الديناميات السياسية في منطقة الشرق الأوسط”، لافتاً إلى “الشعور المشترك بالحزن نتيجة لما نراه من ضحايا أبرياء وتزايد القتلى من برلين في قلب أوروبا إلى حلب في قلب العالم العربي”.
وعن أزمة اللاجئين السوريين، ركّز الشيخ محمد الصباح خلال المحاضرة على الدور الذي تضطلع به دولة الكويت لتخفيف مأساة ومعاناة السوريين.
وقال: إن “الكويت استضافت ثلاثة مؤتمرات دولية مهمة للمانحين لدعم الوضع الإنساني في سورية وساهمت بأكثر من 3.1 مليار دولار للقضية السورية أي أكثر من أي دولة أخرى في العالم”.
وقال: إن “الكويت عملت وقدمت الكثير للمنطقة”، مستدركاً القول إن «الأمر لا يتعلق باللاجئين بقدر ما يتعلق بإيجاد حل في سورية”.
وشدد على أن “هناك حاجة إلى إيجاد مناطق آمنة للسماح للمواطنين بالعيش بسلام داخل مناطقهم بدلا من أن يجبروا على الخروج والتبعثر في جميع أنحاء العالم”.
وعبر عن أسفه “في ظل ما يعتقده النظام السوري الخاطئ من أن الحل العسكري ممكن تحقيقه مما يعقد مسألة إيجاد حل سياسي وبشكل صعب للغاية”، مؤكداً “ضرورة فرض المجتمع الدولي حلاً سياسياً والبدء بإيجاد مناطق آمنة داخل سورية”.
وعن المناطق الآمنة في سورية، قال: إن “الكويت طالبت بإيجاد مناطق آمنة على مدى العامين الماضيين”، معبراً عن تفاؤله كون الرئيس الأميركي دونالد ترمب يردد ذلك.
وأفاد بأن “كل ما يجب مشاهدته لمعرفة حجم الحالة المأساوية في سورية هو من خلال مشاهدة الفيلم الوثائقي بعنوان )الخوذ البيضاء)”.
وحول أثر ذلك على أمن واستقرار دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية، أوضح أن «منطقة الخليج العربي تستشعر انعكاسات هذه الاتجاهات والتحديات المقلقة وخاصة فيما يتعلق بالدول الفاشلة في اليمن وليبيا والأزمة المستمرة في سورية»، مبيناً أن «المجتمع الدولي لم يعد قادراً على إدارة الأزمة في الشرق الأوسط»، ومشدداً على “أهمية اتخاذ قرار سريع لتجنب العواقب الوخيمة”.
وعن العلاقات الخليجية- الإيرانية قال: إن “مجلس التعاون الخليجي حريص على الحوار والتفاوض مع إيران وفقاً لمبادئ حددتها دول المجلس منها احترام سيادة الدول وعدم التدخل في الشؤون الداخلية”.
وطالب الشيخ محمد إيران “بالتوقف عن تعزيز النعرات الطائفية في البحرين واليمن والعراق وسورية ولبنان”.
وتابع: إن “دول مجلس التعاون نموذج للاعتدال وتسعى إلى تعزيز الانفتاح الثقافي والتسامح الديني وتمكين المرأة وتوفير المبادرات ذات الصلة، إضافة إلى مواكبة التطورات التقنية وتعزيز دور الشباب والترفع عن الخلافات التي لا تتماشى مع هذا القرن”.
وحول العلاقات الكويتية – الأسترالية ذكر إنها «علاقات متميزة جداً على الرغم من بعد المسافة بين الجانبين»، مبيناً أن “الجانبين لديهما وجهات نظر متطابقة وذلك يعود لتشابه اقتصاديات كلا البلدين”.
وفيما يخص القضية الفلسطينية أوضح أن «النزاع الفلسطيني – الإسرائيلي هو انعكاس لفشل في اتخاذ الخيارات الصعبة لأكثر من 60 عاماً»، وقال: إن «القضية الفلسطينية بؤرة للتطرف وعدم الاستقرار في المنطقة والعديد من الحروب»، واصفاً إياها بأنها “عصب الأزمات حيث لم يشعر الإسرائيليون بالأمن في حين لم يشعر الفلسطينيون بالعدالة وذلك بسبب الافتقار لإرادة سياسية لاتخاذ الخطوات المطلوبة”.
وبشأن تحول سياسة الولايات المتحدة وأوروبا إلى الداخل مما يعني الميل إلى الانعزالية مما قد يؤدي إلى فراغ مقلق، بيّن أنه “يجب الانتظار فترة أطول حتى تتبين ملامح نهج الرئيس ترامب في المنطقة وتصبح أكثر وضوحاً”.
وقال: إن “العام الحالي سيشهد إجراء انتخابات في أربع من الدول الست المؤسسة للاتحاد الأوروبي”، مشيراً إلى أن “نتائجها ستحدد فرص السلام والازدهار في العالم”.