– الخيانة كارثة لا تهدد البيوت فقط إنما تُفكك المجتمع وتزيد جرائمه
– مرحلة المراهقة تتسم بالحساسية والشعور بالذات والحاجة إلى الانتماء والتقدير
– الفساد الذي رافق التكنولوجيا زاد من حالات الخيانة وسهَّل ارتكاب المعاصي
– على الحكومات والجهات المعنية بالشباب استيعابهم من الصغر فكرياً وجسدياً
قابلتها والتقيت بها فجأة عند باب قاعة المؤتمر الذي دعينا له من مختلف الدول.
قالت: هلا إيمان.. كيف حالك؟
قلت: فاطمة! أهلاً وسهلاً، الحمد لله، وكيف حالك أنت؟
قالت: الحمد لله، والحمد لله أن جمعني بك ثانية بعد آخر مرة في الجمعية حيث أتذكرك دائماً، في آخر مرة كنا نتناقش ونحن نعد برنامج المُقبلات على الزواج، حيث ناقشتني في حجم انتشار مشكلة الخيانة من الرجل، وأنه يجب وضع آليات للحد منها، وإعداد البنات إعداداً جيداً لمثل هذه المشكلات، وكيفية التعامل معها، وقد عارضتك بشدة بأن نسبتها ليست بالكثيرة.
قلت: والآن.. ما رأيك؟
قالت: بعد عام افترقنا فيه عن بعضنا كل في مكان، اكتشفت أنها موجودة بنسب لا تغفل، لكن أحياناً المستشيرة لا تصرح بها بسرعة لك، لكنها بالفعل منتشرة في بلدان كثيرة ومجتمعات مختلفة.
قلت: وماذا فعلت؟
قالت: تطبيق ما اقترحته من قبل بعمل ورشة متصلة بين المستشيرين من الرجال والمستشارات من السيدات؛ لنضع إحصاءات وأسباباً ودوافع وحلولاً لهذه الآفة التي تنخر في جسد المجتمع.
قلت: المشكلة يا فاطمة أنها إيمانية أكثر من أنها سلوكية، ضعف إيمان ومراقبة لله مع إهمال البيت تربوياً.
قالت: لكن هذه كارثة لا تهدد البيوت أو الأسر فقط، إنما تهدد المجتمع وتُفككه، وتؤدي إلى زيادة جرائمه نتيجة انحلال الأسرة وتفككها أو تقليد الأبناء للأب.
قلت: ليس هذا فقط، إنما هذا الخائن لا يكتفي بما يقترفه على نفسه وأسرته وسمعة عائلته، فهو يجر الآخرين إلى المعصية وإلى التمرد على حياتهم، إذا كانت زوجة أو فتاة، فهو فاسد مفسد.
قالت: فهل من حلول لوقف هذا الوباء ضمن أوبئة تنخر في جسد المجتمع؟
قلت: نحن أمام مشكلة إيمانية أخلاقية سلوكية مجتمعية، وليت ضررها فردي على ذاتها.
قالت: نعم، قبل فترة زرتُ إحدى دور الأيتام للأطفال الصغار، وتقطع قلبي لما رأيته منهن.
قلت: بالفعل، لقد رأيتهن كيف يفكرن حينما دعيت لإلقاء محاضرة للبنات الجامعيات هناك، فهن يتعاملن مع أي زائر معاملة غريبة؛ رفض للآخر، وعدم انسجام مع المجتمع، ونفور شديد للغاية.
قالت: لِمَ؟!
قلت: لقد تعجبت مثلك هكذا في البداية، لكنني أشفقت عليهن، كادت تتقطع حناجرنا بكاءً عليهن.
قالت: لقد أثرتِ فضولي أكثر، هيا قولي لماذا؟
قلت: إن الأطفال الصغار قد لا يستوعبن هذه النظرة أو الفكرة التي تجعلهن ينفرن من المجتمع في أي مناسبة اجتماعية تعد لهن وأي زائر أو ضيف.
قاطعتني: إيمان، لا تشتتي تفكيري أكثر من هذا، قولي لِمَ؟
ضحكت قائلة: الفتاة حينما تنظر لعيون القادم لا تستطيع أن ترفع عينيها فيه، وتشعر بالخجل، بأنه يعرف حقيقة من أين أتت وما ظروفها؛ لذا لا يريدن أن يشاهدن هذه النظرة في عيون الآخرين لهن، يريدن التعامل مع مجتمع يجهل حقيقتهن، لا يعرفهن أو يتعامل معهن مثل غيرهن من لهن أب وأمّ وأهل وعائلة، إنهن يقاطعن العالم الخارجي.
قالت: قد يكون هذا واقعياً، لكن ليس بهذه الحساسية الشديدة.
قلت: لا تنسي أنهن في مرحلة المراهقة التي تتسم بالحساسية والشعور بالذات والحاجة إلى الانتماء والتقدير والحب وهن يفتقدن ذلك.
قالت: لكنهن يجدن رعاية كبيرة من الدولة في احتوائهن ومحاولة تعويضهن.
قلت: نعم، لكن الماء ليس كالتيمم، فالأطفال الأيتام سواء البنين أو البنات يريدون احتواء الأم ورعاية الأب؛ أي ستظل قناعتهم أن الآخرين ينظرون لهم على أن لا أب ولا أم ولا عائلة، من هو؟ من أبوه؟ من أمه؟ من أهله؟
تلك الأسئلة تلاحقهم، تطرد الأمن من داخل نفوسهم، لماذا نحن؟ أين أبي؟ أين أمي؟
قالت: بالفعل صدقتِ وصدق إحساسهم.
قلت: والأكثر من ذلك نقاشهم وأفكارهم، هم قوة موقوتة داخل المجتمعات إن لم يتم احتواؤهم والاهتمام بهم هكذا ورعايتهم وتوفير حياة بديلة كريمة تخفف العبء والضرر الواقع منهم وعليهم.
قالت: ذكرتني بحوار أحد الأطفال لزميله حين زيارتهم يقول له: ليس لنا أب أو أمّ، ألا تفهم؟ أبكتني هذه الجملة، رغم أن هناك أطفالاً يتامى كثيرين؛ إلا أنْ تجهل نسبك فهذا أمر مؤلم، وأنك من علاقة غير شرعية؛ فهذا كالملح على الجرح.
قلت: نعم، نعم، ملح آخر سمعته على جرح في كلمات فتاة وهي تنظر للمرأة وتقول: أمنيتي أن يقولوا لي: أنت تشبهين أمك، كم تتمنى أمّاً حتى ولو قاسية، مريضة، مطلّقة، المهم أن لها أمّاً!
قالت: آه لو يدري الشاب والفتاة عاقبة جرمهما هذا، لو يستوعب الخائن والخائنة ما ستؤول إليه الأمور، ماذا لو كانا مكانهم؟
قلت: إن بعضهم تُسوّل له نفسه بأن ما يُقدم عليه هو من باب التسلية، ثم تنزلق قدمه وقدمها خاصة في العلاقات الإلكترونية، وقد يعتاد الشخص على الكلام مع النساء حتى يقع في الجرم، هذا غير أنه يُصاب بداء الشك.
أذكر أن أحدهم أخذ يفتش وراء خطيبته، وآخر وراء زوجته، وأخذ يتطفل على حسابها في «الفيسبوك» متخفياً ليختبرها!
قالت: إن الفساد الذي رافق التكنولوجيا والانفتاح زادا من عدد الحالات، وسهّلا تناولهم وارتكابهم للمعصية.
قلت: والحل يكمن في جذب البعد الفكري والوقتي نحو بوصلة القيم والمبادئ؛ لأنهما بمثابة جناحين للبعد الإيماني قد يرفعانه أو يسقطانه.
قالت: بل ومن الممكن أن الإيماني يرفع الاثنين!
قلت: نعم بالتأكيد، لكن قد تجعله يرفرف كثيراً محاولاً بجناحيه الضعيفين التحليق عالياً، لكن يقاوم ويصارع أكثر لو جناحاه يرفعانه بقوة.
قالت: بالضبط، لذا هذا الأمر يحتاج من الحكومات والجهات المعنية بالشباب إلى استيعابهم من الصغر لفكرهم وطاقاتهم وقدراتهم، رغم أن هناك الكثير من مثل هذه الأنشطة، لكنَّ هناك خللاً.
قلت: هي بمثابة من تفتح باباً كبيراً تنطلق من خلاله الطاقات والقدرات والمهارات، ثم لا يجدون امتداداً لها؛ أي تفتح أفقاً واحداً ثم لا يجد الشاب منهم مجالاً له بعد ذلك لقدراته تلك يستثمر فيها أو جهة تتبنى فكرته أو مشروعه، ذلك هو الخلل الذي يصيبهم باليأس والإحباط، بالإضافة لإهمال الأسر بتربية ورعاية أبنائهم، وقد تتحول التربية إلى مشروع تسمين وليس تثمين أخلاق ومبادئ، فكل له دوره بالتأكيد.
قالت: علينا إذاً إدراج ذلك الآن في توصيات هذا المؤتمر، فهيا بنا لقد بدؤوا منذ قليل.