يبرز كمال الإسلام وشموليته من عدة جوانب، منها: أنه يضع للإنسان منهجًا متكاملًا لحياته، بحيث يسن له حدودًا يسير وفقها ويحذره من تعديها، ويراعي في ذات الوقت تقلبات أحواله تجاهها، فيبين له سبيل العودة إلى طريق الصلاح والاستقامة من بعد ضلاله، فيعالج خطأه من جانبين: جانب يتعلق بذاته المذنبة، والآخر بالخلل الواقع من حوله المسهم في انحرافه؛ ليتعدى الإصلاح لمجتمعه ولا يقتصر على أفراده فتتكرر المشكلة من جديد.
فالإسلام ينتهج الشمول والتكامل والنظرة المستقبلية في معالجة الأمور، وسيتضح هذا المنهج بشكل أوسع من خلال عرض أساليب علاج ظاهرة الاسترجال، ومنها:
تعزيز القيم عند الفتاة:
تمثل القيم أحد مرتكزات الثقافة الإسلامية ومعيارها، إذ عن طريقها تقاس الأمور والأشياء فهي أشبه بالحمى التي تصون الثقافة الإسلامية وتحفظها من كل ما يؤدي إلى تحويل هويتها، ومن ثَم فإن أي خلل في تلك القيم سينسحب تلقائيًا على نتائج معيارها محدثًا فجوات في حمى الثقافة الإسلامية تمكّن من دخول أمور وسلوكيات تخالف منهج الشريعة الإسلامية.
وبالنظر إلى سلوك الاسترجال ومحاولة الوصول إلى القيم التي شكلته نجد أن أبرز قيمة اختلت فيه هي قيمة الأنوثة، والتي يندرج تحتها مجموعة من القيم بعضها قد تشترك فيها مع الرجل، لكن يجدر أن تكون نسبتها عند المرأة أعلى كقيمة الحياء، والعفة، والغيرة، والعطف وغيرها، وبعضها الآخر يكون مقصورًا عليها كالأمومة، ومن ثَم فإن تعزيز مثل هذه القيمة وإقامة اعوجاجها يسهم في تصحيح معيار التقييم لدى الفتاة تجاه هويتها مما يترتب عليه عودتها عن الاسترجال إلى السلوك الطبيعي. وقد كان للإسلام منهجًا أصيلاً في تعزيز قيمة الأنوثة لدى الفتاة تجلى في عدة أمور، أبرزها:
1- حصر الأنوثة في إطار شخصية الفتاة، ومنع تسلل الذكورة إليها، أو دخولها في حمى شخصية الرجل، قال ابن عباس رضي الله عنهما: “لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم المتشبهين من الرجال بالنساء والمتشبهات من النساء بالرجال”[1].
2- اختصاص المرأة بأحكام شرعية تتوافق مع أنوثتها، ومثال ذلك أحكام الحائض والنفساء في الصلاة والصيام وغيرهما.
3- تلبية احتياجات أنوثتها، ومنها الزينة. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “حرم لباس الحرير والذهب على ذكور أمتي وأحل لإناثهم”[2].
4- عدم انتقاص أنوثتها، قال عز وجل: {مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} [النحل: 97].
فهذه الأمثلة وغيرها الكثير بينت مكانة هذه القيمة في الإسلام ورسمت للمتبصر في الوقت ذاته سبل تجفيف منابع ذكورية المسترجلة.
ومن المنطلق السابق يتعين على الأسرة ابتداءً والمجتمع بمؤسساته ووسائل الإعلام الدور الكبير في تعزيز تلك القيمة من خلال بيان منهج الإسلام في التعامل مع الإناث، وتصحيح مسار تنشئة الفتيات، وإبراز النماذج الصالحة للاقتداء بها، والتأكيد على الدور الموائم لجنسها وإيجاد الأنشطة المناسبة لها، والكشف عن جوانب الجمال في تلك القيمة. فكلما قوي الجانب المعرفي للفتاة تجاه قيمة أنوثتها وكذلك الجانب العملي المتسق معها قلّ ميلها نحو الاسترجال.
الهوامش
[1] أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب: اللباس، باب: المتشبهين بالنساء والمتشبهات بالرجال، رقمه: 5546، (5/ 2207).
[2] أخرجه الترمذي في سننه، كتاب: اللباس، رقمه: 1720، (4/ 217)؛ والنسائي في سننه الكبرى (بمعناه) ، (5/ 437)؛ والبيهقي في سننه (بمعناه)، (2/ 425)؛ وأحمد في مسنده (بمعناه)، (4/ 394)؛ وعبد بن حميد في مسنده (بمعناه)، ص193؛ وابن أبي شيبه في مصنفه (بمعناه)، (5/ 151)؛ وقال أبو عيسى: وحديث أبي موسى حديث حسن صحيح. وصححه الألباني في صحيح سنن الترمذي، (2/ 265). وله طرق كثيرة اكتفيت بتخريجه من طريق الصحابي أبي موسى الأشعري رضي الله عنه.
المصدر: “الألوكة” (بتصرف يسير).