وتبقى الصلاة.. باقية معنا ما بقي القلب يدق، والعين تطرف، وما بقيت في العمر بقية. خمس صلوات نتكلم فيها مع الله، فيها سجود واطمئنان، وتسبيح وتهليل وتحميد للرحمن. إنها لسعادة، الكثير منا يفقدها ويبحث عنها وهي بين أيدينا، (كالعيس في البيداء يقتلها الظما والماء فوق ظهورها محمول).
فلو يعلم المصلي ما يغشاه من الرحمة والقرب من الله عند سجوده لَمَا رفع رأسه. قال تعالى {وَأَقيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَأَطيعُوا الرَّسُولَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ} (النور: 56)، وقال سبحانه لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: {واسجد واقترب}، وعندما ضاق صدره من إيذاء المشركين له قال له ربه {ولَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّكَ يَضيقُ صَدْرُكَ بمَا يَقُولُونَ * فَسَبحْ بحَمْد رَبكَ وَكُن منَ السَّاجدينَ} (الحجر: 97، 98).
لذلك كانت الصلاة قرة عينه، وكان يقول لبلال: أرحنا بها يا بلال وليس كما يفعل البعض وهو ينقر ويلتفت وتكثر حركته في صلاته ويسرع وكأنه في قفص ويقول أرحنا منها.
وتبقى الصلاة.. يقول أحدهم: حينما قرأت بين دفتي المصحف وجدت أن الله يحب المتقين، فما وجدت أن أحسب نفسي منهم، ووجدت أنه يحب الصابرين، فتذكرت قلة صبري وخوفي وهلعي عند البأساء والضراء، ووجدت أن الله يحب المجاهدين فتنبهت لكسلي وقلة حيلتي وتقاعسي، ووجدت أن الله يحب المحسنين ونفسي شحيحة بخيلة ومقصرة.. حينها توقفت عن متابعة البحث؛ خشية ألّا أجد في نفسي شيئًا يحبني الله لأجله! ونظرت أعمالي فإذا أكثرها ممزوج بالفتور والشوائب والذنوب، فإذ بطوق النجاة وبريق من الأمل يشع لي ويفتح لي بين ظلمات الذنوب حين وصلت إلى قول ربي {إنّ الله يحب التوابين ويحب المتطهرين} فتمسكت بهذا الحبل وعضضت عليه بنواجذي، فقمت وتوضأت، ووقفت بين يدي ربي، لأناجيه وأعلن عن ندمي وتوبتي رجاءً في رحمته قال تعالى {أَمْ مَنْ هُوَ قَانتٌ آنَاءَ اللَّيْل سَاجدًا وَقَائمًا يَحْذَرُ الآخرَةَ وَيَرْجُو رَحْمَةَ رَبه قُلْ هَلْ يَسْتَوي الَّذينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذينَ لا يَعْلَمُونَ إنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الأَلْبَاب} (الزمر: 9). وتذكرت الرجل الذي جاء للنبي يقول له: يا رسول الله أصبت من امرأة قبلة فطهرني فسكت النبي حتى نزل قول الله تعالى (وأَقم الصَّلَاةَ طَرَفَي النَّهَار وَزُلَفًا منَ اللَّيْل إنَّ الْحَسَنَات يُذْهبْنَ السَّيئَات ذَلكَ ذكْرَى للذَّاكرينَ} (هود: 114).
وتبقى الصلاة.. عهد الله الذي لا ينقطع أبداً، فمن قطعه لعنه الله. قال تعالى {أَفَمَنْ يَعْلَمُ أَنَّما أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ الْحَقُّ كَمَنْ هُوَ أَعْمى إِنَّما يَتَذَكَّرُ أُولُوا الْأَلْبابِ (19) الَّذِينَ يُوفُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَلا يَنْقُضُونَ الْمِيثاقَ (20) وَالَّذِينَ يَصِلُونَ ما أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ وَيَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ وَيَخافُونَ سُوءَ الْحِسابِ (21) وَالَّذِينَ صَبَرُوا ابْتِغاءَ وَجْهِ رَبِّهِمْ وَأَقامُوا الصَّلاةَ وَأَنْفَقُوا مِمَّا رَزَقْناهُمْ سِرًّا وَعَلانِيَةً وَيَدْرَؤُنَ بِالْحَسَنَةِ السَّيِّئَةَ أُولئِكَ لَهُمْ عُقْبَى الدَّارِ (22) جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَها وَمَنْ صَلَحَ مِنْ آبائِهِمْ وَأَزْواجِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ وَالْمَلائِكَةُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِمْ مِنْ كُلِّ بابٍ (23) سَلامٌ عَلَيْكُمْ بِما صَبَرْتُمْ فَنِعْمَ عُقْبَى الدَّارِ (24) وَالَّذِينَ يَنْقُضُونَ عَهْدَ اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مِيثاقِهِ وَيَقْطَعُونَ ما أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ وَيُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ أُولئِكَ لَهُمُ اللَّعْنَةُ وَلَهُمْ سُوءُ الدَّارِ (25)} (الرعد).
ويؤكد ذلك الحديث الصحيح عن بريده الأسلمي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: “العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة فمن تركها فقد كفر”.
وتبقى الصلاة.. أيها القارئ الكريم يقول أحدهم: ثلاث تُحَل بثلاث:
1- الشقاء وعدم التوفيق وذلك بسبب عقوق الوالدين، قال تعالى {وَبَرًّا بوَالدَتي وَلَمْ يَجْعَلْني جَبَّارًا شَقيًّا} (مريم: 32).
2- والاكتئاب والضنك وذلك بسبب الإعراض عن الله، قال تعالى {وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذكْري فَإنَّ لَهُ مَعيشَةً ضَنكاً وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقيَامَة أَعْمَى} (طه: 124).
3- وحب الشهوات واتباع الهوى – وهو الشاهد – فقد يقع المرء في الفحشاء واتباع الشهوات لأنه ضيع الصلاة فهي تنهى عن الفحشاء والمنكر، قال تعالى {فَخَلَفَ منْ بَعْدهمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلَاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَات} (مريم: 59).
يقول ابن عباس رضي الله عنه في قوله تعالى: (أَضَاعُوا الصَّلَاةَ) ليس معنى أضاعوا الصلاة أنهم تركوها بالكلية ولكنهم كانوا يؤخرونها عن وقتها ويجمعونها من غير عذر، ويقول المفسرون: الغي: نهر في جهنم بعيدٌ قعره، خبيثٌ طعمه، وقيل: وادٍ في جهنم يسيل قيحاً، ويومئذ يُسأل المجرمون: ما سلككم في سقر؟ فيجيبون: لم نك من المصلين.
المصدر: “علامات أون لاين”.