تحدثنا في مقالات سابقة عن الإيثار وحب الخير للغير، وكيف أن ديننا الإسلامي الحنيف رغب في فضيلة الإيثار والعطاء، وحث على السعي في قضاء حوائج الناس، للحصول على الثواب العظيم في الدنيا والآخرة، فما أجمل أن يتصف المرء والمجتمع بالإيثار والعطاء وحب الخير للآخرين، ولقد جاءت الآيات الكريمة في غير موضع من مواضع القرآن الكريم تحث على تلك الفضيلة العظيمة وترغب فيها، وكذلك أكدت عليها السُّنة النبوية المطهرة.
وقد ضرب أهل الكويت الكرام أروع الأمثلة في الإيثار وحب الخير للغير تطبيقاً لهذا الأمر الإلهي والتوجيه النبوي الكريم، وهذا ما سوف نستعرضه في ذكر هذه القصة الواقعية التي وردت في كتاب “محسنون من بلدي”، وهي سلسلة تشمل السير العطرة للمحسنين الكويتيين، الجزء الثاني إصدار بيت الزكاة، ص 23 – 35 (مستشار التحرير د. عبدالمحسن الجار الله الخرافي).
وفيها أن التاجر حسين بن علي بن سيف وشقيقه التاجر شملان رحمهما الله كانا يعملان في تجارة اللؤلؤ امتداداً لمهنة والدهما رحمه الله، وأصبحا من أكبر التجار في هذا المجال (طواويش).
وأما عن إيثار التاجر حسين بن علي آل سيف، ففي شتاء عام 1934م، أيام الضائقة المالية الشديدة في الكويت، بعد كساد تجارة اللؤلؤ، ذهب حسين بن علي آل سيف إلى بيت ابنه يوسف في فريج شملان بجوار مسجد القطامي لزيارته، وكان يوسف من تجار اللؤلؤ، فأعطى أباه مبلغاً من الروبيات الفضية، وضعها له في قطعة قماش (صرة).
وبينما هو عائد بصرة المال إلى بيته، وصل إلى ديوان يقع قبل بيته بقليل، وجد جاره وهو أحد نواخذة الغوص على اللؤلؤ جاساً أمام ديوانه، فسلم عليه فلم يرد السلام، ثم سلم عليه ثانية فتنبه فرد عليه السلام، وقال له: اعذرني يا أبا علي ما انتبهت إليك، أنا أفكر في هذا البيت الكبير (يقصد بيته وفيه عائلته الكبيرة، وهو معرض للبيع في حالته المالية الصعبة هذه) فما كان من المحسن حسين بن علي إلا أن قدم له “الصرة” التي في يده وألح عليه في قبولها حتى تسلمها منه.
ولما وصل إلى بيته وأخبر زوجته بالقصة، قالت له: حسناً فعلت، ولكن كان يجب أن تعطيه نصف المبلغ وتبقي لنا النصف الآخر، نحن بحاجة، فقال لها: هو أحوج مني.
ومن الجدير بالذكر أيضاً أنهم كانوا يطلقون على التاجر حسين بن علي “إمعشي العوسج” (العوسج: شجيرات معروفة شائكة واسمها في اللغة العربية “القتاد” بفتح القاف والتاء)؛ لكرمه الشديد، حيث كان حسين بن علي يحب الخروج للبادية في فصل الربيع، حيث يخيم هناك مدة طويلة، للنزهة والصيد والقنص، وفي إحدى الليالي استيقظ مبكراً قبل الأذان الأول لصلاة الفجر بوقت طويل، وكان الجو غير صاف، فشاهد سواداً ظنه ضيوفاً نزلوا تلك الليلة قرب مخيمه ونصبوا أخبئتهم (البيوت المصنوعة من شعر الغنم “بيوت الشعر”)، فأيقظ رجاله وأمرهم بذبح الذبائح وعمل وجبة عشاء لهؤلاء الضيوف، وبعد أن انتهوا من إعداد الطعام ذهبوا به حيث أشار، وإذا بهم لا يجدون إلا شجيرات العوسج، ولهذا السبب أطلق عليه – رحمه الله – لقب “إمعشي العوسج”.
ولقد ضرب لنا هذا الجيل الفريد من أهل الكويت الكرام المثل والقدوة الحسنة في العطاء والبذل والسخاء والإيثار، وحب الخير للغير، وتقديم المعونة لكل محتاج.