إن الإعلام يعتبر هو عين الشعب على وضعهم ودولتهم، وهذه العين لا ترى إلا ما يُسمح لها أن تراه، فقد تعيش في حرب وهمية غير موجودة على أرض الواقع، وقد يُصور لها أن الأمور مستتبة والحرائق مشتعلة بجوارها وهي لا تشعر بذلك.
ولهذا نرى أنه قد فشل إعلام “الربيع العربي” فشلاً ذريعًا في المحافظة على المكتسبات التي حصل عليها بعد ثورتي تونس ومصر؛ حيث لم يحاصر الإعلام المضاد، بل ترك له المساحة والحرية الكاملة لزعزعة نفوس الشعب، وخلخلة ثقتها في مفرزات الثورة، بل والتشكيك في جدواها، والذي عمل على إعادة تدوير الرموز القديمة، وإلباسها ثياب الثورة، وأعاد تقديمها للشعب من جديد.
ولم يستطع هذا الإعلام الوصول إلى جميع شرائح المجتمع، وانشغل بالدفاع عن نفسه من خلال الرد على القضايا والمشكلات التي كان يثيرها الإعلام المضاد، وليته نجح.
لقد اهتم بالصراعات الحزبية والسياسية والأيديولوجية، وهي قضايا قد لا تشغل بال الكثير من الشعب الذي لا يهمه إلا تأمين لقمة عيشه.
لقد ظنّوا أن الدنيا كلها سياسة ودين، فكانت قنواتهم إما برامج دينية أو سياسية.
أين الكارتون للأطفال؟ أين المطبخ للمرأة؟ أين الأفلام والمسلسلات الفنية الهادفة؟
لقد غزت أمريكا العالم بتوم وجيري قبل أن تغزوه بسلاحها، وما زالت هوليوود ترسم صورة لأمريكا على أنها منقذة البشرية، ورجالها أبطال العالم الخارقون.
واليابان غزت العالم بأفلامها الكارتونية، والهند تسير في هذا المضمار الآن.
ثم إن أصحاب المصالح والأموال في الدول التي قامت بها ثورات “الربيع العربي” أنشؤوا مئات القنوات.. قنوات أفلام.. قنوات أطفال.. برامج “توك شو”.. بينما قام من يحسبون على الثورة على إنشاء قنوات أظهرت قلة خبرة القائمين عليها في مقابل إعلام يقوم عليه محترفون لديهم الخبرة الواسعة في هذا المضمار.
ولم ينفق الثوار على إعلامهم بالقدر الذي يجذب العوام والبسطاء، في مقابل الإبهار العيني الذي مارسه الإعلام المضاد، والذي تم إنفاق المليارات عليه والإعلام صناعة ثقيلة تحتاج إلى الموارد الضخمة والاحتراف والمهنية.. إلخ.
ولقد حدث تحالف بين أصحاب الإمبراطوريات الاقتصادية الضخمة المرتبطة بالنظام القديم وكثير من الإعلاميين الذين قاموا بعملية غسيل مخ للشعب، ونجحوا في ذلك نجاحًا ساحقًا.
لقد أثبت أصحاب الإعلام المضاد أنهم يفهمون نفسيات الشعوب، وأنهم يستطيعون التوجيه وتكوين الرأي العام لأهدافهم.
والعجيب أن الإعلام المضاد قد سار على نهج “بروتوكولات حكماء صهيون” في الاستفادة من الإعلام إلى أبعد مدى.
وسأتركك – أيها القارئ الكريم – مع هذه النصوص دون تدخل مني لترى إلى أي مدى فشلنا ونجح غيرنا.
البروتوكول الثاني عشر: “ما الدور الذي تمارسه الصحافة (الإعلام) في الوقت الحاضر؟ إنها تقوم بتهييج العواطف الجياشة في الناس، وأحيانًا بإثارة المجادلات الحزبية الأنانية التي ربما تكون ضرورية لمقصدنا، وما أكثر ما تكون فارغة ظالمة زائفة، ومعظم الناس لا يدركون أغراضها الدقيقة أقلّ إدراك.
غير أني سأسألكم توجيه عقولكم إلى أنه ستكون بين النشرات الهجومية نشرات نصدرها نحن لهذا الغرض، ولكنها لا تهاجم إلا النقط التي نعتزم تغييرها في سياستنا.
حينما نصل إلى السلطة ستنضم هذه الوكالات (وكالات الأنباء) جميعًا إلينا، ولن تنشر إلا ما نختار نحن التصريح به من الأخبار.
إذا كنّا قد توصلنا في الأحوال الحاضرة إلى الظفر بإدارة المجتمع الأممي (غير اليهودي) إلى حد أنه يرى أمور العالم خلال المناظير الملونة التي وضعناها فوق أعينه.
الأدب والصحافة (الإعلام) هما أعظم قوتين تعليميتين خطيرتين، ولهذا السبب ستشتري حكومتنا العدد الأكبر من الدوريات.
إن الصحف الدورية التي ننشرها ستظهر كأنها معارضة لنظراتنا وآرائنا، فتوحي بذلك الثقة إلى القراء، وتعرض منظرًا جذابًا لأعدائنا الذين لا يرتابون فينا، وسيقعون لذلك في شَرَكنا، وسيكونون مجردين من القوة.
وفي الصف الأول سنضع الصحافة الرسمية، وستكون دائمًا يقظة للدفاع عن مصالحنا، ولذلك سيكون نفوذها على الشعب ضعيفًا نسبيًّا.
وفي الصف الثاني سنضع الصحافة شبه الرسمية Semi Official التي سيكون واجبها استمالة المحايد وفاتر الهمة.
وفي الصف الثالث سنضع الصحافة التي تتضمن معارضتنا، والتي ستظهر في إحدى طبعاتها مخاصمة لنا، وسيتخذ أعداؤنا الحقيقيون هذه المعارضة معتمدًا لهم، وسيتركون لنا أن نكشف أوراقهم بذلك؟.
البروتوكول الثالث عشر: “إن أولئك الذين قد نستخدمهم في صحافتنا من الأمميين سيناقشون بإيعازات منا حقائق لن يكون من المرغوب فيه أن نشير إليها بخاصة في جريدتنا Gazette الرسمية، وحينئذ ستحول الصحافة نظر الجمهور بعيدًا بمشكلات جديدة، وسيسرع المغامرون السياسيون الأغبياء إلى مناقشة المشكلات الجديدة، ومثلهم الرعاع الذين لا يفهمون في أيامنا هذه حتى ما يتشدقون به.
لكي نذهل الناس المضعضعين عن مناقشة المسائل السياسية نمدهم بمشكلات جديدة، أي: بمشكلات الصناعة والتجارة، ولنتركهم يثورون على هذه المسائل كما يشتهون.
وسرعان ما سنبدأ الإعلان في الصحف (الإعلام) داعين الناس إلى الدخول في مباريات شتى في كل أنواع المشروعات: كالفن والرياضة وما إليهما. هذه المتع الجديدة ستلهي ذهن الشعب حتمًا عن المسائل التي سنختلف فيها معه.
وهذه الخطوط سنقدمها متوسلين بتسخير آلاتنا وحدها من أمثال الأشخاص الذين لا يستطاع الشك في تحالفهم معنا، إن دور المثاليين المتحررين سينتهي حالما يعترف بحكومتنا، وسيؤدون لنا خدمة طيبة حتى يحين ذلك الوقت.
ولهذا السبب سنحاول أن نوجه العقل العام نحو كل نوع من النظريات المبهرجة fantastic التي يمكن أن تبدو تقدمية أو تحررية… ولا يوجد عقل واحد بين الأمميين يستطيع أن يلاحظ أنه في كل حالة وراء كلمة “التقدم” يختفي ضلال وزيغ عن الحق” .
وهذان البروتوكلان يوضحان ويفسران كثيرًا مما نحياه في عالمنا العربي والإسلامي الذي يعاني أشد المعاناة تحت وطأة التقدم والتحديث والتنوير.
فالمعاناة من الإعلام والذين يسمون بالمثقفين والنخبة شديدة. وأصبح القصف الإعلامي أشد من القصف بالقنابل.
ومن لا يملك الإعلام القوي يخسر في منازلاته مع خصومه، ويمكن القول: إن من لا إعلام له كساعٍ إلى الهيجا بغير سلاح.
المصدر: “إسلام أون لاين”.