الثقة في أبسط معانيها هي الائتمان، فيقال وثق بفلان: ائتمنه وصدّقه، فهو واثق به، وعلى ذلك فالثقة هي نتاج عدة صفات مجتمعة لا بد أن يتحلى بها الفرد ولا سيما التاجر ليكون محل ثقة من الناس، ومن أهم تلك الصفات التي يجب أن تتوافر في التاجر لكي يكون موضع ثقة من جميع من يتعاملون معه: الأمانة والصدق، والسمعة الحسنة والالتزام بالمواعيد والعهود، ويأتي حسن الخلق وحب الخير للآخرين ليتوجا هذه الصفات ويكملاها، وإذا كانت الثقة والسمعة الحسنة مطلبين عامين لكل مسلم، فإن الحاجة إليهما أشد وأكثر إلحاحاً عند التاجر المسلم.
وقد ضرب أهل الكويت الكرام أمثلة رائعة في الحرص على اكتساب ثقة من يتعاملون معهم والحفاظ على السمعة الحسنة في مجتمعهم التجاري، وهذا ما سوف نستعرضه في ذكر هذه القصة الواقعية التي رواها التاجر أحمد محمد البرجس عن والده برجس محمد البرجس، رحمه الله تعالى، والتي توضح حرص التاجر الكويتي على زرع مفهوم الثقة عند أبنائه وإرشادهم إلى أهميتها.
وخلاصة القصة كما يرويها التاجر أحمد محمد البرجس قائلاً: كان والدي التاجر برجس محمد البرجس، رحمه الله، تاجراً ميسور الحال، وكان رحمه الله يتمتع بالكثير من الصفات الحميدة ولله الحمد، وكان ذا مكانة بين أقرانه نظراً لأمانته وصدقه وشفافيته في التعامل، فاكتسب الوالد رحمه الله الثقة والسمعة الحسنة من الجميع.
وقد كان الوالد رحمه الله مثلي الأعلى في العمل التجاري، ولما أردت أن أستقل بعملي الخاص، وأن أخوض التجربة معتمداً على نفسي، استأجرت محلاً بالسوق، وذهبت لوالدي رحمه الله في منزل الأسرة وأبلغته بأنني أريد أن أعمل بالتجارة، وأني استأجرت محلاً في السوق، وطلبت منه العون والنصيحة لتكون بدايتي موفقة، وتكون لي نفس السمعة الطيبة لوالدي في مجال التجارة.
كنت أتحدث مع الوالد رحمه الله ونحن في فناء المنزل، فأمرني والدي بإحضار كأس ماء فذهبت على الفور لأحضر له كأس ماء، وبعدما شرب تعمد رحمه الله أن يترك الكأس لتقع على الأرض وتنكسر، وأنا أشاهد هذا الموقف الغريب من الوالد رحمه الله، ولا أدري لماذا ترك الكـأس لتقع وتنكسر على الأرض، ولكنه لم يترك لي الفرصة للتفكير كثيراً، فطلب مني أن أجمع الكأس وأن أعيدها سليماً كما كانت! فقلت للوالد: مستحيل أن أعيدها يا والدي وقد تهشمت.
فتبسم الوالد كأنه يريد أن يوصل رسالة ما من ذلك الفعل، وأردف قائلاً: هذه هي سمعة التاجر يا بني، إذا انكسرت لا شيء يعوضها، فكان لهذا الموقف أثره الكبير في نفسي، وتعلمت منه الكثير من الدروس والعبر، وجعلت أتذكره طوال حياتي التجارية، وضعته نبراساً أمام عيني، أكرر كلماته وأرويه لكل الأبناء والأصدقاء وكل من يريد أن يدخل في مجال التجارة وأن يتخذها مهنة له.
وهكذا قدم التاجر محمد البرجس، رحمه الله، درساً تربوياً رائعاً، فمن خلال هذا الموقف استطاع أن يرسل رسالة مهمة لكل من يريد أن يعمل بمجال التجارة أن يكون هدفه الأول الحفاظ على سمعته، وأن يكسب ثقة الناس جميعاً ويحافظ عليها؛ لأن ثقة الناس بالتاجر إذا اهتزت سيكون من الصعب بل قد يكون من المستحيل إعادتها مرة أخرى، وهكذا كانت حال آبائنا من أهل الكويت الكرام، كانوا حريصين على غرس الثقة بينهم وبين من يتعاملون معه، حتى أصبحت السمعة الحسنة والمحافظة عليها واحدة من سمات التاجر الكويتي.
رحم الله الجميع رحمة واسعة وأسكنهم فسيح جناته.