إن مفهوم أهل الذكر الوارد في القرآن الكريم في قوله تعالى ﴿فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ﴾ (النحل: 43)، لا يقتصر فقط على المرجعية الدينية التي أمر الله سبحانه وتعالى بها في شؤون الدين، بل ينبغي فهمها بشكل عام لتشمل جميع مناحي الحياة حين يكون تقدير التخصص واحترام رأي المتخصصين هو المرجعية الحاسمة في مجالها.
فالطبيب هو صاحب الرأي الحاسم في تطبيب المرض، والقاضي هو صاحب الرأي الحاكم فيما اختلف فيه الخصوم، والمهندس المدني هو صاحب الرأي المطاع في شؤون البناء والإنشاء.. إلخ، وهكذا يحسم الرأي صاحبه ويكون هو المقصود بأهل الذكر في مجاله، ولعل ما يسعف هذا الفهم هو القاعدة الأصولية أن خصوص السبب لا يمنع عموم الحكم.
أما الموقف الذي نعرضه في هذا السياق فهو موقف حاسم حسم فيه كل من التاجر حمد الصالح الحميضي، والشيخ أحمد الخميس موقفاً تجارياً يعتبر وأمثاله دستوراً أشبه بأحد أحكام التمييز في يومنا هذا والتي تؤصل لسوابق قانونية يقيس عليها القضاة أحكامهم.
تبدأ القصة حين كان الإخوة يعملون بجد واستقامة في مجال قطع السيارات، ويتعاملون بكل ثقة مع التجار المتعاملين معهم بحيث يتساهلون في تسليمهم البضائع من قطع الغيار وبكميات كبيرة بسعر الجملة بحيث يبيعونها بالسعر المناسب بالسعر المفرق الذي يجنون من خلاله الربح المناسب والمقبول في مجاله ثم يستوفون حقهم من هؤلاء التجار على سعة من الأمر.
غير أن أحد الذي تعاملوا معهم استغل طيبتهم وأنكر ما عليه من فواتير عدى “كماشة” لا يعدو سعرها الثمين الزهيد!
وليته لم يفعل لأنه اختزل البضائع التي تفوق قيمتها 20 ألف روبية – وكان ذلك يعتبر آنذاك مبلغاً كبيراً من المال – في كماشة الأمر الذي يبعث على السخرية والتندر.
فما كان من أحد الإخوة وهو العم “بو أحمد” إلا أن يشتكيه لدى القضاء بعد أن نفد صبره وطال انتظاره فطلب الشاري المماطل في الدفع من القاضي الشيخ أحمد الخميس أن يحيله إلى لجان التحكيم التجاري، فهي المتخصصة باعتبارها تتكون من ثلاثة أشخاص في العادة، ويكونون من ذوي الخبرة والباع الطويل في العمل التجاري وممارسته، وبالتالي يمثلون لجنة التحكيم التجاري بين المتخاصمين في المسائل التجارية، وذلك باعتبار أن القاضي لا خبرة له في المسائل التجارية بحكم طبيعة عمله وارتباطاته.
فأحالهما القاضي الشيخ أحمد الخميس على لجنة التحكيم التجاري وهي مكونة من ثلاثة من تجار الكويت المشهود لهم بالنزاهة والاستقامة والخبرة التجارية فضلاً عن الحضور الاجتماعي ومعرفة شرائح المجتمع؛ وهم حمد عبدالمحسن المشاري رحمه الله، ومشعان خضير المشعان رحمه الله، وسيد علي سيد سليمان الرفاعي رحمه الله.
ورغم أن الشاري المماطل في الدفع هو الذي طلب من القاضي الشيخ أحمد الخميس إحالته إلى لجنة التحكيم، مؤكداً “أنني لا أريد سواهم حكماً”، لكنه سرعان ما غير رأيه قائلاً: أرجو إحالتنا إلى تجار متخصصين في مجال قطع غيار السيارات باعتبار أن المسألة مختصة بقطع الغيار، وفعلاً كان له ذلك، وأطال القاضي الشيخ أحمد الخميس نفسه معه ليصل معه إلى آخر المشوار ساعياً إلى الحق أينما كان، وليكون الرأي الذي يتم اتخاذه صحيحاً ولا سبيل لأحدٍ إلى التشكيك فيه، وهذا ما يقابل في أيامنا هذه إدارة الخبراء حيث تتوافر الخبرة في المجال التجاري (المحاسبي)، والمجال الهندسي من أجل الإفادة الفنية لهيئة المحكمة فيستنير بها القاضي ويطمئن إلى حكمه بالعدل.
يستكمل في المقال القادم بإذن الله.
WWW.ajkharafi.com