بنصف تفاؤل، تابع أهل غزة المحاصرة أنباء توجه قيادة “حماس” إلى القاهرة للقاء القيادة المصرية لمتابعة ما اتفق عليه في الزيارة الماضية في يونيو الماضي ولم يطبق منه الكثير.
وتقف على أجندة لقاءات “حماس” بالقاهرة ملفات أهمها تخفيف الحصار المطبق على غزة، والحديث عن المصالحة والأمن على الحدود، فيما يرجح مراقبون أن يجري الحديث عن جنود الاحتلال الأسرى لدى المقاومة.
وكانت “حماس” أعلنت قبل يومين عن توجه وفد رفيع بقيادة إسماعيل هنية رئيس المكتب السياسي لـ”حماس” إلى القاهرة فيما من المرتقب أن تصل شخصيات قيادية أخرى في “حماس” من الخارج.
وأسفرت تفاهمات “حماس” المبدئية مع القاهرة في يونيو الماضي عن إمداد غزة بكمية متقطعة من الوقود المصري والكهرباء، فيما لم يشهد معبر رفح حرية أكبر حسب التوقعات رغم التزام “حماس” الكامل بما جرى الحديث عنه.
وترغب “حماس” في تخفيف واقع غزة المحاصرة بعد قرارات عباس رئيس السلطة الفلسطينية التي أغرقتها في مزيد من الأزمات، فيما ترغب مصر أن تعود لكامل قوتها في ملف غزة لكن دورها مرتبط بمواقف إقليمية يؤثر فيها الاحتلال الصهيوني والولايات المتحدة.
ملفات الزيارة
قطار العلاقة بين القاهرة و”حماس” انطلق منذ شهور، وعليه فإن المرجح أن تتكرر اللقاءات حول ملف غزة الذي يؤثر فيه عدة أطراف؛ خاصةً إذا ما استحضرنا أن المطلوب برغبة صهيونية وأمريكية كان دوماً تصفية المقاومة.
وكانت قيادة “حماس” اتفقت في الزيارة الماضية مع القاهرة على إعادة فتح معبر رفح بعيد عيد الأضحى، وإدخال الوقود وتسهيل الحركة، والتنقل عبر المعبر مع السماح ضمناً للقيادي في فتح محمد دحلان استعادة دوره بما يخدم تخفيف حصار غزة.
ويؤكد د. هشام المغاري، الخبير الأمني، لمراسل “المركز الفلسطيني للإعلام” أن ما رشح من معلومات يؤكد أن الزيارة تأتي لمناقشة تفصيلات تفاهمات الزيارة الماضية التي قادها قائد “حماس” في غزة يحيى السنوار وهي تتوّج الآن بحضور هنيّة.
ويضيف: “تكتسب الزيارة الحالية أهمية من ناحية التوقيت الذي اشتد فيه الحصار أكثر، وزاد ضغط عباس على الناس في غزة، لكنني ألحظ أهمية في حضور قيادة “حماس” في الخارج للقاء، ما يدلل على وجود إجماع وحرص كبير على إنجاز شيء”.
وبعيداً عن الإغراق في التفاؤل بتطبيق عاجل لما يجري الاتفاق عليه، يرجح الخبير المغاري أن تتحرك العجلة قليلاً للأمام في العلاقة الدبلوماسية بين “حماس” والقاهرة.
“حماس” لم تدفع بوفد رفيع من قيادتها في الداخل والخارج للقاهرة هذه المرة إلا للتأكيد على دور مصر الإقليمي وخاصّة في الملف الفلسطيني في إطار تواصل مرحلة تمتين العلاقة بين “حماس” والقاهرة.
ويرى مصطفى الصوّاف المحلل السياسي، أن اللقاء مهم لكل من “حماس” ومصر، فـ”حماس” تريد من القاهرة تخفيف الحصار، إذا ما استحضرنا ديكتاتورية الجغرافيا وإقامة حركة تجارية تستفيد منها غزة ومصر.
ويتابع لمراسلنا: “حماس” تدرك أن هناك ملفات مثل المصالحة، وصفقة الأسرى، ومعبر رفح، لا تتم إلا عبر القاهرة؛ لذا على “حماس” إعادة ترتيب أولوياتها مع مصر، لكن هناك ملفات متجددة تتعلق بالأمن وإذابة الجليد المتراكم في العلاقة بينهما من سنوات.
تفاؤل منقوص
الخطاب الإعلامي والسياسي ضخّم كثيرًا سقف التوقعات بعد لقاء قيادة “حماس” في القاهرة قبل أسابيع، وعاش الناس على أمل انفراجة كبيرة، في حين أن الواقع السياسي وارتباط موقف مصر بالسياسة الإقليمية لا يدفع بكثير من التفاؤل.
ويدعو د. هشام المغاري الخبير الأمني، الفلسطينيين ليكونوا أكثر واقعية وعدم رفع سقف التوقعات، لأن كل شيء ممكن في السياسة، والمطلوب حالياً هو قضم قطعة من جدار الحصار، وكل خطوة في ذلك تكون إيجابية مستقبلاً.
المعادلة المصرية تجاه غزة تتدخل فيها عوامل كثيرة ومتغيرة، ومصر حسب توقعات المراقبين للمشهد، لن تعطي غزة كل ما تريد، لأن الكيان الصهيوني والولايات المتحدة الأمريكية حاضرتان بقوة في المنطقة.
التحلي بالفهم لابد أن يصل للجمهور عبر خطاب قيادة المقاومة وفصائل العمل السياسي للناس في غزة، خاصّة إذا انتبهنا حسب إشارة الخبير المغاري، إلى خلل القوى والتغييرات الإقليمية المنعكسة على غزة.
عباس ودحلان
وعلى رقعة غزة الصغيرة يحاول محمد دحلان القيادي المفصول من رئيس السلطة محمود عباس العودة بوسائل متباينة؛ فالأول يتمتع بدعم مصري وعلاقات إقليمية، والثاني يجاهد للعودة فوق ظهر دبابة، ويشدد الخناق على غزة.
الاثنان تقاطعا مع “حماس” في غزة، لكن تأثيرهما يراوح بين المحدود والسيئ؛ لأنها في نهاية المطاف مرتبطان بأجندة تخالف أجندة المقاومة بقيادة “حماس” في غزة.
ويقول الخبير المغاري: إن دحلان لاعب له وزن وجمهور على صعيد فتح في غزة والضفة، وإن “حماس” لن تقفل الباب مع دحلان طالما له وزن سياسي.
ونجحت لجنة التكافل والمصالحة المجتمعية بمشاركة عدد من الفصائل الفلسطينية من البدء في حل وتخفيف بعض الأزمات على رأسها ملف ضحايا الاقتتال عام (2007) وتوفير بعض المساعدات للأسر الفقيرة.
ولا يحصر مصطفى الصواف المحلل السياسي تخفيف الحصار بدور دحلان حين يتابع: “القضية ليست أن تلتقي “حماس” بدحلان أو مساعديه؛ فـ”حماس” تدرك ماذا يريد دحلان وماذا تريد مصر” .
وحاول كل من دحلان، وعباس قطع الطريق على عودة دفء العلاقة بين “حماس” والقاهرة؛ لكن القيادة المصرية أدركت أن “حماس” لاعب أساسي في المنطقة لا يمكن تجاهله، لذا حاولت الوقوف على مسافة معتدلة بين الاثنين مع رجوح كفّة الميزان نحو دحلان مؤخرًا.