على مر تاريخ الصراع بين الغرب الاستعماري، وبين الشرق الإسلامي، كانت القدس رمز الصراع، وبوابة الانتصار.. وفي كل مراحل هذا الصراع، تشابكت العلاقات بين “المصالح” وبين “العقائد.. والأيديولوجيات”.
وإذا كان القرآن الكريم قد جعل الرباط بين المسجد الأقصى والمسجد الحرام آية من آيات الله.. فكان تحرير القدس وفلسطين دينًا وجهادًا يحقق المصالح لكل أصحاب الديانات والمقدسات.. فلقد كانت الأساطير الصليبية والصهيونية العقيدة القتالية للغزو.. ولإعادة اختطاف الشرق من التحرير الذي أنجزه الإسلام.. ولكشف هذا الصراع، وحتى لا نفرط في سلاح الجهاد وطاقاته ـ بينما يتسلح الأعداء حتى بالأساطير ـ كان هذا الكتاب “في فقه الصراع على القدس وفلسطين”، لمؤلفه المفكر الإسلامي د. محمد عمارة، ليقدم الفقه والوعي بأبعاد هذا الصراع.
تغريب
والكتاب صادر عن دار الشروق المصرية في 180 صفحة من القطع المتوسط، ويوضح فيه د. عمارة أنه وإبان الحرب العالمية الثانية (1939 – 1945) أطلق الاستعمار على الوطن العربي اسم “الشرق الأوسط” وذلك ليفرغ هذا الوطن من هويته “العربية – الإسلامية”، وليصبح مجرد “جغرافيا” قابلة للإلحاق بالمركز الغربي، وليفتح الباب الثقافي لصبغ هذه “الجغرافيا” بالصبغة الثقافية التغريبية التي يريدها الاستعمار.
وقد ابتلعت كثير من دوائر السياسة والفكر والإعلام في وطن العروبة وعالم الإسلام ـ بسبب الغفلة والجهالة ـ هذه التسمية التي تكرِّس معاني التبيعة، ومحو الهوية، والإلحاق.. فلما حدثت نكبة الاغتصاب الصليبي الصهيوني لفلسطين عقب الحرب العالمية الثانية، ذاع وشاع التعبير عن هذه القضية باسم “مشكلة الشرق الأوسط”، وذلك بدلاً من اسم “الصراع العربي الصهيوني”.. وذلك مرة أخرى لتكريس محو الهوية المميزة لهذا الصراع.
جذور الصراع
وتابع د. عمارة أنه ومع شيوع مصطلح “الشرق الأوسط” كانت هناك محاولات لطمس جذور هذا الصراع الذي يدور على القدس وفلسطين، كمركز للصراع الإمبريالي الغربي – التاريخي ضد الشرق الإسلامي.. حتى لقد أصبح كثيرون يظنون أن تاريخ هذا الصراع قد بدأ مع قيام الكيان الصهيوني في فلسطين سنة 1948م، أو أن تاريخه لا يعدو “وعد بلفور” سنة 1917م، أو أن جذوره لا تتجاوز المؤتمر الصهيوني الأول الذي عقد في مدينة “بال” السويسرية سنة 1897م.. كل ذلك لتسطيح القضية، وإخفاء جذورها العميقة والدفينة.. وقبل كل ذلك لمحو هوية هذا الصراع التاريخي وطمس الأبعاد الفكرية والعقدية “الأيديولوجية” والدينية التي غذته، وتغذت عليه عبر قرون طوال.. ولتصويره على أنه مجرد “حاجز نفسي” حديث النشأة تزيله وتبدده هذه التسويات.. بينما حقيقة الصراع تعود إلى ما قبل ذلك بكثير.. والتي كشف عنها القائد العسكري الإنجليزي “جلوب باشا” عندما كشف عن تاريخ هذا الصراع بعبارته التي توقظ النيام والغافلين ـ بل والسكارى ـ والتي قال فيها: “إن تاريخ مشكلة الشرق الأوسط إنما يعود إلى القرن السابع الميلادي”.. أي إلى تاريخ ظهور دعوة الإسلام!!
وأوضح المؤلف أن الصراع تواصل عبر العصور على مدينة القدس، حتى أنه عندما جاء القائد الفرنسي نابليون بونابرت إلى احتلال مصر لتحقيق الحلم الصليبي الغربي القديم “انتزاع القدس وفلسطين من أيدي الإسلام والمسلمين”، وحتى لا يكرر “بونابرت” أخطاء الغزوات الصليبية السابقة عندما فشلت في إيجاد ركائز وعملاء لاستعمارها من أبناء الأقليات الدينية في الشرق.. بدأ “بونابرت” أولى محاولات الغرب ـ العملية ـ لإقامة حلف وشراكة مع اليهود ضد العرب والمسلمين.. فأصدر نداءه الشهير ـ وهو على أسوار “عكا” في 4 أبريل 1799م ـ إلى يهود العالم، يدعوهم إلى التحالف مع غزوته الاستعمارية وإلى خدمة مقاصده الإمبراطورية، مقابل إعادة زرعهم في أرض فلسطين.. وقال في النداء: “أيها الشعب الفريد.. إن فرنسا تقدم لكم يدها الآن، حاملة إرث إسرائيل.. إن الجيش الذي أرسلتني العناية الإلهية به.. قد اختار القدس مقرًا لقيادته، وخلال بضعة أيام سينتقل إلى دمشق التي استهانت طويلاً بمدينة داود، وأذلتها!.. يا ورثة فلسطين الشرعيين! إن الأمة الفرنسية تدعوكم إلى إرثكم، بضمانها وتأييدها ضد كل الدخلاء”!
خطاب
وختم د. عمارة كتابه برسالة من الشيخ أحمد ياسين ـ رحمه الله ـ كان قد وجهها إلى قادة الدول العربية في إحدى القمم قال فيها: “أناشدكم أن تأخذ القمة بعين الاعتبار القضايا التالية التي تخدم القضية الفلسطينية:
أولا: أرض فلسطين أرض عربية – إسلامية، اغتصبت بقوة السلاح من قبل اليهود الصهاينة، ولن تعود إلا بقوة السلاح، وهي أرض وقف إسلامي لا يجوز التنازل عن شبر منها حتى إن كنا لا نملك الآن القوة اللازمة لتحريرها.
ثانيًا: الجهاد في فلسطين حق مشروع للشعب الفلسطيني، وهو فرض عين على كل مسلم ومسلمة وإن وصفه بالإرهاب من قبل أعداء الله لظلم عظيم يرفضه شعبنا في فلسطين، وترفضه كذلك شعوبنا العربية والإسلامية.
ثالثًا: إن شعبنا، وهو يخوض ببسالة معركة قد فرضت عليه، لهو جدير أن يلقى كل أشكال الدعم والتأييد من قادة الأمة، فهو بحاجة إلى الدعم الاقتصادي لتعزيز صموده، وقد دمر الصهاينة الأشرار كل أسباب الحياة والعيش الكريم لهذا الشعب المرابط ونهبوا خيراته.. وهو بحاجة أيضًا إلى الدعم العسكري والأمني والإعلامي والمعنوي والدبلوماسي، وغير ذلك من أشكال الدعم التي تعينه على مواصلة جهاده.
رابعًا: إننا نناشدكم أن توقفوا كل أشكال التطبيع مع هذا العدو، وأن تغلقوا سفاراته وقنصلياته ومكاتبه التجارية وأن تفعِّلوا المقاطعة العربية، وأن توقفوا الاتصال به والتعاون معه.
خامسًا: إن الأمة تملك من الإمكانات والطاقات والقدرات ما يجعلها قادرة على نصرة قضاياها القومية، ووضع حد لجرأة أعدائها عليها، وإني لأرى أنه قد آن لأمتنا أن تعمل بقول الله عز وجل: {وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعاً وَلا تَفَرَّقُوا}، لتصبح قوة في زمن التكتلات، {وَالَّذِينَ كَفَرُوا بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ إِلا تَفْعَلُوهُ تَكُنْ فِتْنَةٌ فِي الأَرْضِ وَفَسَادٌ كَبِيرٌ}..
سادسًا: إن المسجد الأقصى يناشدكم وقد أعد الصهاينة العدة لدك أركانه وهدم بنيانه، فمن له بعد الله إن لم تكونوا أنتم؟
المصدر: الوعي الشبابي.