عبّر سياسيون بوسنيون من الطوائف الثلاثة البوشناق، والصرب، والكروات، عن مواقف إنسانية حيال ما جرى في سريبرينتسا، في 11 يوليو 1995، وجدد مسؤولون غربيون من بينهم رئيس محكمة جرائم الحرب في لاهاي، تيودور ميرون، والسكرتير العام لحلف شمال الأطلسي، ستوتنبرغ، والمبعوث الأوروبي السامي إلى البوسنة، فريدريك مورغن، مواقف تدين مرتكبي المجزرة، ودعا الجميع لعدم نسيان ما جرى، والحيلولة دون تكراره في المستقبل.
تعايش مشترك
الرئيس البوسني، باكر علي عزت بيجوفيتش، أشار إلى أن الصرب والكروات عاشوا لمئات السنين مع بعضهم بعضاً، ويعيشون وسيعيشون في المستقبل مع بعضهم بعضاً، ولكن الوئام والسلام لا يسود إلا بالحقيقة، وتابع: إنكار المجزرة، والإشادة بمجرمي الحرب، لا يمكن أن يقود للحقيقة، وبالتالي الوئام والتسامح والسلام، وأردف: على السياسيين الصرب، أن يكفوا عن نفي حدوث مجزرة، والإساءة للضحايا، وأضاف: على السياسيين الصرب أن يدرسوا الرسالة الصحيحة التي يجب إرسالها للشباب وللأجيال الصاعدة لدعم واقع التعايش المشترك، من خلال الاعتراف بما وقع في سريبرينتسا، والاعتذار، والكشف عن أماكن المقابر الجماعية التي تحوي رفات الضحايا الذين لم يعثر عليهم حتى الآن، وإنصاف الضحايا.
موقف كرواتي
في سياق متصل، عبر عضو مجلس الرئاسة البوسني، دراغن تشوفيتش، على موقعه في “تويتر”، عن تضامنه مع ضحايا سريبرينتسا وعائلاتهم، وأكد حصول إبادة جماعية في سريبرينتسا، ونحن اليوم ندعو للعفو والتسامح، حتى باسم أولئك الذين لا يملكون الشجاعة للاعتراف بحصول الجريمة، وأشار تشوفيتش، إلى أن مكونات البوسني الإثنية في طريقها إلى العائلة الأوروبية بدون ضغائن وأحقاد، ولا يمكن ذلك بدون الاعتراف بالحقيقة والمصالحة، وكان الكروات قد أعلنوا أنهم لن ينظموا عملية وضع شاشات عملاقة لنقل مباراة كرواتيا وبريطانيا لتزامنها مع الذكرى 23 لمجزرة سريبرينتسا.
مشاركة صربية
كعادتها في كل سنة، شاركت منظمة “نساء باللباس الأسود” في إحياء ذكرى مجزرة سريبرينتسا، وقالت رئيسة المنظمة ستاشا زايوفيتش: إن صربيا هي الدولة الوحيدة في العالم التي لم تفعل شيئاً حيال الإبادة الجماعية في سريبرينتسا غير التخطيط لها وتنفيذها، ودعت الحكومة الصربية إلى احترام محكمة العدل الدولية، ومحكمة جرائم الحرب الدولية في لاهاي، من خلال التعاون الكامل معها، ومدها بأرشيف الحرب الذي في حوزتها، من أجل تجاوز الماضي الأليم، والنظر إلى المستقبل بدون أثقال الجرائم التي تنوء بها صربيا، وأشارت إلى أن بلجراد لم تعترف حتى الآن بالإبادة الجماعية، رغم تداول العديد من الحكومات على السلطة في بلجراد بعد الرئيس الأسبق سلوبودان ميلوسفيتش، الذي قضى منتحراً في زنزانته بمحكمة جرائم الحرب في لاهاي.
وقال زعيم “الحزب الليبرالي الديمقراطي” الصربي، تشيدومير يوفانوفيتش: شعبنا وأولئك الذين ينفون حصول الإبادة الجماعية، يعيشون معاناة يومية، وتابع أثناء حضوره مراسم إحياء دفن 35 ضحية من ضحايا الإبادة في سريبرينتسا: أتيت إلى هنا من أجل البوسنة، البوشناق هم شعبي، الأطفال وكل الناس، وهذه رسالتي التي أريد أن أرسلها من هنا، وأردف: البوشناق تعرضوا للإبادة في هذا المكان، وغدر بهم، قبل 23 سنة، وشعبي كل الذين ينكرون الإبادة يعانون يومياً.
منع تكرار الإبادة
تعهد الرئيس التركي رجب طيب أردوغان من جهته بالنضال من أجل منع تكرار جرائم في مناطق بالعالم مثل “مجزرة سربرنيتسا” بالبوسنة، وتابع: سنناضل معاً لمنع تكرار مثل هذه الجرائم ضد الإنسانية، وأضاف أردوغان أن مجزرة سربرنيتسا تعد واحدة من أبشع الجرائم التي حصلت وسط أوروبا، وأمام أنظار الأوروبيين، وترحم الرئيس التركي على أرواح البوسنيين الذين استشهدوا في تلك المجزرة.
ممنوع من النسيان
السكرتير العام لحلف شمال الأطلسي ذكر بأن الحلف سيظل في البوسنة والهرسك، وأن الوقت لم يحن بعد للخروج منها، نظراً لدوره في بناء الجيش والأمن البوسني، وكذلك في إلقاء القبض على بعض المتهمين بارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية في البوسنة.
من جهته، حمّل كبير قضاة محكمة جرائم الحرب في لاهاي تيوتور ميرون، المسؤولين المحليين والدوليين، مسؤولية إبقاء ذكرى سريبرينتسا حية في الأذهان، وحتى تبقى سريبرينتسا ممنوعة من النسيان، ومن أن يلفها الظلام، على حد تعبيره.
واعتبر ميرون أن الكثير من الثقافات تمثل الذكرى فيها نوعاً من العزاء عما فقدناه، وتذكرنا بأننا لا نزال على قيد الحياة، وتابع: وفي نفس تشعرنا بالعار لأننا لم نبذل ما في وسعنا لحدوث تلك المجزرة، ولم نعمل ما يمكننا فعله، للتعامل الأمثل مع تبعاتها، ولكن وكما يقول المثل إشعال شمعة أفضل من لعن الظلام، وأشاد ميرون بما وصفها المواقف النبيلة لأولئك الذين تجشموا عناء الحضور لمقبرة الشهداء في بلوتشاري بسريبرينتسا للمشاركة في الذكرى الـ23 للمجزرة الأكبر في أوروبا منذ الحرب العالمية الثانية.
وتعهد ميرون بكشف الحقيقة، وتتبع الجناة، وإرساء العدالة وإنصاف الضحايا.