حاضر ضاغط ومستقبل يحوطه القلق، هو ما ينتظر مصر بعد انتهاء التعامل مع صندوق النقد الدولي رسمياً مطلع العام المقبل مع صعوبة تجديد القرض لحظر ذلك في قوانين الصندوق، وذلك بحسب خبراء تحدثوا لـ”المجتمع”، يرون أن تطمينات السلطات المصرية للاستهلاك الإعلامي ولا علاقة لها بمفاهيم الاقتصاد.
تفاقم الأزمات
أوضح مصطفى عبدالسلام، الخبير الاقتصادي البارز، في تصريحات لـ”المجتمع”، أن الاقتصاد المصري واجه عدة تحديات في السنوات الأخيرة، من أبرزها التوسع المفرط في الاقتراض الخارجي والمحلي الذي زاد بمعدلات غير مسبوقة وزيادة عجز الموازنة العامة للدولة وتراجع إيرادات النقد الأجنبي خاصة من قطاعات حيوية مثل السياحة والاستثمارات الخارجية، إضافة لحالة ركود واضحة في الأسواق صاحبها قفزات في الأسعار ومعدل التضخم وإغلاق مئات المصانع.
وأضاف أن هذه التحديات زادت رغم تلقي الحكومة معونات ومنح ومساعدات نقدية ونفطية خليجية تجاوزت 50 مليار دولار حتى مارس 2015 وحتى مؤتمر شرم الشيخ الاقتصادي، كما تلقت مليارات الدولارات الأخرى من الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة وغيرها.
وأشار عبدالسلام إلى أن صندوق النقد الدولي حضر في مصر في محاولة حكومية لمواجهة هذه التحديات، حيث لجأت الحكومة للاقتراض الخارجي حتى زاد الدين الخارجي إلى نحو 100 مليار دولار حالياً مقابل 45 مليار دولار عام 2012، منها 12 مليار دولار من صندوق النقد الدولي، كما قامت بخفض الدعم الحكومي المقدم للوقود والكهرباء وزيادة الضرائب والرسوم الحكومية والجمارك ورفع أسعار المياه والخدمات الأساسية.
وتوقع الخبير الاقتصادي البارز إلى أنه إذا لم تنجح الحكومة في احتواء هذه المشكلات وزيادة موارد البلاد من النقد الأجنبي خاصة من قطاعات الصادرات وتحويلات العاملين في الخارج، فإنها ستتفاقم خاصة مع زيادة الالتزامات الخارجية والداخلية من أقساط وفوائد.
شهادة خراب
ويرى الكاتب الصحفي المتخصص في الشأن الاقتصادي إبراهيم الطاهر، أن صندوق النقد الدولي لم يمنح الحكومة المصرية شهادة ثقة كما تزعم، بل منحها حزمة قيود لتكبيل مصر بالديون ورهن بمستقبل الأجيال القادمة بقروض غير مسبوقة.
وأشار إلى أن القروض التي حصلت عليها مصر سواء من صندوق النقد الدولي أو المؤسسات المالية الأخرى لم يستفد منها الشعب المصري في شيء.
وأوضح الطاهر في تصريح خاص أن الإجراءات القاسية التي كانت شرطاً لتمرير تلك القروض لن تتوقف آثارها الاجتماعية والاقتصادية عند حد حصول مصر على الشريحة الأخيرة من قرض صندوق النقد الدولي البالغ قيمته 12 مليار دولار، بل ستمتد تلك الآثار إلى الأجيال القادمة.
وقال: إن الثمار المرة لقرض صندوق النقد الدولي ومنها تعويم الجنيه وما صاحبه من تراجع قيمته إلى أكثر من 100% ورفع الدعم عن الطاقة ومعظم السلع والخدمات التي تقدمها الدولة للمواطنين وما ترتب عليها من موجات تضخم غير مسبوقة لم تشهدها مصر منذ الحرب العالمية الثانية، ستلقي بظلال وخيمة على مستقبل الشعب في الفترة المقبلة.
وأعرب الطاهر عن أسفه لعدم امتلاك النظام الحالي لمصداقية أمام نفسه والشعب المصري، حيث روج لمؤشرات وهمية وفقاعات استثماراتية مرتبطة بقروض الصندوق الدولي ولكن الواقع أصدق أنباءا من مؤشراته المضللة.
وتابع: تتحدث الحكومة عن ارتفاع الاحتياطي النقدي، وهي تعلم أن احتياطي وهمي غالبيته قروض وودائع، وتتحدث أيضاً عن ارتفاع معدلات الاستثمارات الأجنبية والحقيقة أنها استثمارات في أدوات الدين الحكومية المعروفة اقتصادياً بالأموال الساخنة، وهذه الاستثمارات ضررها أكثر من نفعها.
ولفت الكاتب الصحفي المتخصص في الشأن الاقتصادي إلى تواتر الدراسات والتجارب المريرة لصندوق النقد الدولي على مستوى العالم، حيث كانت دائماً سياسات صندوق النقد الدولي والبنك الدولي ذريعة للتدخل في الشؤون الداخلية للدول النامية، حيث يتم التحايل بشتى الطرق لإيقاع هذه الدول في فخ المديونية الدولية من خلال إقناعها بضرورة القيام بالاستثمارات التي من شأنها أن تضع هذه البلاد على طريق التنمية الاقتصادية المستدامة، ولذلك لا يجب أن يستغرب المتابعون من الإشادات المتكررة والمضللة الصادرة من الصندوق الدولي بشأن مصر، فهي إشادات بالتنفيذ الكامل والخضوع منقطع النظير من النظام الحالي لإملاءات الصندوق التي وصلت إلى اطلاعه على موازنة مصر أكثر من مرة قبل اطلاع البرلمان الحالي عليها.
وتوقع الطاهر أن يزداد الوضع سوءاً على المستوى الاقتصادي، حال استمرار الحكومة في الاعتماد على القروض والضرائب كإيرادات أساسية للموازنة العامة للدولة وإهدار ثروات المصريين ومقدراتهم على مشاريع لا تعتمد على دراسات جدوى حقيقية.
ترقب رسمي
رسمياً، صرح وزير المالية المصري محمد معيط مؤخراً أنه لم يتم طلب تمويل إضافي من صندوق النقد الدولي لمصر، موضحاً أن الدفعة قبل الأخيرة من قرض الصندوق لمصر بقيمة ملياري دولار تصل نهاية شهر ديسمبر، من قرض قيمته الإجمالية 12 مليار دولار، ليتبقى لمصر دفعة أخيرة من قرض صندوق النقد الدولي، سيتم صرفها العام المقبل بقيمة ملياري دولار.
ورفعت السلطات المصرية أسعار الوقود والكهرباء في إطار الإصلاحات المتفق عليها مع الصندوق منذ أغسطس 2016، مما زاد من الصعوبات بحسب المراقبين التي يواجهها المواطن المصري لتلبية احتياجاته، ويترقب المصريون توابع رفع أسعار الوقود مرة أخرى العام المقبل الذي أعلن عنه دوائر حكومية أكثر من مرة.