“كل يبكي على ليلاه”، حيث تعددت الحملات في مصر في توقيت واحد، ولكن بأهداف متنافرة، تتصدرها تحركات لتعديل الدستور المصري بما يؤدي إلى زيادة الفترة الرئاسية للرئيس الحالي عبدالفتاح السيسي، في مواجهة حملات حقوقية تطالب بوقف الإعدامات المسيسة في مصر وإطلاق سراح الموقوفين.
الحقوق أولاً
وبالتزامن مع فعاليات اليوم العالمي لحقوق الإنسان دشنت “منظمة السلام الدولية لحماية حقوق الإنسان” (SPH)، حملة حقوقية تحت عنوان “ضد الظلم”، تسلط الضوء فيها على عدد من المعتقلين في مصر، من المدافعين عن حقوق الإنسان والمعارضين السياسيين من مختلف التوجهات، مؤكدة أن النظام المصري الحالي لا يفرق في القمع بين شرائح المجتمع المصري بتوجهاته المتنوعة.
وأعلنت المنظمة مشاركتها في فعاليات اليوم العالمي لحقوق الإنسان المقرر اليوم ما بين (روما – لندن – إسطنبول)، ومنها مظاهرة مناهضة للعنصرية بالعاصمة الإنجليزية لندن، ومعرض صور بالعاصمة الإيطالية روما، تحت عنوان “ضد الظلم”.
وفي سياق متصل، دشن حقوقيون وسياسيون حملة حقوقية تحت عنوان “أنقذوا 1300 خاشقجي في مصر” برعاية البرلمان المصري بالخارج وعدد من المنظمات الحقوقية والكيانات السياسية المصرية في الخارج، وذلك بهدف مناهضة أحكام الإعدام والتصفية الجسدية للمعارضين في مصر، وفق ما جاء في بيان التدشين الذي وصل “المجتمع”.
الحملة بدأت مطلع الأسبوع الجاري بالتدوين عبر الوسوم الرسمية للحملة وهي “مصر على مقصلة الإعدام”، و”أنقذوا 1300 خاشقجي في مصر”، و”أوقفوا الإعدامات في مصر”، وأكدت أهمية تضافر الجهود لوقف الإعدام السياسي في مصر، خاصة أن هناك 60 مصرياً صدر بحقهم قرارات نهائية بالإعدام، ينتظرون التنفيذ في أي لحظة.
من جانبه، أكد علاء عبدالمنصف، مدير منظمة السلام الدولية، في تصريح لـ”المجتمع” أن حملات الحقوقيين رسالة مهمة تضع الجميع أمام مسؤولياته في وجه نظام يهدر القانون والدستور، ويقدم العنف السلطوي على حقوق الإنسان في محاولة لقمع الجميع، وهو ما يزيد من الأزمة المستفحلة في مصر من يوليو 2013.
تحركات جديدة
وفي المقابل، تعددت إجراءات مؤيدين للنظام الحالي لتعديل الدستور المصري، ومد مدة الرئاسة للرئيس الحالي عبدالفتاح السيسي.
وكشف عمرو بدر، عضو مجلس نقابة الصحفيين المصريين، عن حملة لتعديل الدستور تتبنى استغلال المادة (138) من الدستور التي تجيز منح المواطنين حق تقديم طلبات للبرلمان تخص الشأن العام، موضحاً في تدوينة على صفحته الرسمية على موقع التواصل الاجتماعي “فيسبوك” أن “المضحك” أن أول استخدام للمادة سيكون في تقديم الحملة بطلبات للبرلمان عبر استمارات تجمعها تطلب فيها تعديل الدستور ذاته الذي أعطاها حق تقديم الطلبات!
وفي سياق متصل، حددت محكمة القاهرة للأمور المستعجلة جلسة 23 ديسمبر الحالي، للنظر في الدعوى التي أقامها عدد من المواطنين التي يطالبون فيها بالحكم بإلزام رئيس مجلس النواب بدعوة المجلس للانعقاد لتعديل نص المادة (140) من الدستور فيما تضمنته من عدم جواز إعادة انتخاب رئيس الجمهورية إلا لمرة واحدة لمدة 4 سنوات، وتعديل هذه الفقرة بما يسمح بإعادة انتخاب الرئيس لمدد مماثلة بموافقة شعبية عبر الاستفتاء.
وزعم مقيمو الدعوى، بحسب “وكالة أنباء الشرق الأوسط” الرسمية التي أبرزت الخبر، وبثته منصات حكومية ومقربة من السلطات باهتمام لافت، أن “الفقرة الموجودة في الدستور التي تنص على أنه لا يجوز إعادة انتخاب رئيس الجمهورية إلا لمرة واحدة، جاءت مجحفة بالشعب المصري العظيم، خاصة أن مدة الرئاسة لـ8 سنوات فقط فترة قليلة للغاية، نظراً لحجم المخاطر والتحديات والأضرار الاقتصادية والأمنية التي مرت بها البلاد”.
الأمر تجاوز الإجراءات، حيث أعلن البابا تواضروس الثاني، بابا الإسكندرية بطريرك الكرازة المرقسية، موافقة ضمنية على تعديل الدستور فيما يخص مدد الرئيس الحالي، وذلك في حوار مع الإعلامي عمرو عبدالحميد ببرنامج “رأي عام” على قناة “Ten”، مشيداً بفترة الرئيس الحالي وتقديره لها، ومؤكداً أنه لا يمانع في تعديل فترة الرئاسة بالدستور من 4 أعوام لـ6 أعوام متى اقتضت الحاجة.
يأتي ذلك مع تصريح سابق لرئيس مجلس النواب الحالي علي عبدالعال في العام 2017 أعلن فيه “أن هناك مواد في الدستور تحتاج لإعادة نظر لأنها غير منطقية، خاصة في أن الدستور وضع في حالة عدم استقرار، ويحتاج إلى إعادة نظر بعد استقرار الدولة”، لكنه تراجع عن تلك التصريحات بسبب انتقادات.
وكشف الكاتب الصحفي المصري البارز أنور الهواري، يوم الإثنين 10 ديسمبر على صحفته الرسمية على موقع التواصل الاجتماعي “فيسبوك” وجود “تخطيط لتعديلات دستورية تطلق سلطة الرئيس من كل القيود”، قائلاً: “الآن يخططون لتعديلات دستورية تطلق سلطة الرئيس من كل القيود، ليكون خديو أو سلطاناً أو ملكاً مطلقاً فوق الزمن، وفوق البلد، وفوق الشعب، وفوق القانون، وفوق العقل، وفوق المنطق”.
وسجل الهواري رفضه لموجة التحرك لتعديل الدستور، مؤكداً أن “مصر جمهورية دستورية، وليست خديوية ولا سلطنة ولا ملكيةً مطلقة، ولن تكون خديوية ولا سلطنة ولا ملكية مطلقة، تحت أي ظرف من الظروف، وقبل 100 عام كنّا نكافح من أجل دستور يقيد سلطة الخديو ثم السلطان ثم الملك”.
وقال وهو كاتب بارز له تقديره في أوساط حكومية ومعارضة بوضوح شديد: “نرفض هذه التعديلات التي تحول الجمهورية إلى خديوية أو سلطنة أو مملكة، التي تحول الحاكم من رئيس محدد الفترات والصلاحيات، إلى حاكم مطلق من كل الضوابط والقيود، ولن يسمح بها مصري، يعتز بكرامته، وكرامة وطنه، ويحرص على مستقبل الأبناء والأحفاد، وهذا إنذار أمين ومخلص وصادق ومبكر لكل من يعنيه الأمر، قبل فوات الأوان، البلد منهك ومتعب ومرهق ولا يحتمل هذه المغامرات الطائشة”، على حد تعبيره.