10 سجناء تحرروا من قضبان السجن المدني بقفصة (جنوب غربي تونس)، لبضع ساعات، لعرض مسرحيّة “رجة” بدار الثقافة بن خلدون، وسط العاصمة.
“رجة” كانت أول مشروع مسرحي لهؤلاء السجناء، يولد من العدم ليكبر، ويشارك في أكبر مهرجان للمسرح بتونس، “أيام قرطاج” في دورته العشرين، التي انتهت الأحد.
وتعالج المسرحية، بطريقة ساخرة، ظواهر الفساد المتفشي في قطاع الصحة، من خلال تجارة الأعضاء وفي قطاع المحاماة عبر الرشوة وتبرئة الفاسدين.
كما تناولت أصحاب الشهادات العاطلين عن العمل والذين أوصلهم اليأس وفقدان الأمل إلى التنازل عن قيمهم ومبادئهم والسقوط في وكر الفساد.
المسرحية غاصت في مكامن الصراع القائم بين ثنائية الحق والباطل والشر والخير التي يتحكم فيها ضمير كل إنسان.
وقدمت المسرحية نقدًا لاذعًا للأوضاع في البلاد وطرحت ما تعتبره أن كل شيء فيها لـ”البيع”، حيث يمكن بيع الشرف والضمير والوطن والحرية والميزان من أجل المال.
لكن نهاية المسرحية، أبرزت أن مآل الفساد العقاب والسجن، كما لفتت إلى أن التهميش والفقر والعنف يقود إلى الفساد، فـ”في وسط الطيبة تزرع بذرة الشوك”، حسب نص المسرحية.
وانتهت فصول المسرحية بمشهد وكلمات مؤثرة تعبيرًا عن حب تونس، رغم ما عاشه السجناء من صعاب.
تلك الكلمات قابلها الحضور بالتصفيق الحار، مما خلق تأثيرًا لدى السجناء الذّين تلألأت عيونهم ودمعت.
واعتمدت مسرحية “رجّة” على قوة المعنى والكلمات، التي أوصلها السجناء بطريقة ساخرة، لتعرية الواقع المعاش.
كما اعتمدت على الموسيقى الصاخبة والهادئة في الآن ذاته والحزينة والسعيدة أيضًا للتعبير أكثر عن مشاعر الممثلين.
واختتم مهرجان أيام قرطاج المسرحية، الأحد، بعد أن انطلق 8 ديسمبر ، بمشاركة 117 مسرحية من 39 دولة عربية وأجنبية.
ويأتي عرض مسرحية “رجة”، ضمن اتفاقية بين وزارتي العدل والشؤون الثقافية بهدف إعادة تأهيل السجناء وإدماجهم في الحياة الاجتماعية.
وشارك 40 سجينًا في هذا المهرجان بـ5 مسرحيات تحت شعار “للإصلاح نصيب”.
وتولى إخراج العمل وتدريب “السجناء الفنانين”، المسرحي الشاب الأسعد حمدة، وذلك من خلال نادي مسرح السجن بقفصة.
العرض، الذي كان أبطاله 10 سجناء، كتب نصه وصنع ديكوره السجين فاروق جلاد والذي جسد دور “محام فاسد ومرتش”.
كما كتب فاروق جلاد كتابًا بعنوان “خواطر سجين” والذي عرض للبيع عقب انتهاء المسرحية.
تجربة مميزة
وقال الأسعد حمدة، في كلمة على خشبة المسرح، إنّ “هذا العمل أخذ من جهد ووقت السجناء كثيرًا”.
وأضاف أنها تجربة مميزة وفريدة من نوعها من أجل إدماج السجناء في الحياة العامة.
وأشار إلى وجود الكثير من الفنانين المبدعين وراء القضبان والقادرين على تقديم أعمال فنية جيدة.
وشهد المهرجان 5 عروض مسرحية للسجناء، شملت “داموس 34” للسجن المدني بالهوارب من ولاية القيروان (وسط)، “ذئب الشمال” لمركز الأطفال الجانحين بسيدي الهاني من ولاية سوسة (شرق)، و”الدبو” لسجن برج الرومي ببنزرت و”البرباشة” بالسجن المدني بالمهدية (شرق).
حضور عائلات السجناء
ومنحت إدارة السجون والإصلاح شهادات لتحفيز “الفنانين السجناء” على الانخراط في العمل الثقافي والمسرحي بعد خروجهم من السجن.
وبحسب المتحدث باسم إدارة السجون والإصلاح سفيان مزغيش فإنّ إدارته “أذنت بمنح كل سجين مشارك 100 دينار (33 دولارًا)”.
وأضاف مزغيش، عقب العرض، أنّ إدارة السجون حرصت على حضور عائلات السجناء عروضهم ضمن سعيها لتقديم خدمات اجتماعية للسجناء والأسر.