منذ ساعات الفجر، يتوافد مئات الفلسطينيين الفقراء من سكان مدينة الخليل جنوبي الضفة الغربية، لتسلم وجبات إفطارهم اليومية من “التكية الإبراهيمية”.
وتتبع التكية الإبراهيمية وزارة الأوقاف الفلسطينية، ويعود تاريخ إنشائها إلى عهد الدولة الأيوبية، التي حكمت بلاد الشام في الفترة بين عامي 1174 و1250، ومنذ ذلك الحين تقدم وجباتها للفقراء طوال العام.
و”التكية الإبراهيمية” أسست إبان حكم الأيوبيين، إلا أن التكايا ازدهرت في ظل الحكم العثماني، حيث كانت وظائفها متعددة، من عقد حلقات ذكر، وإطعام فقراء وعابري سبيل، فيما تحولت وظيفتها في العصر الحديث لإطعام الفقراء، خاصة في شهر رمضان.
وتكتسب التكية شهرة محلية، ويعود اسمها نسبة إلى المسجد الإبراهيمي، المجاور لها في البلدة القديمة من مدينة الخليل، الذي يحمل اسم النبي إبراهيم الخليل، عليه السلام.
ويعتبر المسجد الإبراهيمي رابع أقدم مسجد على الأرض، بعد المسجد الحرام، والمسجد النبوي، والمسجد الأقصى، ويسيطر الاحتلال عليه وتشطره إلى قسمين، الأول خاص بالمسلمين بمساحة 45%، وقسم خاص باليهود بمساحة 55%، ويتم فتحه أمام المسلمين بشقيه 10 أيام في العام فقط.
وتعتبر الخليل التي يقطن فيها نحو 400 مستوطن، ويحرسهم 1500 جندي إسرائيلي، مدينة مقدسة عند اليهود، باعتبارها “مدينة الآباء والأجداد”، ويقدس اليهود ما يسمونها المغارة (المسجد)، ويعتبرونها “أقدم موقع يهودي في العالم”.
التكية رمز الخير
وقال مدير التكية لؤي الخطيب، لـ”الأناضول” على هامش يوم عمله المزدحم: التكية رمز للخير في مدينة الخليل منذ العهد الأيوبي، مرورا بالعهد العثماني، وحتى يومنا الحاضر.
وأوضح الخطيب، أن المبنى القديم لها يلاصق المسجد الإبراهيمي، وفي عام 1984 نقلت التكية إلى المبنى الحالي الذي يبعد عن المسجد بضعة أمتار فقط.
وفي عام 2017، أعادت وكالة التعاون والتنسيق التركية “تيكا” تأهيل المبنى، حيث خصصت قاعات لتوزيع الطعام، وتم توسعة المطبخ، بحسب الخطيب.
وأضاف: هناك اهتمام تركي بالتكية منذ زمن الدولة العثمانية، وحتى اليوم.
وبيّن الخطيب أنه في السابق كان للتكية مطحنة قمح، ومخبز، وكانت تقدم ثلاث وجبات طعام يوميا.
واستطرد: كانت تدق الطبول في اليوم ثلاث مرات لإعلام الفقراء بموعد تسلمهم وجباتهم من التكية.
وأشار إلى أن التكية تعمل على مدار العام، وفي رمضان تعمل بشكل مضاعف، وتقدم يوميا وجبات متنوعة، بتبرع من أهل خير.
وقال: كل من يقصد التكية يحصل على طعامه، وطعام أهل بيته.
ولدى الخطيب جدول بأسماء المتبرعين، وأنواع اللحوم وكمياتها، ويبيّن أنه منذ أول أيام شهر رمضان، يتسابق أهل الخير على تقديم تبرعاتهم لإطعام الفقراء.
ولفت إلى أن التكية تحافظ على النسيج الاجتماعي للعائلة الفلسطينية المستورة.
مقصد الفقراء
ويتجمع عشرات المحتاجين في ساحة خاصة أمام التكية، في انتظار الحصول على وجباتهم بحسب الدور.
ومن بين المنتظرين فتاة تدعى شيماء، تبلغ من العمر 11 عاماً، تقول لـ”الأناضول”، إنها تأتي يوميا لتسلم وجبات إفطار عائلتها المكونة من سبعة أفراد.
ولا تجد العائلة معيلا بعد وفاة رب الأسرة في حادث سير قبل نحو أربع سنوات.
وتشير الفتاة التي باتت خجلة، إلى أن والدتها تقوم ببعض الأعمال، لكن ما تجنيه لا يكفي احتياجات العائلة.
شيماء واحدة من مئات الفلسطينيين الذين يفطرون على وجبات تقدمها التكية الإبراهيمية.
وفي وعاء خاص، تحمل وجبة إفطار عائلتها المكونة من حساء ولحم وأرز، مبتسمة مسرعة.
وتقدم التكية وجبات إفطار لنحو 5 آلاف فلسطيني يوميا طوال شهر رمضان، بتبرع من أهل الخير.
ويعمل فيها ثمانية طهاة، إلى جانب عدد من المتطوعين لتوزيع الوجبات.