بينما تبحث الولايات المتحدة الأمريكية إعلان الإخوان المسلمين “جماعة إرهابية”، أدرجت الحكومة الأمريكية ما يسمى بـ”معبد الشيطان” في قائمة الديانات المعترف بها في الولايات المتحدة، ومنحت حكومتها جماعة “معبد الشيطان” صفة الكنيسة، وهي جماعة تنتشر في معظم الولايات، ولا يؤمن أنصارها بأي دين أو آلهة سوى الشيطان.
وبذلك باتت المنظمة التي تأسست قبل نحو ست سنوات، وتُعرف باسم ” The Satanic Temple”، ومقرها في ولاية ماساتشوستس، ولديها نحو 20 مكتباً في مختلف أنحاء البلاد وجماعات مرتبطة بها في كندا وأستراليا وألمانيا وبريطانيا، كنيسة معترف بها رسمياً وتحظى بإعفاء من الضرائب.
وهم يتخذون رمزاً دينياً يشبه كعبة من حديد عليها نجمة خماسية يهودية تعد أحد رموز الشيطان وخوذة عسكرية!
وكان مسؤولو “معبد الشيطان” يصفون أنفسهم بأنهم منظمة ليست ذات طابع ديني، بل مجموعة من النشطاء معنيون بقضايا اجتماعية وسياسية وينتقدون الروابط بين الحكومة والكنيسة المسيحية، ولكن “المعبد” استعان في هذه الأنشطة برموز شيطانية، ونُصب في مقر كنيسته تمثال متصور للشيطان، عبارة عن كائن مجنح لديه رأس ماعز، وجاء تصنيفه ككنيسه للشيطان، ليؤكد صفته المعادية للدين.
ويقول لوسين غريفز، أحد مؤسسي “المعبد”: إن ديانة الشيطان التي يؤمن بها أنصارها “لا تؤمن بأي آلهة ولا تقبل تفسيرات فوق الطبيعة للأحداث”، لكنهم يعملون من أجل الحرية الشخصية والاستقلالية وحرية الاعتقاد.
ويقسم عبدة الشيطان على الولاء للشيطان، حتى وإن كان البعض في كنيسة الشيطان يؤمنون بعدم وجود إله أو شيطان، وكذلك يؤمن أغلب أتباع كنيسة الشيطان أنه لا يوجد من يفديهم أو يفدي أي شخص آخر، فكل شخص مسؤول بصورة كاملة عن مسار حياته الخاصة.
ومع هذا يصلون إلى الشيطان في طقوسهم، طالبين أن تظهر يده المتسلطة في حياتهم!
وهذا النوع من التفكير يكشف تأثير الأكاذيب والخداع في فلسفتهم، فسواء كان عبدة الشيطان يؤمنون به أم لا ليس مهماً بالنسبة للشيطان، فالنتيجة واحدة، وهي أنهم يكفرون بالواحد الأحد الفرد الصمد، ويؤمنون بالشيطان.
“كنائس الشيطان” في الغرب
هناك فارق بين “عبدة الشيطان” من الشباب الذين يتبعون تقاليد وممارسات غريبة، وإنشاء كنيسة فعلية على غرار الكنائس الغربية ولكنها مخصصة لعبادة الشيطان رغم أنها تضع الصليب بجوار صورة مزعومة للشيطان.
فما قصة هذه الكنائس الغريبة؟ ولماذا يعبدون “الشيطان” فيها برغم أن دور العبادة في كل العالم هي المكان الذي تصب فيه اللعنات عليه؟ وهل لذلك علاقة بتزايد “اللا دينيين” في الغرب، وتقلص أتباع الكنائس الغربية؟
قصة هذه الكنائس قديمة ولكنها تعود إلى ستينيات القرن الماضي حين تم إنشاء أول كنيسة في أمريكا، ثم تبعها أخرى في كولومبيا بأمريكا الجنوبية عام 2015، ثم جرى افتتاح ثالث كنيسة للشيطان في فرنسا مايو 2017.
وظهرت أولى بدع كنيسة الشيطان في أمريكا عام 1966، حين أسس أنتون ليفي “كنيسة الشيطان” بمدينة سان فرانسيسكو وجعل رمزها الرسمي “بافوميت” يتوسط النجمة الخماسية اليهودية وحولها حروف هي حروف كلمة بافوميت.
وذكر ليفي في كتابه “إنجيل الشيطان” (Stanic Bible) أن “فرسان الهيكل” الصليبيين كانوا يعبدون بافوميت كرمز للشيطان، وأن بافوميت يمثل قوى الظلام، ووصفها بأنها “ديانة ملحدين لا يؤمنون بالله أو إبليس أو حياة بعد الموت، وبناء على ذلك يجب أن يستمتع الناس بحياتهم الحالية وأن يحيوها كاملة أو كما يحلو لهم”.
و”بافومت” (Baphomet) اسم ظهر في منتصف القرن الثالث عشر، وفي القرن التاسع عشر الميلادي وارتبط بمحاكمات التفتيش لفرسان المعبد (الصليبيين) التي جرت في بداية القرن الرابع عشر، بعدما تحول بعضهم إلى ممارسة طقوس قيل: إنها “مهرطقة”.
ويقول ياسر منجد، الأستاذ بكلية الفنون الجميلة بالقاهرة، في كتابه “أسرار بافوميت التجسدات البشرية للشيطان”: إنهم ظهروا بعد فترة من سيطرة الصليبيين على القدس، بعد الكشف عن ممارسات سرية داخل جماعة “فرسان المعبد” تبدأ بالهرطقة وتنتهي بطقوس عرف فيما بعد أنها تدخل في إطار عبادة الشيطان، وتسخير قوى الشيطان لاكتساب النفوذ والسيطرة والمتعة.
وأنه عرف عن فرسان المعبد تقديسهم لصنم برأس قط أسود، أو جسد آدمي برأس ماعز، وجناحين مشقوقين، وهو يمثل الشيطان، وكان هذا الصنم يعرف باسم “بافوميت” (Baphomet) وكانت له تماثيل متعددة أشهرها على واجهة كنيسة “سانت ميري” (Saint Merri) في فرنسا وما زال موجودًا حتى الآن.
نشأة كنيسة الشيطان؟
تم الإعلان الرسمي عن هذه البدعة في يوليو 1966 م بمدينة سان فرانسيسكو على يد الكاهن أنطون ليفى، وفي نهاية عام 1966 خرج أول ميثاق أو إنجيل شيطاني من نوعه لهيئة “كبار كهنة ما فوق الأرض”، نادوا بأن “الدين خدعة تشتت القدرات الإنسانية”.
ولأعضاء هذه الكنيسة درجات ومراتب تبدأ من عضو أمير ثم أمير ثم أمير جماعة ثم أمير كهف ثم شر ثم شر أعظم ثم كاهن فوق الأرض وآخر المطاف مرسل من قبل القوة السفلية راعي كنيسة، ويحصل العضو على الدرجة الأولى “عضو أمير” من الدرجات السبع بعد اجتياز اختبار منفر وعندئذ يلبسونه معطفاً بني اللون مع قلنسوة وحزام أسود على وسطه ويسمى “NEOPHYTE”.
وبعد اجتياز اختبار أشد قسوة من الاختبار الأول يحصل على الدرجة الثانية “أمير”، أما الدرجة الثالثة “أمير جماعة” فيحصل عليها الأمير بعد إلقاء ثلاثة محاضرات عن عبادة الشيطان.
ويحصل أمير الجماعة على الدرجة الرابعة “أمير كهف” عندما يجتاز اختباراً عملياً في السحر وممارسة التعذيب الجنسي والجسدي، ويحصل على الدرجة الخامسة “شر” من يبتكر أموراً أحدث في التعذيب والإيذاء، ويحصل على الدرجة السادسة “شر أعظم” من يستطيع أن يرى الشيطان!
نجح أنطون في جذب آلاف من الشباب الثري والمثقف حتى إنهم يرقصون في الشوارع والميادين وهم شبه عرايا، ويشيدون بشجاعة الشيطان و”اللذة” وتحديهم المشيئة الإلهية!
كولومبيا تتحالف مع الشيطان
وفي الأيام الأخيرة من عام 2015 شهدت مقاطعة كينديو الكولومبية استعدادات لتدشين معبد مخصص لعبادة الشيطان، وكان موقع الكنيسة ممتلئاً بمقاعد قاعدتها حمراء ويتوسطه صورة لإبليس وصليب مقلوب.
ووصلت تكلفة المعبد 200 ألف دولار بتمويل مساهمين، ودعت الشرطة أصحاب المعبد للتنسيق مع السلطات الكنسية منعاً لغضب معارضي المعبد الشيطاني.
ويعتبر قائد هذه المجموعة فيكتور داميان روسو أن التحالف مع الشيطان أمر طبيعي وإيجابي، ويدعي وجود فرقِ بين الشياطين وإبليس، مشيراً إلى أنهم لا يعبدون الشياطين ولا يقدمون الذبائح بل يعبدون إبليس الذي يعتبرونه الإله ولا علاقة لذلك أبداً بالشيطان كما يعتبر البعض.
ويقول روسو: إن الكنيسة الكاثوليكية هي من فرض على جميع أعضائها عقيدة عليه هو تحريرهم منها.
الشيطان يُعبد رسمياً في فرنسا
وقد انتشرت هذه البدعة وانتقلت من أمريكا لدول أخرى آخرها فرنسا، وذكر موقع “لونوفل أوردر مونديال” الفرنسي أنه تم افتتاح كنيسة للشيطان في فرنسا في أكتوبر 2017 بعدما ظل من يعبدون الشيطان في فرنسا يمارسون طقوسهم عبر المنتديات ومجموعات مناقشة يجري فيها تبادل معتقداتهم وقناعاتهم.
وجاء افتتاح هذه الكنيسة الثالثة من نوعها في العالم، بعد توقيع 236 ألف فرنسي على عريضة على شبكة الإنترنت لصالح إنشاء الكنيسة الرسمية للشيطان على الأراضي الفرنسية، ووافقت السلطات الفرنسية.
ويبرر مؤسس هذه الكنيسة التي تدعى “كنيسة لوسيفر الفرنسية”، جان لويس لودفيغ، سبب إيمانهم بالشيطان، قائلاً: إن “العالم عاد علينا بالكثير من الكراهية، ونحن نريد التعايش، ومذهب عبادة الشيطان ليس ألوهية، وأتباع هذا المذهب لا ينحنون أمام أي ألوهية كانت ولا حتى للشيطان”.
لماذا كنائس للشيطان؟
من تعليقات وتصريحات مؤسسي هذه الكنائس الغريبة تظهر سلسلة من الأسباب التي دفعتهم لذلك، منها:
غضبهم من تحول الكنائس الغربية والقساوسة إلى “أنصاف آلهة” يحللون ويحرمون دون إرادة لأتباع الكنيسة، ورغبتهم في مزيد من الحرية في العبادة دفعتهم للشذوذ والاتجاه لنقيض العبادة وهو عبادة الشيطان، بحسب قولهم.
انتشار ممارسات شاذة من عدة قساوسة في الكنائس اعترف بها الفاتيكان منها استغلال الأطفال في ممارسات جنسية ومواقعة النساء بدعاوى دينية، وكشف أن أكثر من أربعة آلاف كاهن يمارسون الشذوذ الجنسي مع الأطفال في الكنيسة أو خارجها بحسب أرقام اعترف بها الفاتيكان.
تزايد مظاهر الحياة المادية في الغرب، وفشل الكنيسة في تلبية احتياجات أعضائها الإيمانية، وتقلص التعليم الديني؛ ما يدفع أعداداً كبيرة للبعد عن الكنيسة.