– سببان يدفعان الكيان الصهيوني للدفاع عن الأكراد أحدهما يتعلق بالنفط الكردي والثاني الخوف من فقدان محطة استخبارية صهيونية مهمة في كردستان
– الموقف الأمريكي المسهل للعملية العسكرية التركية قد يهدد وجود الكيان في المنطقة ويزيد من عزلتها
– الصهاينة يخشون أن تُفشل تركيا مخططاتهم في المنطقة وعلى رأسها تفتيت العراق وتركيا وسورية
برغم المعارضة والتنديد من جانب دول عربية للعملية العسكرية التركية في شمال سورية “نبع السلام” لإقامة منطقة آمنة 30 كم تبعد خطر المنظمات الكردية المتطرفة، وتسمح بإعادة لاجئين سوريين، فقد شارك الكيان الصهيوني الأصوات المعارضة للتدخل التركي، برغم أنها هي نفسها تعربد في سورية، ونفذت 67 غارة في سورية خلال 3 سنوات.
وإذا كان رفض بعض الدول العربية للتدخل التركي راجع لخلافات مع نظام الرئيس التركي أردوغان ومخاوف من “تمدد عثماني”، فالرفض والتنديد الصهيوني له أهداف أخرى إستراتيجية تتعلق بأمرين:
الأول: سبب اقتصادي يتعلق باستفادة تل أبيب من النفط الكردي، حتى إن صحيفة “فايننشال تايمز” كشفت أن “إسرائيل” استوردت من الإقليم الكردي في شمال العراق 19 مليون برميل نفط خلال 3 شهور عام 2015، وتمثّل هذه الكمية 75% من إجمالي استهلاك النفط في “إسرائيل”.
الثاني: سبب سياسي وإستراتيجي يتعلق بالمخططات الصهيونية لتفتيت المنطقة العربية والإسلامية وسياسات “شد الأطراف” كما فعلوا في جنوب السودان حتى انفصل عن السودان الأم، والرغبة في خلق بؤر توتر لتركيا التي أصبحت قوة إقليمية معادية للاحتلال من جهة، وتعزيز مخطط “سايكس بيكو -2” الذي أشارت له معاهد الدراسات الصهيونية، ويقوم على “تفتيت المفتت”، وهي الدول العربية.
كان لافتاً قول نتنياهو عبر “تويتر”: تدين “إسرائيل” بشدة الاجتياح العسكري التركي للمحافظات الكردية في سورية، وتحذر من قيام تركيا ووكلائها بتطهير عرقي بحق الأكراد، ستبذل “إسرائيل” كل جهد ممكن لتقديم المعونات الإنسانية إلى الشعب الكردي الباسل.
ومع أن الكيان الصهيوني سعى لإظهار أن دعمها للأكراد يتعلق بسعيها لمنع تطهير عرقي تركي ضدهم، إلا أن هذا الغطاء يخفي خلفه قلقاً صهيونياً حقيقياً من قوة الموقف التركي.
سر القلق الصهيوني
سر قلق الصهاينة من العملية العسكرية ضد الأكراد بهذا الشكل، وكيف ستتضرر تل أبيب من هذه العملية، يرجع لتخوفهم من فقدان ورقة ضغط على تركيا (الأكراد) وإفشال أردوغان لخططهم لخلط الأوراق في المنطقة العربية ومخطط “سايكس بيكو2”.
فالانسحاب الأمريكي من شمال سورية سيزيد النفوذ الإيراني التركي في المنطقة على حساب نظيره الصهيوني، وقد يحد من تحركاتها العسكرية ضد القواعد الإيرانية في سورية والعراق.
فالصهاينة لا يريدون لدولة أخرى في المنطقة أن تنافسها سياسياً وعسكرياً، في حين أن العملية الجارية حالياً شمال سورية تزيد من نفوذ ووزن تركيا سياسياً ودبلوماسياً وعسكرياً.
تطرح العملية العسكرية التركية تساؤلات حول مستقبل الهجمات الصهيونية على القواعد الإيرانية في سورية والعراق، سواء توقفها خشية الدخول في مواجهة مع إيران وسط توقيت ملتهب في المنطقة، أو استمرارها إدراكاً من الكيان الصهيوني أن أي ضربات لها باتجاه الأهداف الإيرانية لن تحظى بتغطية إعلامية، طالما الأنظار العالمية كلها متجهة نحو تركيا والأكراد.
فالانزعاج الصهيوني من الموقف الأمريكي المسهل للعملية العسكرية التركية يرجع إلى أن الصهاينة تيقنوا أن ترمب، رئيس متقلب المزاج، ويتخذ قرارات غريبة، ما قد يهدد وجود الكيان في المنطقة، ويزيد من عزلتها.
وقد أشار عاموس هرئيل، الخبير العسكري في صحيفة «هاآرتس» العبرية، إلى أن “إسرائيل” فوجئت بقرار ترمب سحب القوات الأمريكية من شمال سورية، والسماح لتركيا بعملية عسكرية في المنطقة، بدليل أن القرار لم يناقش في اجتماع مجلس الوزراء الإسرائيلي قبل أن يعلنه ترمب، وأردوغان.
والنتيجة أن ترمب أصبح من ناحية الكيان سنداً متهالكاً، لا يمكن الاعتماد عليه، لأن سلوكه هذا يعني سكيناً في ظهر الأكراد والكيان الصهيوني معاً، كما يقول المحللون الصهاينة.
فتش عن النفط و”الموساد”
هناك سببان جوهريان يدفعان الكيان الصهيوني للدفاع عن الأكراد، أحدهما يتعلق بالنفط الكردي، والثاني بالخوف من فقدان محطة استخبارية صهيونية مهمة فتحها “الموساد” في كردستان منذ الغزو الأمريكي للعراق.
ففي أعقاب رفض الدول العربية لإقامة دولة كردية مستقلة في العراق، أبدى الكيان الصهيوني موافقته ومساندته للأكراد المقيمين في العراق لاستقلالهم، وقال بنيامين نتنياهو، في بيان حينئذ: تؤيد “إسرائيل” جهود الشعب الكردي المشروعة لقيام دولته.
ولدى الكيان الصهيوني والأكراد تاريخ طويل من التعاون في مجالات مختلفة، ولكن معظمها سرّياً، آخره اتفاق النفط الكردي -الإسرائيلي الذي تم الكشف عنه في أغسطس 2015.
حيث كشفت صحيفة “فايننشال تايمز” أن “إسرائيل” استوردت من الإقليم الكردي في شمال العراق 19 مليون برميل نفط خلال 3 شهور عام 2015، وتمثّل هذه الكمية 75% من إجمالي استهلاك النفط في “إسرائيل”.
هناك سبب آخر استخباري، حيث انتشر “الموساد” في المناطق الكردية عقب الغزو الأمريكي للعراق، وفتح مكاتب له هناك وعمق علاقته الاستخبارية مع أطراف كردية، برغم رفض بقية الأكراد للوجود الصهيونية.
لهذا تقلق تل أبيب من أن يفقدها استهداف تركيا للأكراد قواعد لوجستية واستخبارية في شمال سورية والعراق وعلى الحدود مع إيران، توفر لها معلومات أمنية استخبارية ومصادر مهمة، ومناطق ارتكاز، وجبهات قد يفتحونها وقتما أرادوا ضد القوات الناهضة في المنطقة.
وقد ساعد الكيان الصهيوني الأكراد سراً خلال السنوات الماضية ودرّبت جنود البيشمركة، الكردية، وزوّدتهم بالسلاح ودعمتهم بالمعلومات الاستخباراتية.
وعام 2008 سُجّل حدث تاريخي في العلاقة بين الكيان الصهيوني وكردستان، عندما صافح جلال طالباني، الذي كان رئيسًا للعراق، يد من شغل يومذاك منصب وزير الدفاع الصهيوني، إيهود باراك، خلال مؤتمر دولي في اليونان، وانتقد أعضاء البرلمان العراقي ذلك وطالبوا طالباني بالاعتذار.
وعقب العملية التركية الأخيرة في شمال سورية، زعمت آياليت شاكيد، زعيمة حزب «يمينا» ووزيرة القضاء السابقة، أن الأكراد لهم ارتباط تاريخي بالشعب اليهودي، وعلى الغرب أن يساندهم.
أردوغان يفضح “سايكس بيكو 2”
خلال الاحتفال بمرور 100 عام على الحرب العالمية الأولى وما تبعها من اتفاق “سايكس بيكو”، نوفمبر 2018، كانت لفتة ذكية وذات مغزى من الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، حين عبر عن رفضه إجراء أي تقسيمات جديدة في المنطقة على غرار اتفاقية “سايكس بيكو”.
إذ إن أكثر نتائج هذه الحرب مأساوية كانت تقسيم العالم العربي بين قوى الغرب وتفتيته إلى دويلات بحدود مصطنعة تسببت في العديد من المشكلات العرقية والفئوية والدينية التي يعاني منها العالم العربي حالياً، ومهدت لحشر الدولة الصهيونية بين هذه الدويلات العربية المصنوعة.
لهذا كان تصريح أردوغان مؤشراً واضحاً لرفض خطط تجري بالفعل للتأسيس لـ”سايكس بيكو 2″، بما تتضمنه من تفتيت المفتت، عبر اقتطاع أجزاء من تركيا (إنشاء دولة كردية)، فضلاً عن سعي أمريكا وروسيا لاتفاق مشابه يقسم سورية والعراق وربما اليمن وليبيا.
وهو ما حاول أردوغان أن يُذكر به القادة الغربيين المجتمعين في فرنسا إلى كوارث تسببوا فيها، مثل: “جلب الحرب العالمية الأولى بعض الكيانات السياسية ذات الإشكالية وفقًا للحدود التي رسمتها القوى العظمى في تلك المرحلة بالمسطرة”.
وتذكيرهم بأنهم حين قسموا الدول الكبرى إلى كيانات سياسية صغيرة، لم تستطع هذه الكيانات أو الأنظمة الحاكمة بناء روابط قوية مع الشعوب التي حكمتها؛ ما أدى إلى معاناة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا طيلة القرن الـ20 من حكم الأنظمة الاستبدادية والانقلابات العسكرية وحكومات الأقلية.
بل إن اردوغان قال لهم: إنه حتى حين حاولت الحركات الشعبية الديمقراطية التي سميت بـ”الربيع العربي” تصحيح الوضع “لجأ (الحكام الذين جاءت بهم تقسيمات “سايكس بيكو”) إلى شتى الوسائل المعادية للديمقراطية، بما في ذلك الانقلابات العسكرية، من أجل تحقيق أهدافهم، بل ويواصل هؤلاء اللاعبون اليوم أيضًا أنشطة الثورة المضادة، ويعرضون السلم والاستقرار العالميين للخطر من أجل مصالحهم الخاصة”.
لهذا يخشي الصهاينة أن تُفشل تركيا مخططاتهم في المنطقة وعلى رأسها تفتيت العراق وتركيا وسورية باقتطاع أجزاء من كل منها لإقامة دولة كردية موحدة مستقلة، تسعى “تل أبيب” لتكون “إسرائيل أخرى” في الشام والأناضول.