أكدت دراسة حديثة تزايد انتحار المصريين لأسباب اقتصادية تتعلق بتزايد نسب الفقر، وأخرى ترتبط بالضغوط النفسية والاجتماعية والاستبداد السياسي وغياب الديمقراطية.
وكشفت دراسة “المعهد المصري للدراسات”، أن أحدث إحصاءات منظمة الصحة العالمية تؤكد أن هناك 88 حالة انتحار من بين كل 100 ألف مصري، علماً أن عدد سكان مصر يبلغ 100 مليون نسمة، وهناك قرابة 88 ألف شخص ينتحرون كل عام.
وشهدت مصر موجات متلاحقة من الانتحار مؤخراً لشبان تحت عجلات مترو الأنفاق أو بالقفز من برج القاهرة أو مبانٍ عالية، وأحدثها شنق أنفسهم “أون لاين” في بث مباشر على “فيسبوك” إمعاناً في الصراخ بمعاناتهم.
وبينما لا توجد إحصاءات رسمية عن الانتحار بمصر، كشفت دراسة لوزارة الصحة في القاهرة أن 21.7% من طلبة الثانوية العامة يفكرون في الانتحار، وتشير أرقام غير رسمية إلى ارتفاع معدلات الانتحار في مصر خلال السنوات القليلة الماضية.
وتؤكد الدراسة أن تلك الظاهرة زادت في المجتمع المصري بين قطاعات الشعب، وخاصة الشباب، حيث أصبح لا يمر أسبوع تقريباً إلا ونسمع عن أكثر من حالة انتحار، إلا أنه لا توجد إحصاءات رسمية منشورة حول عدد حالات أو محاولات الانتحار، وتتحفظ الجهات الرسمية كثيراً على نشر تلك البيانات لأسباب مختلفة قد يكون سببها عدم إثارة الفزع في المجتمع، ومنع تصدير صورة سلبية عن أحوال المجتمع إلى الخارج.
أسباب الانتحار
وأبرز أسباب الانتحار في مصر الفقر وتدني الدخل الفردي؛ إذ تشير الدراسات إلى أن نسبة الفقراء في مصر عام 2004 – 2005 بلغت 19.56%؛ أي حوالي 13.6 مليون مصري كانوا غير قادرين على الحصول على حاجاتهم الأساسية، بينما زادت تلك النسبة في العام 2015 إلى 27.8%؛ ما يعنى وجود نحو 30 مليون مصري تحت خط الفقر، وبلغت عام 2019 قرابة 60%، وفق تقارير البنك الدولي المنشورة في أبريل 2019.
السبب الثاني الأبرز للانتحار هو البطالة التي تنتشر بين الشباب؛ ما يدفعهم لعدم الشعور بالأمان في المستقبل، وعدم جدوى الدراسة في ظل غياب فرص العمل.
أما السبب الثالث الأبرز فهو الاستبداد السياسي وغياب الديمقراطية، حيث يُعد ذلك أبلغ دليل على ضياع مسارات التنمية وتتابع أخطاء الأنظمة الشمولية وانحسار الفكر التنموي، إضافة إلى خبرات الفشل المتراكمة في أداء الدول النامية ذاتها بأنظمتها التي تنهض جميعها على قاسم مشترك هو استحالة العمل التنموي الفاعل في مناخات دكتاتورية.
انتحار “أون لاين”
وانتشرت مؤخراً حالات انتحار شبان “أون لاين”، منهم الشاب إسلام حمودة (22 عاماً) الذي صور فيديو لايف على “فيسبوك” يظهر فيه وهو يغلق الباب على نفسه ويجهز حبل المشنقة في سقف الحجرة ويشعل سيجارة ويدير جهاز الراديو على أغاني وموسيقى ثم يصعد على كرسي ويعلق رقبته في الحبل حتى مات!
وكتب حمودة قبل انتحاره منشوراً على حسابه في “فيسبوك” برر فيه إقدامه على الانتحار بأن السبب هو “سوء معاملة والده له”، قائلاً: “لجأت إلى الانتحار بسبب سوء معاملة والدي، سامحوني مش قادر أكمل”، ودعا أصدقاءه إلى أن يسامحوه.
ويرى الخبير النفسي أحمد عبدالله محمود أن الوضع الاقتصادي، وارتفاع الأسعار، وصعوبة توفير الشباب إمكانيات العمل المناسب والدخل المناسب للزواج وتكوين أسرة، وعدم قدرة الأسر على توفير احتياجاتها كل ذلك يؤدي دوراً في أسباب الانتحار، بسبب الأعباء المالية والديون التي تسبب الاكتئاب والانتحار.
ويؤكد أن إقدام الشباب على الانتحار بطرق مختلفة شنقاً أو أسفل عجلات المترو مؤشر على تفاقم مشكلات الشباب وعدم القدرة على مواجهة الواقع القاسي الحالي والبطالة والغلاء والأزمات الأسرية الناتجة عنها.
إحصاءات الانتحار
لا توجد إحصاءات دقيقة عن عدد المنتحرين في مصر سنوياً، ولكن العدد يتجاوز الـ4000 حالة سنوياً، بحسب تقديرات رسمية، وبمعدل ما بين شاب أو فتاة يومياً.
وأحدث تقرير لـ”المؤسسة العربية لدعم المجتمع المدني وحقوق الإنسان” رصد 101 حالة انتحار في مصر خلال أشهر مارس، وأبريل، ومايو 2019، منها 39 حالة في مارس، و36 في مايو، و26 في أبريل.
وأظهر التقرير، الصادر في يونيو الماضي، أن الوسيلة المفضلة للذكور هي الشنق بنسبة 53%، والإناث بالأقراص السامة، وأن الانتحار أمام قطارات مترو الأنفاق بات المفضل مؤخراً أمام المتعثرين اقتصادياً.
والمنتحرون غالبيتهم من الطلاب والعمال في المقدمة، يليهم ربات المنازل والشريحة العمرية من 21 – 30، وأسباب الانتحار تتراوح بين الضائقة المالية أو الخلافات العائلية، أو الأزمات العاطفية، والأزمات والأمراض النفسية أو الفشل في الامتحانات.
وسبق أن أعلن المركز القومي للسموم ووزارة الداخلية أن عدد المنتحرين سنوياً تجاوز 4250 منتحراً، وتظهر آخر إحصاءات منظمة الصحة العالمية حول مصر احتلالها المركز 96 على مستوى العالم من حيث عدد الأفراد المقبلين على الانتحار.
وبحسب “التنسيقية المصرية للحقوق والحريات”، هناك 5 أو 6 حالات انتحار تأتي إلى مستشفى قصر العيني بالقاهرة يومياً؛ ما يعني أن عدد حالات الانتحار في البلاد أكبر بكثير؛ ربما لأن الكثير من هذه الحالات يتم إنقاذها، أو نتيجة عدم الإعلان عن كثير منها في وسائل الإعلام.
وخلال شهري يونيو ويوليو 2018 ألقى شاب (17 عاماً)، وفتاة (20 عاماً)، بأنفسهما أمام قطار المترو؛ ما أدى لدهسهما ووفاتهما على الفور، بسبب مرورهما بضائقة مالية، ومشكلات تتعلق بالغلاء وعدم القدرة على الإنفاق على أنفسهم أو أسرهم.