مازالت مباحثات سد النهضة، تسيطر على مانشتات الصحف الأجنبية، مع اقتراب الموعد الذي سبق وحددته مصر للوصول لاتفاق نهائي برعاية أمريكية، في يناير المقبل.. وقال موقع المونيتور الأمريكي: إن “العائق الرئيس الذي يعترض الوصول لاتفاق هو رفض إثيوبيا لأي شروط من شأنها منعها من تشغيل وملئ وإدارة السد بمفردها”، وفق تصريحات أحد المسؤولين المشاركين في المحادثات الفنية حول السد.
لم يصل الاجتماع الثاني لوزراء المياه المصري والسوداني والإثيوبي الذي انعقد في القاهرة يومي 2و3 ديسمبر، بحضور مراقبيين من الحكومة الأمريكية والبنك الدولي إلى نتائج حاسمة حول نقاط الخلاف العالقة حول ألية ملئ و تشغيل سد النهضة الإثيوبية الجاري انشاءه على النيل الأزرق، بينما تم الاتفاق على عقد اجتماع في واشنطن في 6 ديسمبر لتقييم ما تم احرازه في المفاوضات.
يأتي هذا الاجتماع ضمن خارطة الطريق التي اتفق عليها وزراء الخارجية لدول مصر والسودان وإثيوبيا في اجتماع واشنطن في 6 نوفمبر لحل المسائل العالقة بشأن ملئ وتشغيل سد النهضة على المستوى الفني حتى 15 يناير.
وقال “المونيتور”: إنه حصل على معلومات حصرية عن الموقف الفني والرؤية المصرية لملئ وتشغيل سد النهضة وفق قواعد وأليات تتوافق مع طبيعة تشغيل السد العالي في مصر، ليكون تشغيل سدي النهضة في إثيوبيا والعالي في مصر يسير وفق منظومة هيدروليكية واحدة تتوافق مع طبيعة النيل الأزرق.
وكشف مسئول فني حضر الاجتماع عن ملامح التصور المصري قائلاً أنه: “يضع سيناريوهات لملئ وتشغيل سد النهضة وفق مبادئ رئيسية لا يمكن تجاهلها وهي التكيف مع الظروف الهيدرولوجية، وحجم التدفق السنوي، والمستويات الحرجة للمياه في بحيرة السد العالي من خلال الابقاء على معدلات أمنة من التخزين الاستراتيجي للمياه في بحيرة السد”.
يوضح المسئول الذي فضل عدم ذكر اسمه :”نرى أن التخزين يجب أن يتم وفق مراحل وليس عدد محدد من السنوات كما يرى الجانب الإثيوبي”، موضحاً:”تتحدد مراحل التخزين وفق شروط تأخذ في الاعتبار طبيعة الفيضان السنوي للنهر ومعدلات سقوط الأمطار وأوقات الجفاف”.
وأضاف المسئول “عرضنا خلال الاجتماع أرقام وبيانات مفصلة عن كل مراحل التخزين سواء خلال معدلات تدفق المياه المرتفعة وقت الفيضان أو المعدلات المنخفظة أوقات الجفاف بالتالي تضمن مصر كميات أمنة من تدفقات المياه تصل لبحيرة السد العالي في نهاية كل مرحلة تخزينة حتى لا تصل المياه في بحيرة السد العالي إلى المستوى الحرج والتي تم تحديده عند 165 متر”.
وتتضمن رؤية مصر حسب المسئول الفني”طرحنا خطة مفصلة للربط الهيدروليكي بين السد العالي وسد النهضة باعتبار أنهما سدين على نهر واحد، ويجب التعاون في الإدارة المشتركة وفق ألية تجمع السدين بحيث لا يؤثر سد النهضة على القواعد والفوائد الرئيسية للسد العالي بالنسبة لمصر سواء توليد الطاقة أو التخزين الاستراتيجي”.
يؤكد المسئول”العرض المصري يشمل حجج وبراهين فنية تَوافق عليها عدة خبراء محليين ودوليين لوضع أفضل السيناريوهات لإدارة ملئ وتشغل سد النهضة وفق قواعد تقلل الضرر البالغ الذي قد تتعرض له مصر والسودان مع اعتبار المصالح المصرية في النيل الأزرق الذي يمد مصر بـ85% من حصتها السنوية من مياه النيل المقدرة بـ55.5 مليار متر مكعب من المياه”.
يؤكد المصدر: “الخلاف حالياً ليس في عدد سنوات ملئ خزان السد، ولكن على وضع ألية وقواعد واضحة وملزمة لإدارة سد النهضة كمنشئ يتحكم في تدفق المياه في النيل الأزرق، دون ما تعتبره إثيوبيا أمور سيادية لا يمكن التدخل فيها”.
يقول المسئول المصري : “الوفد المفاوض المصري يحضر الاجتماعات بملف وحجج وأسانيد فنية قوية تدعم الطرح والرؤية المصرية حيث تمت مراجعتها من عده خبراء محليين ودوليين ولا يمكن القبول بأي تصور آخر يعرض مصر لضرر بالغ في وقت يمكن إدارة السد وفق قواعد ونظم فنية تقلل من حجم الضرر وتحقق المصلحة والمنفعة المتبادلة للطرفين”.
وكشف المصدر “المشكلة الرئيسية التي تعطل الاتفاق هي رفض الجانب الإثيوبي أي اشتراطات قد تكون حائلاً أمام تصرف أحادي منه في إدارة وتشغيل وملئ السد”، لكنه اعتبر أن “الاجتماعات التي تجرى حالياً برقابة أمريكا والبنك الدولي ساهمت إلى حد كبير في كسر التشدد الإثيوبي ورفضه طرح ونقاش أي مقترح فني مصري على طاولة المفاوضات باعتبار أنه تدخل في السيادة الإثيوبية”.
وتتخوف مصر من عدة تداعيات لسد النهضة على مصالحها في مياه النيل، حيث تشير التقديرات المحلية بتسبب السد في تملح التربة في منطقة الدلتا بسبب نقص امدادات المياه العذبة من النيل إليها، فضلاً عن تقليل انتاج الطاقة الكهربائية من السد العالي بسبب انخفاض منسوب المياه في بحيرة السد العالي بعد ملئ بحيرة سد النهضة، كذلك تقليص الرقعة الزراعية وما يتبعها من ارتفاع أسعار الغذاء ومشاكل اجتماعية وبيئية أخرى.
في حديث مع “المونيتور” قال محمد نصر الدين علام، وزير الموارد المائية الأسبق، “مصر لديها ثوابت فنية لا يمكن تجاوزها خلال المفاوضات الجارية وهي ألا يتسبب سد النهضة في مرحلة التخزين في ضرر بالغ وهو ما تم تحديده عند عدم انخفاض مستوى مخزون المياه في بحيرة السد العالي عن 165 متر، وألا يقل تصرف المياه في النيل الأزرق عن 40 مليار متر مكعب”.
ويوضح علام :”الاشتراطات المصرية تضمن الابقاء على تشغيل السد العالي لتوليد الكهرباء بـ50% من طاقته وتأمين احتياجات البلاد اذا ما حدث جفاف غير متوقع”
ويرى وزير المياه الأسبق، أن “الموقف الإثيوبي بعدم القبول باي اشتراطات سواء خلال مرحلة الملئ أو تشغيل السد يعكس سياسة إثيوبيا في محاولة التحكم في النيل الأزرق والذي يعني التحكم بشكل كامل في مصر”.
ومع انفتاح مصر على الحوار الجاري تحت الرعاية الأمريكية وحضور ممثلي البنك الدولي وابداء مرونة في مناقشة أي مقترحات فنية جادة تضمن تقليل الضرر المتوقع من سد النهضة على مصالحها في مياه النيل، كانت إثيوبيا قد استبقت الاجتماعات الفنية بالإعلان عن انتهاء العمل في السد المساعد “السرج” في 12 نوفمبر الماضي، وهو ما يعكس رسالة تؤكد عدم تأثر الانشاءات في موقع السد بسير المفاوضات بحسب مصر العربية.