عندما رجع رسول الله صلى الله عليه وسلم من غار حراء؛ بعد نزول الوحي عليه أول مرة، ودخل على السيدة خديجة رضي الله عنها، خائفًا يرجف فؤاده، وأخبرها الخبر فقالت له: كلا والله ما يخزيك الله أبدًا، إنك لتصل الرحم، وتحمل الكل، وتكسب المعدوم، وتقري الضيف، وتعين على نوائب الحق.
وإن الابتلاءات تحيط بنا من كل جانب، واختبارات الحياة هي التي تظهر معدن الإنسان وأصله المتين وصبره القويم، وإذا كان فيروس كورونا أصاب العالم أجمع، وأخاف وأرهب كل البشر، فإن حال المؤمنين مختلف وقلوبهم في مأمن، قال تعالى: (الَّذِينَ آمَنُواْ وَلَمْ يَلْبِسُواْ إِيمَانَهُم بِظُلْمٍ أُوْلَـئِكَ لَهُمُ الأَمْنُ وَهُم مُّهْتَدُونَ) (الأنعام: 82).
مجمع الرحمة في جيبوتي، التابع للرحمة العالمية بدولة الكويت، صرح فريد وبناء عريق، يشهد كل ركن فيه بصلاح القائمين عليه وصدق نواياهم الطيبة، وما انفك أن يكون أبًا حنونًا لشعب جيبوتي الأصيل، ومأوى للأيتام والمحتاجين، وأن يكون لهم أهل من بعد الأهل، وعون لهم بعد الله عز وجل، وقد مَرِضَ الأب وأصابه الوهن وزاره فيروس كورونا الذي اجتاح البلاد والعباد، وإنا لنحسب أن بَرَكة المكان بأعماله الطيبة ستكون دِرعًا بإذن الله تصد أي شر وبأس، وأن تكون ردًا لسوء المقادير وتفريجًا لكـُرَب الدنيا والآخرة، وأن يكون هذا المعروف نبراس أمل في ظل هذه المحنة.
إن البلايا في باطنها رفعة للمؤمن واختبار لصبره، وهذا هو حال المجمع بإذن الله الصابر والمحتسب، ولكننا نرجو من شعب جيبوتي الأصيل مؤازرةً لصرحٍ عاش بينهم ما يقرب من 20 عامًا، فهو منهم وهم منه، وأن تمتد أيديهم بزيادة الدعاء له، وأن تكون الإنسانية والرحمة أمام أعينهم عند النظر للمجمع ومن فيه، وأن اختلاف وجهات النظر والآراء المتباينة لا تغني أن يحمل الإنسان تقديرًا للأحوال الصعبة وأوقات البلاء، وألا يتخذها البعض سُلمًا للانتقام والشماتة، وهو ما ننأى به عن هذا الشعب الطيب الذي نعيش معه تحت سماء واحدة ونشاركه الألم والهم كما نشاركه الأفراح والأعياد.
وختامًا.. فإننا لا نذكر مجمع الرحمة إلا ويأتي ذكر الحاج عبدالغني القرشي، الذي أفنى عمره في تشييد وتطوير هذا الصرح العظيم، وما بخل بجهد ولا ضنّ بعطاء، ودائمًا كان يكرر أننا أتينا إلى هنا لنكون في خدمة أهلينا، وأن هذا المجمع هو ملك للشعب الجيبوتي، ونحسبه ذا عزم صادق ليتحمل كل هذه الهجمات والحملات الكاذبة عليه وعلى المجمع.
ستذهب الجائحة ويعود المجمع إلى ريعان مجده من جديد، سيعود طلاب المدرسة بعد فراق بيتهم الثاني؛ وتعود أصواتهم بالنشيد الوطني تملأ الأرجاء، وتَشهدهم شمس المغيب يترنمون بأذكار المساء، سيفتح المستشفى أبوابه من جديد؛ يستقبل زواره ليكون يدًا حانية ونبراس أملٍ شافياً، سيبتسم المسجد فرحًا، وستُفرش سجاجيده الحمراء استقبالًا للمصلين والمعتكفين، وتصدح المئذنة بصلوات التراويح والقيام، ويهرع الجميع إليه كالعطشى بعد غياب، سيأتي العيد لنفرح به كأنه عيدنا الأول، ويعود المجمع لأعماله الخيرية كسابق عهده بل أشد؛ وتُبنى القرى وتُحفر الآبار وتُشيد المساجد ويُغاث المحتاجون، ويفرح بعودته القاصي والداني كأنه افتُـتِح من جديد، ستعود ليالينا تحت ضوء القمر ونتذكر أيام الفيروس التي فرقت جمعنا، وها نحن من جديد نعود بقلبٍ جديد ونفسٍ أيقنت الدرس وعلمت أن الأزمات عطايا والبلايا منح.
______________________
(*) صحفية وكاتبة.