سيمون بيرجيس – هانز هنريك سيفرتسن
أدى الإغلاق العالمي للمؤسسات التعليمية إلى انقطاع كبير (وربما غير متكافئ) في تعلم الطلاب؛ واضطرابات في التقييمات الداخلية، وإلغاء التقييمات العامة للمؤهلات أو تغييرها لبديل رديء، ونناقش هنا ما يمكن فعله للتخفيف من هذه الآثار السلبية.
إن جائحة “كوفيد-19” هي أولاً وقبل كل شيء أزمة صحية، وبسببها قرر العديد من الدول (بحق) إغلاق المدارس والكليات والجامعات، وتبلور الأزمة المعضلة التي واجهها صانعو السياسة بين إغلاق المدارس (للحد من الاتصال وإنقاذ الأرواح) وإبقائها مفتوحة (السماح للعمال بالعمل والحفاظ على الاقتصاد)، ويشعر العديد من العائلات في جميع أنحاء العالم بالاضطراب الشديد على المدى القصير، فالتعليم في المنزل ليس فقط صدمة هائلة لإنتاجية الآباء، ولكن أيضًا لحياة الأطفال الاجتماعية وتعلمهم حيث ينتقل التدريس الآن عبر الإنترنت، على نطاق لم يتم اختباره ولم يسبق له مثيل، وتحدث التقييمات (الامتحانات) للطلاب أيضًا عبر الإنترنت، مع الكثير من التجربة والخطأ وعدم اليقين للجميع، ولذلك تم إلغاء العديد من التقييمات، والأهم من ذلك أن هذه الانقطاعات لن تكون مجرد مشكلة قصيرة المدى، ولكن يمكن أيضًا أن تكون لها عواقب طويلة المدى على المجموعات النموذجية المتأثرة، ومن المرجح أن تزيد من عدم المساواة.
آثار الحجر على التعليم المدرسي
الذهاب إلى المدرسة هو أفضل أداة وسياسة عامة متاحة لرفع المهارات، ففي حين أن وقت المدرسة يمكن أن يكون ممتعًا ويمكن أن يرفع المهارات الاجتماعية والوعي الاجتماعي، من وجهة نظر اقتصادية، فالنقطة الأساسية للتواجد في المدرسة هي أنها تزيد من قدرات الطفل، وحتى قضاء وقت قصير نسبيًا في المدرسة يفعل ذلك؛ ففوات فترة قصيرة نسبيًا من المدرسة سيكون له عواقب على نمو المهارات، ولكن هل يمكننا تقدير مدى تأثير انقطاع “كوفيد-19” على التعلم؟ ليس لدينا الأدوات والدراسات الآن، فنحن في عالم جديد؛ ولكن يمكننا استخدام دراسات أخرى لتقدير هذه العواقب.
دليلان مفيدان
كارلسون وآخرون (2015) بحث التأثير المتوقع على الشباب في السويد عندما يغيبون عددًا مختلفًا من الأيام للاستعداد للاختبارات المهمة، وهذه اختلافات عشوائية مشروطة تسمح للمؤلفين بتقدير التأثير السببي للتعليم على المهارات، فقد وصل المؤلفون إلى أنه حتى قضاء عشرة أيام فقط من التعليم الإضافي ترفع بشكل كبير الدرجات في اختبارات استخدام المعرفة “الذكاء المتبلور” بنسبة 1% من الانحراف المعياري، وكمقياس تقريبي لتأثير عمليات الإغلاق الحالية للمدرسة، إذا أردنا استقراء هذه الأرقام، فإن 12 أسبوعًا أقل من التعليم (أي 60 يومًا دراسيًا) يعني خسارة بنسبة 6% من الانحراف المعياري، وهي خسارة غير قليلة، ولكنهم لم يجدوا تأثيرًا كبيرًا على مهارات حل المشكلات (ومثال على ذلك “الذكاء المرن”).
طرق أخرى
وهناك طريقة مختلفة للرد على هذا السؤال من لافي (2015)، الذي يدرس تأثير اختلاف الوقت الذي يقضيه الطالب في التعلم ببلدان مختلفة، وربما أنه من غير المدهش أن تكون هناك اختلافات كبيرة بين البلدان في ساعات التدريس، فعلى سبيل المثال، يوضح لافي أن إجمالي ساعات التدريس الأسبوعية في الرياضيات واللغة والعلوم تزيد بنسبة 55% في الدنمارك على النمسا، وهذه الاختلافات مهمة، حيث تسبب اختلافات كبيرة في نتائج درجات الاختبار؛ فزيادة ساعة واحدة في الأسبوع على مدار العام الدراسي في المواد الرئيسة تزيد من درجات الاختبار بنحو 6% من الانحراف المعياري.
وفي حالتنا، وقد يكون فقدان ما يقرب من 3-4 ساعات في الأسبوع في تدريس الرياضيات لمدة 12 أسبوعًا مماثلًا في الحجم لفقدان ساعة في الأسبوع لمدة 30 أسبوعًا؛ لذا، ينتهي بنا الأمر بخسارة تقدر بحوالي 6% من الانحراف المعياري، فإذا تركنا التشابه الوثيق جانبًا، فقد تقترح هذه الدراسات تأثيرًا محتملًا لا يزيد على 10% من الانحراف المعياري، ولكن بالتأكيد هناك تأثير.
تأثير الحجر على دور العائلات
ما يثير خيبة أمل لدى البعض، أننا لم نرسل الأطفال إلى المنزل بشكل عام للعب، فهم يواصلون تعليمهم في المنزل، على أمل ألا يفوتهم الكثير.
فالأسرة تمثل نقطة محورية في التعليم، وهذا الرأي يحظى باتفاق على نطاق واسع؛ حيث تقوم الأسرة بتوفير مدخلات رئيسة في تعلم الطفل، كما يوضح التربويون، ولهذا تم النظر إلى التوسع الحالي على مستوى العالم إلى التعليم المنزلي في البداية بشكل إيجابي تمامًا، واعتبار أنه على الأرجح سيكون فعالًا.
ولكن عادة ما يُنظر إلى هذا الدور على أنه مكمل للمدخلات من المدرسة، حيث يكمل الآباء تعليم الرياضيات للطفل من خلال ممارسة العد أو تسليط الضوء على مشكلات الرياضيات البسيطة في الحياة اليومية؛ أو يضيؤون دروس التاريخ برحلات إلى المعالم الأثرية أو المتاحف المهمة، ومع أنها المحرك الرئيس للتعلم، حتى من خلال المواد على الإنترنت، يبدو أنه بينما ينجح العديد من الآباء في جميع أنحاء العالم في تعليم أطفالهم بنجاح في المنزل، من غير المحتمل أن يعمم هذا الأمر على جميع الأسر.
لذا رغم أن التعليم المنزلي العالمي قد ينتج بالتأكيد بعض اللحظات الملهمة، وبعض اللحظات الغاضبة، وبعض اللحظات الممتعة وبعض اللحظات المحبطة، يبدو من غير المرجح أن يحل محل التعلم المفقود من المدرسة في المتوسط.
لكن النقطة الأكبر هي أنه من المرجح أن تكون هناك فوارق كبيرة بين العائلات في المدى الذي يمكنهم فيه مساعدة أطفالهم على التعلم، وتشمل الاختلافات الرئيسة مقدار الوقت المتاح تخصيصه للتدريس، والمهارات غير المعرفية للوالدين، والموارد (على سبيل المثال، لن يكون لدى الجميع الأدوات للوصول إلى أفضل المواد عبر الإنترنت)، وكذلك مقدار المعرفة؛ من الصعب أن تساعد طفلك على تعلم شيء قد لا تفهمه بنفسك.
والنتيجة أن هذا سيؤدي إلى زيادة في عدم المساواة في نمو رأس المال البشري للفئات المتضررة.
تأثير جائحة كورونا على الامتحانات
لا يؤدي إغلاق المدارس والكليات والجامعات إلى تعطيل التدريس للطلاب حول العالم فحسب؛ بل يتزامن الإغلاق أيضًا مع فترة التقييم الرئيسة حيث تم تأجيل أو إلغاء العديد من الاختبارات.
ربما يعتقد أن التقييمات الداخلية أقل أهمية، وقد تم إلغاء العديد منها فعلاً، لكن هدفهم هو إعطاء معلومات للعائلات والمعلمين حول تقدم الطفل، ويؤدي فقدان هذه المعلومات إلى تأخير التعرف على كلٍّ من الصعوبات الكامنة وصعوبات التعلم ويمكن أن يكون لها عواقب ضارة طويلة المدى على الطفل.
وينظر كل من أندرسون ونلسون (2019) إلى نتيجة تعطل كبير لتكنولوجيا المعلومات في نظام الاختبارات في الدنمارك أدى لعدم تمكن بعض الأطفال من أداء الاختبار، ووجد المؤلفون أن المشاركة في الاختبار زادت النتيجة في اختبار القراءة بعد ذلك بعامين بنسبة 9% من الانحراف المعياري، مع تأثيرات مماثلة في الرياضيات، هذه الآثار هي الأكبر للأطفال من خلفيات محرومة.
والأهم من ذلك أن إغلاق المؤسسات لا يؤثر فقط على التقييمات الداخلية، ففي المملكة المتحدة، على سبيل المثال، تم إلغاء جميع امتحانات المؤهلات العامة الرئيسة -الشهادة العامة للتعليم الثانوي ومستويات (A)- للفوج بأكمله، ومن المحتمل أن نلاحظ إجراءات مماثلة في جميع أنحاء العالم، أحد البدائل المحتملة للتقييمات الملغاة هو استخدام “الدرجات المتوقعة”، لكن مورفي، ووايانس (2020) يظهران أن هذه غالبًا ما تكون غير دقيقة، وأنه من بين الطلاب المتفوقين، تكون الدرجات المتوقعة لأولئك الذين من خلفيات محرومة أقل من أولئك الذين جاؤوا خلفيات لها حظ أكبر.
حل آخر هو استبدال تقييمات المعلمين بالامتحانات العمياء، وتظهر الأدلة من الإعدادات المختلفة انحرافات منتظمة بين الفحوصات غير العمياء والعمياء، حيث يعتمد اتجاه التحيز عادةً على ما إذا كان الطفل ينتمي إلى مجموعة تؤدي أداءً جيدًا عادةً (Burgess and Greaves 2013، Rangvid 2015).
فعلى سبيل المثال، إذا كان أداء الفتيات عادةً أفضل في موضوع ما، فمن المرجح أن يكون التقييم في الاختبارات غير العمياء لأداء الصبي متحيزًا لأسفل، ونظرًا لأن هذه التقييمات تُستخدم كمؤهل رئيس لدخول التعليم العالي، فإن الانتقال إلى التقييمات الذاتية غير العمياء يمكن أن يكون له عواقب طويلة المدى محتملة على تكافؤ الفرص.
ومن الممكن أيضًا أن يستفيد بعض الطلاب العاملين من الانقطاعات، فعلى سبيل المثال، في النرويج تقرر منح جميع طلاب الصف العاشر شهادة الثانوية العامة، ويظهر مورين وماكنالي (2008) أن التخلي عن إجراءات الفحص العادية لعام 1968 في فرنسا (بعد أعمال الشغب الطلابية) أدى إلى عواقب إيجابية على سوق العمل على المدى الطويل بالنسبة للفوج المتضرر.
في التعليم العالي، تستبدل العديد من الجامعات والكليات أدوات التقييم عبر الإنترنت بالامتحانات التقليدية، هذه منطقة جديدة لكل من المعلمين والطلاب، ويحتمل أن يكون الخطأ في التقييم وفي القياس أكبر من المعتاد، ويظهر البحث أن أصحاب العمل يستخدمون أوراق اعتماد تعليمية مثل تصنيفات الدرجات ومعدلات درجات الصف لفرز المتقدمين وبالتالي، فإن الزيادة في درجات المتقدمين ستقلل من كفاءة المطابقة للخريجين الجدد في سوق العمل، الذين قد يعانون من تباطؤ نمو الأرباح ومعدلات فصل أعلى للوظيفة، وهذا أمر مكلف للفرد وكذلك للمجتمع ككل (فردريكسون وآخرون 2018).
التأثير على الخريجين
قد تتأثر وظائف خريجي الجامعات هذا العام بشدة من جائحة “COVID-19″، فقد عانوا من انقطاع كبير في التدريس في الجزء الأخير من دراستهم، وهم يعانون من انقطاعات كبيرة في تقييماتهم، وأخيرًا من المحتمل أن يتخرجوا في بداية ركود عالمي كبير، وتشير الدلائل إلى أن ظروف السوق السيئة عند دخول سوق العمل ستجعل العمال يقبلون وظائف منخفضة الأجر، وأن هذا ستكون له آثار دائمة على وظائف البعض (إيروبولوس وآخرون 2012)، ويمكن للخريجين من البرامج ذات الأرباح المرتفعة المتوقعة تعويض نقطة انطلاقهم السيئة من خلال مكاسب الأرباح داخل الشركة وعبرها، ولكن تم اكتشاف أن الخريجين من البرامج الأخرى يعانون من خسائر أرباح دائمة من التخرج في حالة ركود.
الحلول
سيؤدي الإغلاق العالمي للمؤسسات التعليمية إلى انقطاع كبير (وربما غير متكافئ) في تعلم الطلاب؛ اضطرابات في التقييمات الداخلية، وإلغاء التقييمات العامة للمؤهلات أو تغييرها لبديل رديء.
ما الذي يمكن فعله للتخفيف من هذه الآثار السلبية؟ تحتاج المدارس إلى موارد لإعادة البناء وتعويض خسارة الغياب عن التعلم بمجرد فتحها مرة أخرى، يجب الرد على السؤال حول كيفية استخدام هذه الموارد، وكيفية استهداف الأطفال الذين تضرروا بشكل خاص، وهذا سؤال مفتوح، ونظرًا لأهمية التقييمات للتعلم، يجب على المدارس أيضًا التفكير في تأجيل التقييمات الداخلية بدلاً من تخطيها، وبالنسبة للخريجين الجدد، يجب أن تدعم سياسات دخولهم إلى سوق العمل لتجنب فترات البطالة الأطول.
____________________________
المصدر: “Voxeu“.