من أفضل دواعي الراحة للنفس والقلب والعقل البعد عن سوء الظن في الناس عموماً، وبأخيك المسلم خصوصاً، وقبل هذا وذاك، إبعاد سوء الظن عن ذاتك وتفكيرك ومشاريعك وإلجام النفس الأمارة بالسوء لعدم تمادي ظلالها وتداعياتها.
فحسن الظن في الناس وإخوانك المسلمين وقبلهم ذاتك أمر مهم لذاتك قبل كل شيء أيها المسلم وقبل غيرك، والداعية أكثر خصوصية بذلك.
هذا الخلق الراقي -حسن الظن- يصرف عن النفس التفكير السلبي الجالب للقلق والاكتئاب، والذي يؤذي النفس ويشتت العقل والتفكير، ومن ثم تعكير المزاج وعدم استقرار للبال والرأي والقرار، ولا شك هذا يؤدي إلى إجهاد الجسد في النهاية، بعد أن كان المرض معنوياً يتحول إلى معنوي وعضوي.
يقول الله تعالى في كتابه العظيم: (وَإِن تُطِعْ أَكْثَرَ مَن فِي الأَرْضِ يُضِلُّوكَ عَن سَبِيلِ اللّهِ إِن يَتَّبِعُونَ إِلاَّ الظَّنَّ وَإِنْ هُمْ إِلاَّ يَخْرُصُونَ {116} إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ مَن يَضِلُّ عَن سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ) (الأنعام)، العلماء هنا بينوا أن النهي عن الظن ليس مطلقاً، ولكن المعني به الظن بالسوء، والمحرم من الظن هو الظن الذي يستمر بالسوء بمن لا يساء الظن به وفيه من العدول، والظن الذي يقع في القلب بلا دليل يأتي من هواجس بين الشيطان والنفس الأمارة بالسوء والهوى الخفي بين الأضلاع والجوانح!
فالمسلم الذي تمت تربيته التربوية والعلمية بالشكل الحسن والصحيح لا يقدم في إخوانه والناس عموماً؛ لا يقدم فيهم إلا حسن الظن والخير، وتكون فيه طبيعة وسجية جِبِلّية، إنه لا يظن إلا الحسن في المقابل، فلا يخونه ولا يشكك في أحد، بل نجده لا يفكر بالناس إلا بالخير دائماً وأبداً إلا إذا ثبت عكس ذلك، وإذا ثبت ذلك يقيناً، لا يفجر حينها بالخصومة.
وهذه التربية هي التي حث عليها الله عز وجل في كتابه الكريم؛ وذلك بقوله تعالى: (وَمِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مَنْ إِن تَأْمَنْهُ بِقِنطَارٍ يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ وَمِنْهُم مَّنْ إِن تَأْمَنْهُ بِدِينَارٍ لاَّ يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ إِلاَّ مَا دُمْتَ عَلَيْهِ قَآئِماً) (آل عمران: 75)، هذا ما يحثنا عليه كتاب الله تعالى؛ حسن الظن في أهل الكتاب، فمن باب أولى وطبيعي يكون للمسلم أولى، ولا شك حسن الظن بالناس يؤدي إلى حب الناس إليك، ويسهل عليك كداعية تبليغ ما تود تبليغه، وستجد كل من يحيط بك يثق بك ويسمع لك ويتقبل، وذلك بسبب حسن ظنك لهم وبهم أصلاً.
ولو نظرنا إلى هذه الثقة في الناس، وحسن الظن فيهم، ومن ثم تبادل المعارف والأفكار سنجدها هي روح والمعنى العميق لقول الله تعالى: (وَتَعَاوَنُواْ عَلَى الْبرِّ وَالتَّقْوَى وَلاَ تَعَاوَنُواْ عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ) (المائدة: 2).
فلا يمكن ومستحيل أن يكون هناك بر وتعاون على البر والتقوى مع وجود سوء الظن، فهذا مستحيل أن يكون بعدم وجود حسن الظن، وقال سيدنا عمر رضي الله عنه في ذلك: “لا يحل لامرئ مسلم يسمع من أخيه المسلم كلمة يظن بها سوءاً، وهو يجد لها في شيء من الخبر مخرجاً”.
ولتعلم أن سوء الظن في أخيك المسلم من غير دليل هو الأقرب لحديث الشيطان الرجيم للنفس الأمارة بالسوء.
فسوء الظن بوابة لدخول كل ما يعشقه الشيطان الرجيم من عداوات، وهو هدف أو من أهدافه المحورية صناعة العداوات بين المسلمين وصناعة الخصومات والانقطاع وخصوصاً ببن الأرحام، وسوء الظن هذا ممقوت، ويرفضه الرحمن الرحيم، حيث بيَّن ذلك في كتابه الكريم: (وَمَا لَهُم بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِن يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَإِنَّ الظَّنَّ لَا يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئاً) (النجم: 28)، وجاء عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: “إياكم والظن، فإن الظن أكذب الحديث، ولا تحسسوا ولا تجسسوا، ولا تدابروا، ولا تباغضوا كونوا عباد الله إخواناً”.
هذه هي الثمار التي يسعى لها الشيطان كما بيَّنها رسول الله صلى الله عليه وسلم من خلال سوء الظن “التحسس، التجسس، التدابر، التحاسد”، هذه الثمار الشيطانية التي يسعى دائماً وأبداً إلى جنيها الشيطان الرجيم، وهو الهدف الأسمى بالنسبة له، فلذلك يحذرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم من أن نعين الشيطان على أنفسنا ليجني هذه المحاصيل الشيطانية، ونقطعها وننهيها بالأخوة بالله؛ “كونوا عباد الله إخواناً”.