شرع الله تعالى العبادات وكلَّف بها عباده وجعل أداءها غاية من غايات خلقه لنا، قال تعالى: (وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ) (الذاريات: 56)، ولقد تنوَّعت أشكال العبادات وتعدَّدت صورها، فمنها العبادات البدنيَّة التي تعتمد على الجهد البدنيُّ كالصلاة، ومنها العبادات الماليَّة التي تعتمد على البذل المالي كالزَّكاة، ومنها ما يجتمع فيها البدنيُّ والماليِّ كالحجِ.
والعبادات التي شرعها الله تعالى تختلف من حيث رتبتها، فمنها ما هو فرضٌ كالصلوات الخمسة وصيام رمضان، ومنها ما هو سُنَّة مستحبَّة مندوب فعلها.
وتدخل تحت المستحبَّات أو المندوبات أنواعٌ مختلفة من العبادات من صلاة وصيام وصدقاتٍ، وكلُّها فيما زاد عن الفرض الذي حدَّدته وبيَّنته نصوص الشَّريعة، ويطلق على هذه العبادات والقُربات الزائدة على الفريضة اسم النوافل.
النَّوافل في اللغة:
جمع نافلة، وهي مشتقَّة من الجذر اللغوي نفل، فالنون والفاء واللام أصل صحيح واحد دال على العطاء، ومنه النافلة؛ أي العطيَّة التي تعطى طواعيَّة وليست بواجبة(1).
النوافل في الاصطلاح:
كلُّ عبادة ليست واجبة على المسلم، بل زائدة على ما فرضه الله تعالى عليه، وهي بهذا المعنى تعمُّ لتشملَ السُّنن المؤكَّدة والمندوبات والتَّطوعات غير المؤقتة، لذا قد يعبر عن النَّافلة بلفظ السُّنَّة أو المندوب أو المستحبِ أو التَّطوع، فهي بمعنى واحد لترادفها على المشهور من أقوال أهل العلم(2).
نوافل يحبها الله تعالى(3):
تتنوع أشكال النوافل التي يحبها الله تعالى وتقرب العبد منه لتدخل في صنوف العبادات كلِّها من الصلاة، والصيام والصدقات، ومن هذه النوافل:
النوافل من الصلاة(4):
الصلاة النافلة هي: الصلاة الزائدة عن الفرض و تنقسم إلى قسمين؛ النوافل المعيَّنة والنوافل المُطْلَقَةُ، أمَّا النوافل المعيَّنة فهي النوافل التي يتعلق أداؤها بسببٍ أو وقتٍ معيَّنٍ، فالمتعلِّقةُ بسببٍ كصلاة الكسوف أو الخسوف، وصلاة الاستسقاء وركعتي الطَّواف، وركعتي الإحرام، وتحيَّة المسجد، وركعتي سنَّة الوضوء، وصلاتي الحاجة والاستخارة، وأمَّا النوافل المعيَّنة المتعلِّقة بالوقت فهي صلاة العيدان، والتَّراويح في شهر رمضان، وصلاة الضُّحى، والتهجُّد أو قيام الليل، والسُّنن الرواتب التي تسبق أو تعقب الصَّلوات المفروضة، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “ما من عبد مسلم يصلي لله تعالى في كل يوم ثنتي عشرة ركعة تطوعاً غير فريضة، إلا بنى الله تعالى له بيتا في الجنة، أو إلا بني له بيت في الجنة” (رواه مسلم).
وعن ربيعة بن كعب رضي الله عنه قال: كنت أبيت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فأتيته بوضوئه وحاجته، فقال لي: “سل”، فقلت: أسألك مرافقتك في الجنة، قال: “أو غير ذلك؟!”، قلت: هو ذاك، قال: “فأعني على نفسك بكثرة السجود” (رواه مسلم).
أمَّا القسم الثاني من نوافل الصلاة فهي النَّوافل المُطْلَقَةُ؛ ويقصد بها النوافل غير المتعلِّقة بسبب ولا مقرونةٍ بوقتٍ وليست محصورة بعدد كمن يتطوع فيصلي لله نافلة ما شاء من الركعات دون وقتٍ مخصوصٍ ومحدد شرعاً.
النوافل من الصيام(5):
صيام النفل هو: الصيام الزائد على الصيام الواجب في شهر رمضان، وقد تكون نافلة الصِيام مرَّة في العام مثل يوم عرفة، ويوم عاشوراء والأيام العشر من شهر ذي الحجة، وقد تكون نافلة الصِيام مرَّة في الشهر، كصيام الأيام البِيضِ المتمثِّلة بالثالث عشر والرابع عشر والخامس عشر من كلِّ شهرٍ هجري، وقد تكون نافلة الصِيام أسبوعية، كصيام يومي الاثنين والخميس من كل أسبوع.
النوافل من الصدقات(6):
من أعظم الأعمال المستحبة إلى الله تعالى صدقةٌ يجود بها المسلم الغني على أخيه المسلم الفقير المحتاج، فقد قال الله تعالى حاثّاً على الصدقة ومبيِّناً أجرها المضاعف: (مَّن ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا فَيُضَاعِفَهُ لَهُ أَضْعَافًا كَثِيرَةً وَاللَّهُ يَقْبِضُ وَيَبْسُطُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ) (البقرة: 245).
أهمية النوافل في حياة المسلم:
إنَّ لأداء النَّوافل والمداومة عليها والحرص على فعلها، فضلاً عظيماً وثمراتٍ يحوزها المسلم، ومن هذه الفضائل والثَّمرات:
أولاً: أداء النوافل فيه تحقيق العبودية لله تعالى، فالمسلم قد يؤدي الفرائض لأنها مكتوبة عليه ولأنه يأثم بتركها، أما أداء النوافل ففيه إظهار لكمال العبودية لله تعالى، ودليل على أن العبادة نابعة من محبة العبد لله عز وجل، وشكر له على آلائه ونعمه التي لا تعد ولا تحصى.
ثانياً: من فوائد النوافل أنها تقرب العبد إلى الله عز وجل وهي سبب لنيل محبته كما ورد في الحديث القدسي: “من عادَى لي وليًّا فقد آذنتُه بالحربِ، وما تقرَّب إليَّ عبدي بشيءٍ أحبَّ إليَّ ممَّا افترضتُ عليه، وما يزالُ عبدي يتقرَّبُ إليَّ بالنَّوافلِ حتَّى أُحبَّه، فإذا أحببتُه: كنتُ سمعَه الَّذي يسمَعُ به، وبصرَه الَّذي يُبصِرُ به، ويدَه الَّتي يبطِشُ بها، ورِجلَه الَّتي يمشي بها، وإن سألني لأُعطينَّه، ولئن استعاذني لأُعيذنَّه، وما تردَّدتُ عن شيءٍ أنا فاعلُه ترَدُّدي عن نفسِ المؤمنِ، يكرهُ الموتَ وأنا أكرهُ مُساءتَه” (رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن أبي هريرة، الصفحة أو الرقم: 6502).
ثالثاً: من الوظائف الهامة للنوافل الحفاظ على الفرائض، فالنوافل تعد بمثابة خط الدفاع الأول والسياج الذي يحمي الفرائض من الإهمال والتقصير أو الترك بالكلية، فالفرد المسلم الذي يؤدي النوافل يكون أحرص على أداء الفرائض من غيره، وهذا الفرد إذا قصر أو عرض له عارض أو فتر عن العبادة لسبب أو لآخر سيقع تقصيره في النوافل ولن يتعدى إلى الفرائض.
رابعاً: للنوافل أهمية بالغة في الآخرة وهي جبر النقص والخلل الذي يقع في الفرائض، والإنسان بطبيعته مقصر -لا محالة- في عبادته لله عز وجل ولا يستطيع أن يؤديها على الوجه الأكمل، وتأتي النوافل لتجبر الخلل وتكمل النقص الذي حدث في الفرائض، فعن أبي هريرة رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: “إنَّ أوَّلَ ما يحاسبُ بِه العبدُ يومَ القيامةِ من عملِه صلاتُه فإن صلحت فقد أفلحَ وأنجحَ وإن فسدت فقد خابَ وخسرَ فإن انتقصَ من فريضة شيئًا قالَ الرَّبُّ تبارك وتعالى انظروا هل لعبدي من تطوُّعٍ فيُكمَّلَ بِها ما انتقصَ منَ الفريضةِ ثمَّ يَكونُ سائرُ عملِه علَى ذلِك” (رواه الألباني، في صحيح الترمذي، عن أبي هريرة، الصفحة أو الرقم: 413).
خامساً: من الوظائف التي تؤديها النوافل في المجتمع قضاء حوائج الناس وإغاثة الملهوفين، فالزكاة المفروضة إذا لم تكف لسد حاجات المجتمع جاءت الصدقات لتكمل دور الزكاة في تحقيق التكافل الاجتماعي، وذلك من خلال تقديم المساعدات للمحتاجين عند حدوث الأزمات والكوارث.
_____________________________________
(1) ابن فارس (1979)، مقاييس اللغة، دمشق: دار الفكر، صفحة 455، جزء 5. بتصرّف
(2) الموسوعة الفقهية الكويتية (الطبعة الثانية)، الكويت: وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية الكويتية، صفحة 100-117، جزء 41، بتصرّف.
(3) المرجع السابق.
(4) المرجع السابق.
(5) الموسوعة الفقهية الكويتية، مرجع سابق.
(6) المرجع السابق.