أشيما كريشنا (*)
أصبحت الكنائس الشاغرة وغير المستغلة بالكامل مشهداً مألوفاً في المدن الأمريكية، منذ عقود.
وتقوم جماعات أو هيئات دينية حاكمة -مثل الأبرشية الكاثوليكية- في بعض الحالات، ببيع الكنائس للمطورين، الذين يحولونها إلى شقق أو مكاتب أو معارض فنية أو متاحف أو مصانع للخمور أو ساحات للعرض.
فماذا عن الكنائس في الأحياء التي لا تعمل بشكل جيد، والمناطق الأقل جاذبية للمطورين الذين يتطلعون إلى جني الأرباح؟
في بفالو، بنيويورك، تم تحويل كنيستين رومانيتين كاثوليكيتين فارغتين، ليس إلى شقق أو مكاتب، بل إلى أماكن عبادة أخرى، أصبح أحدهما مسجدًا إسلاميًا والآخر معبدًا بوذيًا.
وأنا كمهندس معماري ومخطط لحفظ التراث التاريخي، انجذبت إلى هذه الظاهرة، وبمساعدة إنجولي هول، الذي كان آنذاك طالب دراسات عليا في جامعة بفالو، أجريت مقابلات مع أولئك الذين شاركوا في تحويل الكنائس السابقة.
فمع تزايد أعداد المهاجرين واللاجئين في مدن ما بعد الصناعة في جميع أنحاء الولايات المتحدة، فإن تحويل الكنائس المسيحية الشاغرة إلى أماكن عبادة جديدة يمكن أن يحافظ على العمارة التاريخية ويعزز المجتمعات الناشئة.
انقسام في بفالو بين الشرق والغرب
كانت بفالو دائماً بوابة للمهاجرين، فمن عام 1850 إلى 1900، زاد عدد سكان المدينة بأكثر من 700%، وفي عام 1892 كان أكثر من ثلث سكان بفالو من المولودين في خارج أمريكا، واستقر البولنديون والألمان والإيطاليون في المدينة؛ مما أدى إلى موجة من بناء الكنائس، وفي الثلاثينيات من القرن الماضي، بدأ الأمريكيون الأفارقة بالهجرة من جنوب الولايات المتحدة إلى الجانب الشرقي من المدينة.
ولكن بحلول عام 2010، تضاءل عدد سكان المدينة إلى ما يزيد قليلاً على 260 ألف شخص؛ أي أقل من نصف سكانها في عام 1950.
ومع ذلك، ظهرت بفالو مؤخرًا في الأخبار لجهودها للتغلب على عقود من التراجع السكاني وسحب الاستثمار، ففي عام 2016، عرضت مذيعة “Yahoo News”، كاتي كوريك، التي كانت مفتونة بتحول بفالو المدينة في سلسلتها المكونة من 6 مقاطع فيديو “صعود المدن: إعادة بناء أمريكا”، بينما عرضت صحيفة “نيويورك تايمز” بالتفصيل التغييرات التي تحدث في بعض أحياء المدينة.
ومع ذلك، فقد تركز هذا الاهتمام العام بشكل أساسي على أحياء الجانب الغربي (ويست سايد)، التي شهدت الجزء الأكبر من الاستثمار والنمو السكاني، ولا تزال الأحياء في الجانب الشرقي من بفالو تواجه تحديات هائلة تتمثل في الفقر والبنية التحتية المتداعية والمنازل المهجورة.
ووفقًا لمسح المجتمع الأمريكي لعام 2015، أصبحت هذه الأحياء الآن ذات أغلبية أمريكية من أصل أفريقي، وأصبحت أيضاً موطناً لمهاجرين من جنوب آسيا، إلى جانب اللاجئين المعاد توطينهم من فيتنام وأفريقيا الوسطى والعراق.
وأثناء أحداث تنظيف المدينة أو زراعة الزهور، ليس من غير المألوف رؤية أعضاء معبد بيت صهيون وكنيسة وستمنستر المشيخية ومسجد نعمان يعملون جنبًا إلى جنب.
نظرة فاحصة على تحولين من إيمان لإيمان
اشتهرت آيا صوفيا في إسطنبول بأنها تحولت من كنيسة مسيحية إلى مسجد عام 1453.
نفس النوع من التحويلات كان يحدث في الجانب الشرقي من بفالو، فقد تم تحويل العديد من الكنائس الكاثوليكية السابقة، على مر السنين، إلى طوائف أخرى -المعمدانية والأسقفية الميثودية الأفريقية والإنجيلية- لاستيعاب الجالية الأمريكية الأفريقية في المنطقة.
ولكن العديد من الكنائس المسيحية السابقة في منطقة بفالو، الجانب الشرقي، أصبحت الآن بمثابة مواقع عبادة للأديان الأخرى، فمسجدا البيت المعمور وزكريا كانا كنيسة القديس يواكيم الرومانية الكاثوليكية والكنيسة الكاثوليكية البولندية الأم المقدسة على التوالي.
وفي النهاية، تم بيع كنيستين أخريين كانتا شاغرتين، وقد كافحت الأبرشية الكاثوليكية طويلاً من أجل بيعهما، فتحولت كنيسة ملكة السلام الرومانية الكاثوليكية إلى مسجد جامع، وأصبحت كنيسة سانت أجنيس الرومانية الكاثوليكية معبدًا بوذياً تابعاً لجمعية سانجا بيكسو البوذية الدولية.
ومن أجل دراستي هذه، أجريت مقابلات مع أولئك الذين شاركوا في تحويل هاتين الكنيستين الكاثوليكيتين لمعرفة المزيد حول كيفية تكييفهما بنجاح.
في الإسلام، مثلاً، هناك تحذير من عبادة الأصنام، لذا أزال القائمون على المسجد الجامع النوافذ الزجاجية الملونة والتماثيل والأيقونات، إلى جانب المقاعد ومحطات الصليب والمذبح، وقام متطوعون برسم لوحات جدارية للفنان المحلي جوزيف مازور وبتغطية الأرضية بالكامل بالسجاد حتى يتمكن المصلون من الصلاة على الأرض، حسب العادات الإسلامية.
ومع ذلك، بقيت العناصر الهيكلية للكنيسة كما هي، بما في ذلك “الجمالونات” الخشبية والأبواب والمباني المجاورة.
واليوم، يقدم المسجد مخيمات للأطفال ويدير مدرسة في المبنى، وسكان الحي -وليسوا جميعهم من المسلمين- يقدرون إلى حد كبير المنشأة الجديدة، وخاصة الملعب الجديد الموجود في المبنى.
من ناحية أخرى، قام المعبد البوذي بإجراء تغييرات قليلة جدًا على الداخل، من بينها إزالة محطات الصليب والمذبح، واستبدل الكاهن بيكسو ثيش مينه تشان التماثيل بتماثيل بوذا الكبيرة، لكن المقاعد لا تزال موجودة، باستثناء عدد قليل من الصفوف التي تم إزالتها وفرشها بالسجاد من أجل الصلاة.
وأخبرنا الجيران في الجوار المباشر -وقد حضر بعضهم قداساً للقديسة أجنيس- أنهم حزينون لرحيل كنيستهم، لكن معظمهم كانوا سعداء لأن المكان، على الأقل، استمر استخدامه كمكان للعبادة، بدلاً من أن يبقى شاغراً، أو يهدم، وهذا أسوأ، ومع ذلك تعرض المعبد للتخريب عدة مرات، فمن الواضح أن الجميع ليسوا سعداء بالتحول.
مدن أخرى، مثل سينسيناتي وديترويت، تتصارعان أيضًا مع قضية الكنائس الفارغة وغير المستغلة، وكل منهما، مثل بفالو، لديها عدد متزايد من المهاجرين.
لقد أظهرت بافالو كيف يمكن أن تكون التحويلات من الأديان إلى الأديان حالة مربحة لجميع المعنيين: فتبيع الأبرشية الممتلكات الزائدة عن الحاجة، ويتمكن المهاجرون من الحصول على ممتلكات من شأنها تعزيز مجتمعهم، وتبني المدينة قاعدتها الضريبية من خلال جذب سكان جدد إلى المنطقة.
_____________________________
(*) المدير المساعد، جامعة بوردو.
المصدر: “The Conversation”.