يرى ريتشارد فولك، مقرر الأمم المتحدة السابق، الخاص المعني بحقوق الإنسان في الأرض الفلسطينية المحتلة، أن تحقيق السلام في منطقة الشرق الأوسط، مُقترن بتفكيك “الفصل العنصري الصهيوني”.
وقال “فولك”، في حوار، إن “المستقبل السلمي للقضية الفلسطينية” لن ينشأ حتى “يفكك الكيان الصهيوني الفصل العنصري، وتوافق على معاملة الفلسطينيين بموجب معايير حقوق الإنسان، بما فيها حق تقرير المصير”.
و”فولك”، هو ناشط سلام وحقوقي أمريكي، شغل سابقا منصب مقرر الأمم المتحدة المعني بحالة حقوق الإنسان في الأراضي الفلسطينية، ويعمل أستاذاً للقانون الدولي بجامعة “برنستون” الأمريكية.
واتهم “فولك” الاحتلال الصهيوني بممارسة التمييز العرقي والعنصري بحق الفلسطينيين، عبر قوانين وممارسات متعلقة بـ: “حيازة الأراضي، وحقوق المواطنة والجنسية، وحرية التنقل، والإقامة الآمنة، وتطبيق القانون، وإصدار تصاريح البناء”.
وأوضح أن جوهر تلك الممارسات واحد، ويتمثل في “سيادة اليهود على غير اليهود، وخاصة الفلسطينيين”، وإن كانت سماتها تختلف من مجال إلى آخر، وباختلاف الأماكن من داخل “إسرائيل” إلى القدس الشرقية، أو الضفة الغربية، أو قطاع غزة.
**فصل عنصري
وفي سياق متصل، أشاد “فولك” بتقرير منظمة “بتسيلم” الحقوقية اليسارية الصهيونية، الذي صنّف – لأول مرة – “إسرائيل” بأنها “دولة فصل عنصري (أبارتهايد)، واصفاً ذلك بـ “التطوّر المهم للغاية”.
وأشار إلى أن تقرير “بتسيلم” يؤكد تقارير سابقة للأمم المتحدة تفيد بأن الفلسطينيين هم “ضحايا نظام الفصل العنصري، الذي يسعى لفرص سياسات وممارسات تضمن سيادة وتفوق اليهود، عن طريق التضحية بالشعب الفلسطيني في جميع أنحاء فلسطين التاريخية”.
ووصف “فولك”، “بتسيلم” بأنها “منظمة حقوق الإنسان الأكثر احتراماً في “إسرائيل””.
وفي يناير/ كانون الثاني الماضي، أصدر المركز الصهيوني لحقوق الإنسان في الأراضي المحتلة “بتسيلم” “ورقة موقف” أطلق فيها على الكيان الصهيوني وصف “دولة فصل عنصري” (أبارتهايد).
وعلّل المركز ذلك بأن “النظام الإسرائيلي يسعى إلى تحقيق وإدامة تفوق يهودي في المساحة الممتدة من النهر (الأردن) إلى البحر (الأبيض المتوسط)”، في إشارة إلى (أرض فلسطين التاريخية).
**الدولة الواحدة
وعلّق فولك على مستقبل السلام، وخيار حل الدولتين بين “إسرائيل” والفلسطينيين، بالقول إن واقع “الدولة الواحدة” بات الأساس الوحيد لأي عملية سلام مستقبلية ذات معنى، وهو ما يُشكل تحدياً في كيفية تشكيل حكومة مستقبلية على أساس المساواة العرقية الحقيقية”.
ويقصد بحل “الدولة الواحدة”، إقامة كيان ديموقراطي، يجمع اليهود والعرب، على أرض فلسطين التاريخية (“إسرائيل” والضفة الغربية وقطاع غزة).
لكن “إسرائيل”، ترفض بشدة هذا الخيار، كما ترفض حل الدولتين، وتصر على منح الفلسطينيين حكما ذاتيا محدودا على مناطق فلسطينية معزولة.
واعتبر فولك أن “سيطرة “إسرائيل” وحدها على الأرض كاملة، وإبقاء الفلسطينيين تحت الاحتلال، يشير إلى أن الهدف المدعوم دولياً لمفاوضات حل الدولتين، قد حلّ محله طموحات “الإسرائيليين” لاستكمال المشروع الصهيوني، وإقامة دولة يهودية حصرية على (الأرض الموعودة كاملة)”.
وزاد “فولك” بالقول إن “”إسرائيل” اعترفت ضمنياً بهذه الطموحات بالفعل عام 2018، حينما سنّت قانوناً أساسياً يؤكد أن الشعب اليهودي فقط هو من له الحق في تقرير مصيره داخل دولة “إسرائيل”، وأن مشروع الاستيطان، غير المشرع دولياً، يستحق الدعم الوطني، وأن اللغة العبرية هي اللغة الرسمية الوحيدة”، في إشارة إلى قانون “القومية”.
وقال إن “ورقة الموقف” الصادرة عن منظمة “بتسيلم”، ساهمت في تحديد عناصر الفصل العنصري “الإسرائيلي”، بالرجوع إلى سياسات وممارسات محددة يتم الاعتماد عليها للإبقاء على السيادة اليهودية داخل أراضيها السيادية.
وأضاف أن “من بين هذه المعايير التمييزية: ما يتم تطبيقه على الهجرة، بمنح اليهود في أنحاء العالم حق العودة بدون قيود، بينما يُحرم الفلسطينيون من أي حقوق هجرة، حتى في حالات ولادة الآباء أو الأجداد داخل أراضيها”.
لكن “فولك” لفت في ذات الوقت، إلى نقطة ضعف اعترت تقرير المنظمة، وهي أنها تتعامل مع الفصل العنصري باعتباره “سيطرة على الأراضي وليس الأشخاص”.
وأوضح أنه منذ عام 1948 وحتى الآن، “يعاني الفلسطينيون كشعب، حيث تم تهجير مئات الآلاف، وسُلبت ممتلكاتهم، وهذا جزء لا يتجزأ من الخطة “الإسرائيلية” الشاملة لبناء دولة ذات أغلبية يهودية”.
وتابع “الفلسطينيون الذين أُجبروا على التخلي عن وطنهم، هم ضحية الفصل العنصري، مثل الفلسطينيين الذين يعيشون تحت السيطرة الصهيونية”.
وبينما لم يصدر رد رسمي من حكومة الاحتلال الصهيوني على تقرير منظمة “بتسيلم”، قال فولك “لا أعتقد أن تتصرف “إسرائيل” بإنسانية أكثر تجاه الفلسطينيين كنتيجة لما نشره المركز”.
وتابع أنه يتوقع إدانة الحكومة الإسرائيلية للتقرير، وأن تصفه بأنه: “مثال لمعاداة السامية”، في محاولة للخلط بين انتقاد السياسات الحاكمة في إسرائيل وكراهية اليهود”.
**مجتمع دولي عالق
ورداً على سؤال حول موقف المجتمع الدولي من القضية الفلسطينية، أجاب فولك بالقول إن “المجتمع الدولي يبدو وكأنه عالق”؛ بسبب استمراره في التقيّد بدبلوماسية اتفاقية أوسلو (للسلام بين “إسرائيل” ومنظمة التحرير الفلسطينية لعام 1993) التي “فقدت مصداقيتها، والتي تقوم على حل الدولتين”.
وعبّر “فولك” عن إيمانه بأن “الحل العادل والشامل يمكن أن ينشأ من المقاومة الفلسطينية، ومبادرات التضامن العالمي، التي تبذل جهوداً للضغط على القيادة الإسرائيلية؛ من أجل إعادة حساب المصالح الوطنية”.
واختتم المقرر الأممي السابق حديثه بالقول: “إنه من المفيد أن نتذكر أن هذا المزيج من التطورات، هو ما يفسر الانهيار المفاجئ وغير المتوقع لنظام الفصل العنصري في جنوب إفريقيا”.
وفي عام 1948، ارتكبت العصابات الصهيونية المسلحة سلسلة مذابح بحق أهالي عشرات القرى والمدن الفلسطينية، أسفرت عن نزوح نحو 800 ألف فلسطيني، وقيام دولة إسرائيل على 78 بالمائة من أراضي فلسطين التاريخية.
ومنذ ذلك الوقت، يطالب اللاجئون الفلسطينيون، البالغ عددهم حالياً نحو 5.9 ملايين شخص بالعودة إلى أراضيهم، رغم مرور 70 عاماً على ما سُمّي بـ “النكبة”.
وبعد نحو ثلاثة عقود من الحرب العربية “الإسرائيلية” عام 1948، قامت إسرائيل باحتلال الأراضي الفلسطينية، بما في ذلك الضفة الغربية والقدس الشرقية وقطاع غزة عام 1967، فيما سُمّي بـ “النكسة”.
وقامت حكومة الاحتلال الصهيوني بإنشاء مستوطنات في الضفة الغربية والقدس، حيث يقيم فيها أكثر من 600 ألف مستوطن.
وتنص قرارات دولية عديدة صادرة عن الأمم المتحدة، على حق اللاجئين في العودة إلى أراضيهم، وهو الأمر الذي لم ينفذ حتى الآن.