تبحث الحكومة المصرية كل يوم عن مصدر جديد للاقتراض وبخاصة الخارجي، مع شهية مفتوحة على الأسواق الدولية دون تخطيط واضح يبرز دور هذه القروض في تحقيق مشروعات قادرة على دفع الاقتصاد، مما يخلق أعباء اقتصادية في المستقبل.
ويعد آخر تلك القروض هو ما ستستقبله مصر من شريحة ثالثة بقيمة 1.6 مليار دولار من قرض بـ5.2 مليار دولار، تم الاتفاق عليه في عام 2020م مع صندوق النقد الدولي.
كما أعلنت مصر، في 9 يونيو الجاري، عن نيتها دخول أسواق الدين الإسلامي من خلال طرح صكوك سيادية تتوافق مع الشريعة الإسلامية.
ليتبعها أيضاً طرح أذونات خزانة من قبل البنك المركزي المصري بالتنسيق مع وزارة المالية في 10 يونيو بقيمة بلغت 17.5 مليار جنيه مصري (1.11 مليار دولار).
وسجل الدين الخارجي لمصر بنهاية الربع الرابع من عام 2020م نحو 129.2 مليار دولار مقابل نحو 125.3 مليار دولار في نهاية الربع الثالث من نفس العام، بحسب البيانات المنشورة على الموقع الإلكتروني للبنك المركزي.
وتوقع تقرير دولي حديث أن يؤدي توسع مصر في الاقتراض المحلي والدولي إلى رفع مستوى الدين العام، ليصل إلى 116.8% من الناتج المحلي الإجمالي في نهاية العام المالي الحالي.
فجوة دولارية
ومع هذه التدفقات الكبيرة من القروض، يتساءل البعض عن قنوات إنفاقها، وبخاصة مع تراجع الخدمات الحكومية ورفع الدعم عن السلع الإستراتيجية.
وبحسب الخبير الاقتصادي، عبدالحافظ الصاوي، فإن هناك علامات استفهام كثيرة حول شفافية تصرف الحكومة المصرية في هذه الأموال، مشيراً إلى أن المعلن رسمياً من قبل الحكومة أن هذه القروض في الوقت الحالي تأتي لمعالجة الإصلاحات الهيكلية والأضرار التي لحقت بالاقتصاد المصري نتيجة جائحة كورونا مثل تراجع قطاع السياحة وحركة الملاحة الدولية في قناة السويس.
وأضاف الصاوي، لـ”المجتمع”، أن الحكومة المصرية تعودت ألا تطلع المواطنين على اتفاقياتها مع صندوق النقد الدولي أو غيره، ليس فقط على الاتفاقات والبنود العامة ولكن على الإجراءات التي يتم اتخاذها وتؤثر على الواقع الاقتصادي والاجتماعي للأفراد، مما يشير إلى وجود أزمة شفافية.
واقترضت مصر من صندوق النقد الدولي منذ عام 2013م نحو 3 قروض بقيمة تصل إلى 20 مليار دولار، وتحصل البلاد على هذه القروض شريطة تطبيق مجموعة من الشروط التي يفرضها الصندوق منها خفض عجز الموازنة وتعويم العملة المحلية وخفض الدعم.
من جانبه، يرى أستاذ الاقتصاد، أحمد ذكرالله، أنه توجد فجوة تمويلية كبيرة بالدولار لدى الإدارة المصرية نتيجة العجز المزمن للدولة المصرية، مما يجبر الدولة للجوء إلى الاقتراض سواء من المؤسسات الدولية أو الإقليمية أو من خلال طرح سندات خزانة للخارج بالدولار أو باليورو.
وأضاف ذكرالله، لـ”المجتمع”، أن هناك أيضاً فجوة تمويلية كبيرة بين الصادرات البالغة 30 مليار دولار والواردات البالغة 70 مليار دولار؛ مما يعني وجود عجز بنحو 40 مليار دولار، بالإضافة إلى الاستنزافات الأخرى لموارد النقد الدولي، مشيراً إلى أن الدولة تحاول أيضاً تثبيت سعر الجنيه لتسويق فكرة أن برنامج الإصلاح الاقتصادي الدولي الذي تم الاتفاق عليه في عام 2016م أتى بثمار جيدة على المواطن المصري، مؤكداً أن أموال تلك القروض تتوجه أيضاً إلى سداد أقساط وفوائد الديون فيما يسمى بترقيع الديون.
التبعية للمانحين
وتأتي تلك القروض محملة بالكثير من الاشتراطات والاتفاقات فيما يمكن أن نسميه قروضاً معلبة، لما لها من آثار سلبية على المواطنين بالإضافة إلى الأجيال القادمة.
وفي هذا السياق، يقول الصاوي: إن صندوق النقد الدولي على سبيل المثال طالب مصر بتقليص الدعم على السلع والطاقة، فضلاً عن تحميل المواطنين بكثير من الخدمات والسلع الحكومية، مشيراً إلى أن التوسع في الاستدانة قد يؤدي إلى خروج الدولة بشكل كبير جداً عن تقديم الخدمات للمواطنين، مشيراً إلى أن خير مثال على ذلك أنه في عز أزمة كورونا خلال عام 2020 كانت كثير من الخدمات في قطاع الرعاية الصحية مقدمة من خلال المواطنين.
بدوره، أوضح ذكرالله أن القروض لها أضرار كبيرة على الاقتصاد أهمها التبعية إلى المؤسسات المانحة، مشيراً إلى أن من يتحمل تبعات ذلك هو المواطن المصري من زيادة في الضرائب والجمارك ورفع الأسعار الخدمية المقدمة من الحكومة.
وأشار إلى أن هناك شروطاً ورهونات على الأصول المصرية تتم لكي تحصل مصر على هذه القروض التي لا يعرف عنها المواطن شيئاً ولا يسمح أن تتداول على الملأ، بالإضافة إلى أن هذه القروض تُحمل الأجيال القادمة مشكلات اقتصادية كبرى في المستقبل.
قروض مستمرة
ولكن وفق الأخبار والقرارات الاقتصادية التي تصدر يومياً عن المؤسسات الاقتصادية بالدولة تشير إلى أن القروض في مصر لن تتوقف، بل هي في اتساع من حيث الحجم والوسائل ومصادر التمويل، ففي كل يوم جديد يسمع المواطن عن سعي البلاد للاقتراض من مؤسسة جديدة أو عن استخدام وسيلة جديدة للتمويل.
وذلك دون البحث عن تحفيز الإنتاج والدفع بمعدلات النمو وغيرها من الحلول الاقتصادية التي تجنب البلاد وسيلة الاقتراض التي تعد مسكن لأزمة اقتصادية كارثية.
وأكد الصاوي أن مصر ستلجأ إلى مزيد من القروض، فالقاعدة التي أرستها الحكومة المصرية وهي الاستدانة والتوسع بها على الصعيد المحلي والخارجي بشكل كبير بسبب الفجوة التمويلية الكبيرة بين الإيرادات والمصروفات بالموازنة العامة التي تقدر بنحو 28 مليار دولار منها حوالي 18 مليار دولار يتم تدبيرها من السوق المحلية.
بينما تدبر البلاد 10 مليار دولار من السوق الخارجية عبر سوق السندات الدولية أو اتفاقات الديون الثنائية أو اللجوء لبعض المنظمات الدولية والإقليمية، وبالتالي لن تتخلى مصر عن القروض في ظل أدائها الاقتصادي الضعيف، وفق تعبير الصاوي.
وفي أواخر أبريل الماضي، أعلن وزير المالية المصري محمد معيط، عن توقع مصر بأن يكون دينها المحلي مؤهلاً للمقاصة الأوروبية ومفتوحاً أمام عدد أكبر من المستثمرين الأجانب بحلول نوفمبر 2021م، بهدف زيادة تدفق الديون الأجنبية وكبديل لأذون الخزانة والسندات المحلية.
من جهته، جزم ذكر الله أيضاً أن مصر ستلجأ إلى الحصول على مزيد من القروض خلال الفترة القادمة لأن السياسة الرئيسة في الدولة الآن هي إعادة تدوير القروض وبالتالي هي تحصل على قروض جديدة لتسديد قروض قديمة.
وكلما زادت الأقساط والفوائد، فإن الدولة ستلجأ لمزيد من الاقتراض، وبالتالي التوجه المتوقع والطبيعي خلال العام المالي القادم هو مزيد من الاقتراض لسداد الفجوة الدولارية بالموازنة العامة للدولة.