“تأجيل لحين انتهاء الترتيب”… هكذا الموقف في القاهرة التي كانت تنتظر، اليوم السبت 12 يونيو، الاجتماع المهم الذي دعت له مصر السلطة الفلسطينية وفصائل المقاومة ومنظمة التحرير الفلسطينية لترتيب البيت الفلسطيني، وتوحيد الصف الفلسطيني- الفلسطيني، وإجراء مصالحة بين فتح وحماس، وتشكيل حكومة فلسطينية بإجماع وطني.
الصحافة المصرية الحكومية والخاصة المقربة من السلطات باتت متحفظة للغاية في متابعة الملف بحسب ما رصد مراسل “المجتمع”، على عكس الدعاية الواسعة قبيل قدوم الوفود الفلسطينية إلى القاهرة للقاء مسؤولين مصريين كبار من الأجهزة السيادية، وراجت مضامين متواترة توجه رسالة إلى القوى الفلسطينية بضرورة استغلال ما وصف إعلاميا بـ”الفرصة التاريخية” للتقارب المصري الفلسطيني لإجراء المصالحة.
سر التأجيل!
البحث عن السبب ليس سهلا في ظل حساسية الموقف الفلسطيني المصري، وحرص الجانبيين على علاقات متوازنة في الفترة الأخيرة بحسب مراقبين، لكن ظهر في الساعات الأخيرة معلومات من شخصية أكاديمية مطلعة، وهو د. طارق فهمي مدير وحدة الدراسات “الإسرائيلية” بالمركز القومي للدراسات، ذكر فيها أن “كل فصيل من الفصائل يريد أن ينفذ أجندته ويحقق مطالبه وطرحه المباشر مع افتقاد الإرادة السياسية بعيدا عن تشكيل حكومة الوحدة الوطنية تحت مظلة التحرير”.
وأضاف أن “القاهرة تبحث عن وجود أرضية مشتركة بين الفصائل وأطروحات تخدم الصالح العام”، مؤكدا أن “القاهرة ما زالت الداعم الأكبر للقضية الفلسطينية، وستستمر في الدعم، رغم تأجيل الحوار الوطني فيها إلى أجل غير مسمى”.
في السياق نفسه، تحدث الكاتب المصري البارز فاروق جويدة في مقاله اليوم السبت بجريدة الأهرام الحكومية تحت عنوان “المصالحة الفلسطينية”.
الصحافة المصرية باتت متحفظة للغاية في متابعة الملف عكس الدعاية الواسعة قبيل قدوم الوفود الفلسطينية إلى القاهرة
جويدة حمل الفصائل الأزمة بحسب ما يرى قائلا: “إن الأزمة الحقيقية فى صفوف الفصائل بين فتح وحماس، وبين غزة والسلطة في رام الله، ولا بد من حسم الخلافات وتطهير النفوس ونسيان الصراعات القديمة.. ليس المهم من يحكم الآن ولكن من يصمد ويواجه”.
وأضاف أن “الكيان الصهيوني خسر كثيرا فى الحرب الأخيرة داخليا، وساءت صورته أمام العالم، وخسر تأييد شعوب كثيرة، ولا بد للجانب الفلسطيني أن يستغل هذه الظروف، خاصة أن القوى الفلسطينية نجحت فى أن تعيد القدس والمسجد الأقصى وقضية الأسرى إلى ساحة التفاوض، وهذا إنجاز كبير”.
ووجه جويدة رسالة للقوى الفلسطينية في نهاية مقاله حول أهمية الاتفاق الآن في ظل وجود اهتمام مصري رسمي، قائلا: إن “المهم الآن هو اتفاق رموز الشعب الفلسطيني فى هذه اللحظة التاريخية، ولتكن الانتخابات هي الطريق لاختيار الأفضل، وإن دعم مصر يمثل حافزا كبيرا فى هذه المرحلة التاريخية الصعبة، وعلى الجميع استغلال هذه الفرصة”.
فرصة سانحة
المضامين نفسها رائجة في تقارير متواترة في وسائل الإعلام المصرية المحلية، عن وجود خلاف بين حركتي فتح وحماس حول الموقف من منظمة التحرير الفلسطينية؛ فبينما تريد حركة “حماس” البدء الفوري في إصلاح الحركة، من دون انتظار عقد انتخابات، وبالتالي تشكيل حكومة وحدة وطنية، تذهب حركة “فتح” إلى أن الأولوية في الوقت الحالي هي معالجة الوضع الراهن؛ بإنهاء الانقسام، وتشكيل حكومة وحدة وطنية، وحل مشاكل قطاع غزة كافة؛ بعدما دمر الاحتلال نحو 60% من البنية التحتية للقطاع.
ولكن يبدو أن حماس ما زالت حريصة على العلاقة مع القاهرة في ضوء تقرير بثه موقع “القاهرة 24” المقرب من دوائر صنع القرار أمس الجمعة؛ حيث لفت الكاتب الصحفي المتخصص في الشأن الفلسطيني إبراهيم الدراوي الانتباه إلى عقد اجتماع بين وفد حركة حماس وحركة الجهاد الإسلامي الفلسطينيتين، في محاولة لتقريب وجهات النظر، وترتيب البيت الفلسطيني من الداخل، والوقوف على المشاكل التي عطّلت المصالحة الفلسطينية لسنوات.
ونقل الدراوي عن مصادر مطلعة تقدير الطرفين للجهود المصرية المبذولة لتوحيد الصف الفلسطيني في جميع الملفات التي تتابعها القاهرة عن كثب من إعادة الإعمار، مرورًا بوقف العدوان، وتثبيت التهدئة وملف الأسرى.
بينما تريد “حماس” البدء الفوري في إصلاح منظمة التحرير الفلسطينية دون انتظار الانتخابات، تذهب “فتح” إلى أن الأولوية هي معالجة الوضع الراهن
المعنى ذاته عمّقه د.حسن نافعة، أستاذ العلوم السياسية في جامعة القاهرة، في تغريدة له على حسابه الرسمى على موقع “تويتر”، أكد فيها أن هناك حرصا من قبل حماس وفتح على عدم التصعيد، وعدم تعميق الخلافات، وانتهاز هذه الفرصة الفريدة المتاحة حاليا، وعدم إضاعتها .
وأرجع ما حدث من تأجيل إلى تغيير في الأولويات بين الحركتين، وتعثر المصالحة مع قرار السلطة الفلسطينية بتأجيل الانتخابات، مشيرا إلى أن أيا من الدول أو الأطراف لا يمكنها أن تملي على الأطراف الفلسطينية صيغة معينة للوحدة.
وقدم د. نافعة في تغريدة أخرى مقترحا بتشكيل حركة وطنية فلسطينية في إطار مؤسسي يعكس ويعبر عن كل ألوان الطيف السياسي والفكري الفلسطيني، خاصة أن الانتفاضة الفلسطينية الراهنة، التي ما تزال مشتعلة وقادرة على إبهار العالم؛ استطاعت أن توحد الشعب الفلسطيني بكل مكوناته: في الضفة وغزة والأراضي المحتلة عام 48 وفي المنافي والشتات، وأيضًا بكل فصائله وألوان طيفه.
وأكد أن ما حدث يستحق من كل الفصائل واجب الارتقاء إلى مستوى الحدث، بالشروع على الفور في بناء منظمة تحرير فلسطينية جديدة؛ قادرة على قيادة النضال الوطني والتعبير عن طموحات الشعب الفلسطيني في هذه المرحلة الصعبة والحساسة.
وأشار إلى أن وجود عنوان فلسطيني يملك تفويضا بالتحدث باسم الشعب الفلسطيني هو وحده القادر على تحريك الشارع العربي وتحويله إلى قوة ضاغطة على الحكومات العربية لإجبارها، ليس فقط على ترجيح كفة المصالح القومية العليا على المصالح القطرية الضيقة؛ حين يتعلق الأمر بالقضية الفلسطينية، وإنما أيضًا لتقديم الدعم لكل أشكال المقاومة التي تختارها الحركة الوطنية الفلسطينية، سواء كانت مقاومة مسلحة أم بالوسائل السياسية.