كثير من أهل التخصص عرَّفوا الإعلام، وكل منهم له رأيه في هذا التعريف أو ذاك.
أقول: “الإعلام هو التفكير لصناعة التفكير والفكرة حالياً ومستقبلاً، والثقافة العفوية والخاصة المتخصصة؛ رؤية، وسمعاً، وكتابة، وقراءة، وإشارة، ورموزاً”.
الإعلام مسؤولية كبيرة، فلذلك؛ من يقف على مواقع المسؤولية في الإعلام نقول له: الله يثبتكم، ويوفقكم ويحميكم من أمرين في الإعلام، وهما سبب دماره وانهياره، وانهيار الإعلام يعني انهيار المجتمع أو الأمة التي يمثلها هذا الإعلام أو ذاك المنهار والمدمر.
أما الأمران، فهما:
الأول: غياب الاحترام والتقدير للمهنية، وتقديم أي شيء عليها؛ هوى، واسطة، مزاجاً، حقداً، غلاً، ثأراً.. إلخ، هكذا أول ما ينهدم في الصرح الإعلامي المهنية، وإذا انهدمت المهنية لم يصبح إعلاماً، بل أصبح تطبيلاً وتضليلاً، ونفاقاً، وتصفية حسابات، بل هو عين الكذب حينها، ولا يفرح في هكذا إعلام إلا الشيطان الرجيم وأجناده! ونذكر من هم من أجيالنا ومعاصرتنا بمراهقتنا وطفولتنا، نذكرهم بالإعلام العربي عام 1967م أيام النكسة، وأيضاً إعلام العراق أيام “صدام الفتنة”.
ثانياً: عدم التزام الإعلام بالمشروع الوطني الذي تسعى له الدولة، ومن ثم صرف النظر والتفلت من المشروع، والابتعاد عن مشاعر الشعب والشارع المعني.
إن هاتين النقطتين أو العنصرين أعلاه إن سادتا، وحسب فهمي للإعلام، فهما جديرتان وبقوة أكثر تدميراً وهدماً للمهنية ونسفها مما نتصور، ومن ثم لا أساس مهنياً للإعلام ولا قاعدة، ولا شك هذا هو الدمار للمجتمع حينها، نسأل الله السلامة والعفو والعافية، ويكون الإعلام حينها منطلقاً من منطلقات مزاجية مهدوم فيها التاريخ، وثقافة هذا المجتمع وتاريخه العلمي والتعليمي والفكري والاعتقادي.
حقيقة، أنا لا أتحدث عن نظريات وحقائق علمية أو أسس ومناهج أكاديمية، إنما أتحدت من منطلق ميداني عملت فيه، وعايشت عمالقة الإعلام/ الإذاعة، وهم عبارة عن جامعات متحركة تنثر علومها في أروقة الإذاعة، وتعلمنا منهم ما نفهمه ميدانياً في ميدان الإعلام، وعملياً وصناعة من أمثال: علي المفيدي، أحمد سالم، ماجد الشطي، هدى المهتدي، علي الزفتاوي (أستاذي ومعلمي)، وأستاذي محمد العفيفي، رحمه الله تعالى، وأمل عبدالله، والأديب الكبير عبدالله خلف التيلچي.. وغيرهم من العمالقة، وأيضاً لمتابعتنا فترة لوسائل الإعلام غير الكويتية، وأدركنا أخطاءهم وتجنبناها، والحمد لله رب العالمين، وما زال إعلامنا على خير بإذنه تعالى.
حقيقة، أود أن أشكر بعد هذا العرض الأخ العزيز، الذي شهادتي فيه مجروحة، أ. سعد فندي، أشكره لإصراره على بقاء بعض البرامج العريقة، وعدم لمسها أو مسّها بأي شكل من الأشكال في “إذاعة دولة الكويت”؛ مثل: “مساء الخير يا كويت”، “عالمكشوف”، “هاتف المساء”، “مسيرة الخير”.. وغيرها.
هي بصمة إيجابية وفنية عميقة وعالية، وفهم دقيق وبعيد لمفهوم البصمة الدقيقة فنياً ومهنياً حقيقة، وتحسب للأستاذ فندي.
من المعلومات التي استقيناها منذ نعومة أظفارنا إعلامياً في أكبر جامعة إعلام تعلمنا فيها “إذاعة دولة الكويت”، وهذا الكلام سمعناه من الإعلامي الكبير أ. علي المفيدي، رحمه الله تعالى، وهو يحاضر حينها إذا لم تخني الذاكرة للمذيعين الجدد في القرن الماضي، قال بمعنى الكلام وبشكل دقيق: المسؤول الناجح يجب أن يسعى على البرنامج الناجح، والبرنامج الناجح يعتمد على أمور، منها: الفكرة الحسنة التي تمس الجماهير في حياتهم، وحُسن الإخراج، وحُسن اختيار التوقيت بثاً، وحُسن المُقدِّم، والاستمرار، مضيفاً: ينجح البرنامج بهذه العناصر مع عدم التغيير بين فترة وأخرى إلا للضرورة، مع الاستمرار فترة طويلة مع عدم تغيير المذيعين بالذات والحرص عليهم، فهذا يولّد الحب مع الشارع والأصوات كمقدمين، ومن ثم حتى لو حصل خطأ أو هفوات حينها، يغض الطرف عنها المستمع ولا تؤثر على حبه للبرنامج.
شكراً بوراشد، ونتمنى على “تلفزيون الكويت” الرائع أيضاً أن يعيد النظر في برنامج “مساء الخير يا كويت” الذي حسب معلوماتي أنه قارب أن يكون داخل إحصاءات “جينيس”، أقولها كمحب لأحبابه وولاءً لمؤسسة لها عليَّ أفضال لا يعلمها ويحصيها إلا الله تعالى لا أكثر ولا أقل، أتمنى أن تعيدوا النظر في هذا القرار يا تاج الرأس.
أختم بقول لأستاذي ومعلمي محمد العفيفي، رحمه الله تعالى، مقولة في الإعلام قالها لي: للإعلام والإعلامي أعمدة محورية لا يمكن أن يقوم بناء للإعلام والإعلامي بدون هذين العمودين؛ المصداقية قدر ما تستطيع، وصدق المبادئ.
الإعلامي بلا مبدأ شجرة جرداء لها هيكل محطم من غير ظل محدود!
والإعلامي بلا مبدأ مجرم خطير شامل بكل معنى الكلمة، فالمجرم الفرد يؤذي الأفراد، وهو مجرم في عهده وعصره فقط، أما المجرم إعلامياً فيؤذي الشعوب بتاريخها الماضي، ويفسد حاضرها، وينثر الغبش على مستقبلها!
الإعلام صوت الأمة، وسيف الحق القاطع، وملاذ المظلوم، وكابحٌ للظالم، يدكُّ معالم أهل الهوى المستبدين.
فلذلك، اليوم من أشرس الحروب هي الحروب الإعلامية الناعمة، التي تقوم من خلال علوم الإعلام ووسائله للتدمير المستقبلي للمقابل، نسأل الله تعالى السلامة والعفو والعافية.
نحن في الكويت نحمد الله تعالى ونشكره، فإعلامنا بخير وفيه الخير الكثير، ورجاله أهل خير، نسأل الله تعالى أن يثبتهم لما يحب ربنا ويرضى، وأكرر شكري وتقديري للأخ الحبيب والصديق سعد فندي على تقديره، وهذا إن دل على شيء، فإنما يدل على فنية وخبرة، وبُعد نظر رائع في هذا المجال الدقيق والعميق، ولا شك موصول الثناء لكل الأحباب؛ بالإذاعة والتلفزيون، والله يحفظنا بحفظه.
_____________________________
إعلامي كويتي.