يقترب العراق من موعد الاستحقاق الانتخابي المبكر، حيث من المقرر إجراء الانتخابات التشريعية في 10 أكتوبر/تشرين الأول القادم، وسط احتقان وتنافس سياسي غير مسبوق مع تطبيق قانون الانتخابات الجديد الذي اعتمد الدوائر الانتخابية المتعددة داخل كل محافظة.
وعلى عكس الدورات الانتخابية السابقة التي كانت فيها الدعاية الانتخابية تنطلق قبل شهر من موعد الانتخابات انطلقت هذه المرة قبل 3 أشهر من موعد الانتخابات، وستستمر إلى ما قبل موعد الانتخابات بـ24 ساعة، وهي فترة الصمت الانتخابي.
ونظرا للمدة الطويلة للدعاية الانتخابية تطرح العديد من الأسئلة عن كيفية تمويل الأحزاب والكتل السياسية الدعاية والمؤتمرات الانتخابية، ولا سيما أن القانون العراقي لم يحدد سقفا محددا للإنفاق.
إنفاق بلا حدود
لا يزال ملف الإنفاق على الحملات الانتخابية في العراق محل بحث وسجال بين كثير من المراقبين للشأن العراقي، مع عدم وجود آلية لتحديد كم الأموال التي يمكن للأحزاب استخدامها.
وفي هذا الشأن، أكدت المتحدثة باسم المفوضية العليا المستقلة للانتخابات في العراق جمانة الغلاي أن القانون العراقي لم يضع محددات على الصرف على الدعاية الانتخابية.
وأضافت الغلاي في حديث للجزيرة نت أن المفوضية تلتزم بما أقره القانون العراقي في تحديد أماكن نشر الدعاية الانتخابية وعدم إثارتها النعرات الطائفية والقومية، مع وجود عقوبات على المخالفين، دون أن يشمل عمل المفوضية مراقبة كمية الأموال التي تصرفها الأحزاب على دعايتها الانتخابية.
“شرّع البرلمان العراقي قانون الأحزاب العراقي عام 2015، إلا أنه لم يشر في أي من فقراته إلى كيفية تمويل الأحزاب أو وضع ضوابط لها”، وذلك بحسب الخبير القانون علي التميمي.
وفي حديث للجزيرة نت، يقول التميمي إن أغلبية دول العالم تضع محددات لصرف الأحزاب على الحملات الدعائية من خلال فتح حسابات مصرفية لها، وهو ما لم يتضمنه قانون الأحزاب العراقية وقانون الانتخابات الجديد الذي تم إقراره العام الماضي.
ويرى أن عدم تحديد الصرف على الدعاية الانتخابية يؤدي إلى لجوء كثير من الأحزاب إلى مصادر تمويل خارجية، لافتا إلى أن ذلك سينعكس سلبا على ولاء بعض النواب للبلاد، مما قد يفتح شهية الأحزاب على استخدام المال السياسي وأي مصادر أخرى متاحة لها.
ويذهب في هذا المنحى هاشم الجبوري -وهو أحد أبرز الناشطين في الحراك الشعبي العراقي الذي انطلق في أكتوبر/تشرين الأول 2019- حيث يرى أن العراق فيه ملفات فساد كبيرة، من ضمنها مصادر تمويل الأحزاب لحملاتها الدعائية ونشاطاتها.
الجبوري أكد أن قانوني الأحزاب والانتخابات فيه العديد مما وصفها بـ”العيوب”، لافتا إلى أن الكتل السياسية الحاكمة لديها قدرة كبيرة على الوصول لأموال الدولة في البلاد، بحسبه.
من جانبه، يعلق النائب عن اللجنة المالية النيابية أحمد حمة رشيد قائلا إن عدم وضع آليات ومحددات لصرف الأحزاب على الحملات الدعائية جعل الأمر مفتوحا على مصراعيه، مما جعل بعض الكتل السياسية تصرف على حملاتها الانتخابية ما يقارب 150 مليون دولار حتى الآن.
المال السياسي
ويتابع رشيد -وهو مرشح عن قائمة العدل الكردستانية- في حديثه للجزيرة نت أن العديد من النواب كانوا قد حذروا سابقا من أن المال السياسي والسلاح المنفلت سيؤديان إلى عدم نزاهة الانتخابات، وأن الوزارات ومؤسسات الدولة باتت استثمارا ناجحا للأحزاب التي تتولاها، بحسب تعبيره.
ويتفق مع هذا الطرح الأمين العام للحزب الإسلامي العراقي رشيد العزاوي المرشح عن قائمة العقد الوطني، حيث أضاف أن طول الحملة الانتخابية -التي تمتد 3 أشهر- يعد مهلكا ومتعبا للأحزاب التي ليس لديها كم كبير من الأموال.
وأكد العزاوي في حديثه للجزيرة نت أن الكتل السياسية الكبيرة استفادت من طول الحملة على عكس الأحزاب الصغيرة، مشيرا إلى أن حزبه لم يبدأ حملته الانتخابية حتى الآن، وأنه سيبدؤها قبل 10 أيام من الانتخابات بسبب قلة التمويل.
وعن مصادر الأموال التي تستخدمها الأحزاب، أوضح العزاوي -الذي يشغل عضو اللجنة القانونية النيابية والمتحالف مع رئيس هيئة الحشد الشعبي فالح الفياض- أن أغلبية الأحزاب متواضعة من حيث الإمكانيات المادية، مشيرا إلى أن قدرة الأحزاب داخل الكتلة الواحدة تختلف من حزب إلى آخر، معلقا “المال السياسي هو الفيصل، مما سيؤثر على مشاركة العراقيين في الانتخابات التي قد لا تزيد نسبتها في الانتخابات المقبلة على 30%”.
استثمارات خاصة
من جانبه، يرى الباحث في الشأن الاقتصادي محمد الحمداني أن الأحزاب السياسية في العراق -ولا سيما الكبيرة منها- استفادت من عمر العملية السياسية في البلاد والذي يزيد على 18 عاما، وبالتالي استطاعت هذه الأحزاب جمع الكثير من الأموال.
ويضيف الحمداني للجزيرة نت أن هذه الأحزاب ومنذ سنوات وتحديدا مع انهيار أسعار النفط والأزمة الاقتصادية بالعراق عام 2014 شرعت في استثمارات اقتصادية خاصة بها داخل وخارج البلاد، وهو ما يتبين جليا في كم المشاريع الاستثمارية التي تحظى بها بعض الأحزاب الكبيرة في المدن العراقية.
أما الباحث السياسي غانم العابد فيرى في حديثه للجزيرة نت أن تمويل الأحزاب لدعايتها الانتخابية ينقسم إلى طريقين، فإما أن يكون خارجيا من خلال الاستثمارات والدعم الإقليمي المباشر أو داخليا من خلال المال السياسي والعقود الحكومية واستغلال مؤسسات الدولة.
صعوبات جمة
من جهته، يرى أحمد فكاك البدراني المرشح عن تحالف رأي نينوى المنضوي ضمن تحالف “تقدم” الوطني برئاسة محمد الحلبوسي أن طول مدة الدعاية الانتخابية عطل العمل الحكومي والوظيفي، ولا سيما أن كثيرا من المرشحين للانتخابات هم موظفون في القطاع العام، وبالتالي هناك استغلال واضح للمؤسسات الحكومية في الدعاية الانتخابية، سواء كان ذلك من خلال الأموال أو من خلال استغلال ممتلكات مؤسسات الدولة.
وفي حديثه للجزيرة نت، يضيف البدراني -الذي يعمل أستاذا في كلية العلوم السياسية بجامعة الموصل- أن هذه المعادلة أثرت سلبا في قدرة المرشحين المستقلين غير الموظفين على منافسة المرشحين الآخرين، لافتا إلى أن هذه الانتخابات تعد الأصعب في تاريخ العراق بعد الغزو، ولا سيما مع طول مدة الدعاية الانتخابية والدوائر المتعددة والمال السياسي، مما سينعكس على نوعية النواب داخل البرلمان العراقي القادم، حسب رأيه.
وكان رئيس الحكومة العراقية مصطفى الكاظمي قد أعلن مؤخرا عن الشروع في التحقيق بمزاعم استغلال موارد الدولة في الحملات الدعائية للانتخابات البرلمانية المبكرة المقررة في أكتوبر/تشرين الأول المقبل.
وقال الكاظمي “إن هناك شكاوى عن استغلال موارد الدولة في الحملات الانتخابية من قبل وزراء مرشحين أو مسؤولين لديهم نفوذ في الدولة، ويجب ألا يكون هناك تداخل في المسؤولية التنفيذية بهذه الحكومة”.
وأكد أن حكومته بدأت تحقيقا واسعا في وزارتين (لم يحددهما) حول تورط مسؤولين في استغلال أموال الدولة في الحملات الانتخابية.