أعلن في تونس، أمس الإثنين، عن تركيبة الحكومة الجديدة التي تضم 24 وزيراً وكاتبة دولة، بينهم 9 نساء برئاسة نجلاء بودن التي لن تمارس الصلاحيات التي منحها إياها الدستور بعد تجاوزه من قبل الرئيس قيس سعيّد، واستبدله بما وصفه بالإجراءات الاستثنائية على خلاف ما تم ضبطه في الدستور وتحديداً المادة (80) من الدستور، التي لم يتقيّد بها سعيّد واجتهد خارج النص أو مع وجود النص.
وجوه قديمة
أعاد سعيّد إلى الحكومة التي ترأسها نجلاء بودن الوزراء الذين تم طردهم من قبل رئيس الحكومة المنقلب عليها هشام المشيشي، حيث تمت إعادة 3 وزراء كان قد أقالهم المشيشي من حكومته، وهم توفيق شرف الدين الذي يعود إلى وزارة الداخلية، وكمال دقيش إلى وزارة الشباب والرياضة، وهي نفس الحقيبة السابقة، إلى جانب عودة ليلى جفال إلى الحكومة، حيث تقلدت حقيبة وزارة العدل بعد أن شغلت حقيبة أملاك الدولة والشؤون العقارية في حكومة المشيشي، واحتفظ آخرون بمناصبهم مثل وزير الخارجية عثمان الجرندي، ووزير التربية فتحي السلاوتي، والوزيرة المكلفة بتسيير وزارة المالية سهام نمصية بوغديري، إلى جانب المكلف بتسيير وزارة تكنولوجيات الاتصال نزار بن ناجي، والمكلف بوزارة الصحة علي مرابط.
وتعدّ الحكومة الجديدة التي ترأسها نجلاء بودن عاشر حكومة تتداول على السلطة التنفيذية، منذ عام 2011، وثالث حكومة منذ الانتخابات الرّئاسيّة السابقة لأوانها والبرلمانية عام 2019م، بعد استقالة حكومة إلياس الفخفاخ في يوليو 2020م، وحكومة هشام المشيشي الذي انقلب عليه وعلى البرلمان، والدستور، الرئيس قيس سعيّد، في 25 يوليو 2021م.
سعيّد أعاد إلى الحكومة 3 وزراء كان قد أقالهم المشيشي
التحديات التي تواجه الحكومة
أول التحديات التي ستواجه الحكومة المؤقتة هي الشرعية، فالكثير من خبراء القانون الدستوري يؤكدون أن الحكومة لن تكون شرعية إلا بعد التصويت عليها داخل البرلمان.
وثاني التحديات هي الضبابية التي تحيط بعملها؛ لأن مهمتها تنتهي حالما يعلن سعيّد عن انتهاء الإجراءات الاستثنائية، وبالتالي لا تعرف المدة التي ستستغرقها في الحكم، وبالتالي لا يمكنها التعاطي مع إستراتيجية طويلة المدى، وإنما ستكون حكومة تنفيذ لما يريده ويرغب فيه سعيّد، وهو أيضاً لا يملك برنامجاً واضحاً قابلاً للتطبيق.
ثالث التحديات، افتقار بودن للتجربة الكافية لمواجهة الأوضاع الحرجة التي تمرّ بها البلاد، وستكون مكبلة، وعبّر عن ذلك العديد من الخبراء الذين وصفوا بودن بأنها كمن يركب دراجة بدون عجلات أو عجلاتها في يد سعيّد.
التحدي الرابع هو أن حكومة مؤقتة مهما طالت فترتها لا يمكنها كسب جملة من الرهانات، أبرزها الرهانات الاقتصادية والمالية المتردّية، والناجمة عن تفاقم المديونية وتراجع الاستثمارات الأجنبية وتدهور الميزان التجاري، وارتفاع التضخم وتدهور قيمة العملة المحلية، إضافة إلى ما يتهدّد المالية العمومية، بعد التحذيرات التي أطلقها البنك المركزي.
وما انفك هؤلاء الخبراء يؤكدون أنّ أهم تحدٍّ مطروح أمام حكومة بودن هو إنعاش الاقتصاد المنكمش والهش، والتوصّل إلى اتفاق مع صندوق النقد الدولي من أجل الحصول على قرض، والإسراع بإعداد ميزانية العام المقبل مع تحقيق التوازنات المالية الكبرى للبلاد، والحيلولة دون الحط من ترقيم تونس السيادي من قبل وكالات التصنيف الدولية.
لقد تحدثت بودن عن إعادة الثقة إلى السياسة في تونس، وإلى الشركاء الدوليين ولا سيما المؤسسات المالية لكنها لم تقل كيف، وهو كلام كرره من سبقها دون جدوى.
كيف ستستجيب؟
لقد كان حديث الرئيس سعيّد عائماً وهلامياً كعادته عند تنصيب حكومته الجديدة، حيث تحدث عن مقاومة الفساد، والاستجابة لمطالب التونسيين، وذكّر البعض الرئيس بمحاولاته السابقة متسائلاً: هل ستواصل اقتحام المخازن وخلعها على طريقة الحرامية والسراق، أو تداهم مخازن الحديد لتكتشف أنها تعاني من قلة المادة الأصلية للتصنيع وليس الاحتكار؟!
خبراء القانون: الحكومة لن تكون شرعية إلا بعد التصويت عليها داخل البرلمان
وكان مجلس البنك المركزي التونسي قد حذّر من استمرار تدهور المالية العمومية، وما سيكون لذلك من تداعيات سلبية جداً على التوازنات الخارجية، معبراً عن انشغاله أيضاً إزاء الشح الحاد في الموارد المالية الخارجية، مقابل الحاجيات المهمة لاستكمال ميزانية الدولة لعام 2021.
أمّا محافظ البنك المركزي، مروان العبّاسي، فقد أكّد خلال لقائه الرئيس سعيّد، يوم 7 أكتوبر الجاري، أنّ الوضعية الاقتصادية خلال الفترة الماضية كانت صعبة ولا سيما جراء تداعيات أزمة “كوفيد 19″، معرباً عن أمله في أن يتحسن الوضع المالي أكثر خلال الفترة القادمة، لإيجاد التمويل اللازم لعام 2022، لكن لا مؤشرات على ذلك.
مقاربة تشاركية
يعتبر شق آخر من المتابعين للشأن العام في تونس، أنّه من الضرورة بمكان أن تعمل حكومة بودن أيضاً، في الفترة المقبلة، على تقديم رؤية واضحة بخصوص الملف الاجتماعي، وأن تحرص على معالجة عدد من الملفات العالقة بشكل جدي، بما يستجيب إلى تطلعات التونسيين، مبرزين أهميّة أن تشمل الإصلاحات مختلف الأصعدة، بما فيها الاجتماعية والحقوقية.
كما دعوا الحكومة الجديدة إلى ضرورة تبنّي مقاربة تشاركية في إعداد الإصلاحات الهيكلية وإلى انتهاج سياسة تواصلية مفتوحة وشفافة لتوضيح الخطوات القادمة، ملاحظين أنّه بقدر ما بدا تعيين نجلاء بودن، خطوة إيجابية نحو تونس جديدة، إلا أن ذلك لا يخفي حجم الملفات التي تنتظر حكومتها، في ظل عدم استقرار الوضع الوبائي في البلاد، رغم التحسّن المسجّل في هذا الصدد.
ورغم وجاهة الطروحات، فإن هؤلاء فاتهم أن حكومة بودن مؤقتة، وقد لا يسعفها الوقت لتنفيذ كل ذلك ليتحول إلى عبء ثقيل سيزيد من خيبة الأمل التي تنمو مع الأيام منذ 25 يوليو الماضي.