طبعاً لا يمنع التعامل مع منظمات حقوق الإنسان، وهي عند العالم الآخر من الديانات الأخرى أمر جيد، وهي كذلك، وخصوصاً عند عامة الناس ما لم تمس الدين، أما المنظمات فلنا تحفظ في مدحها وتفاصيل عملها، ومع ذلك نحن لا نعتب على الغالب منها، فهي تتعامل مع الإنسان وحقوقه من منظور ومنطلق خارج نطاق الدين والعقيدة عموماً، وهي ترى نفسها أرقى من مفاهيم ونصوص الدين! ولكن حينما ننظر إلى الدين العظيم دين الإسلام نجد أن حقوق الإنسان، وحقوق بقية المخلوقات من حيوان ونبات وطبيعة متوافرة، حيث الحفاظ عليها أصل ومذكور بنصوص قرآنية، أو بنصوص السُّنة المطهرة، على صاحبها أفضل الصلاة وأزكى التسليم، ولكن مع الأسف؛ نحن أهل الإسلام من أضاع هذه الإنسانية أو هذا الرقي الإنساني الأصيل في ديننا العظيم، وفي تراثنا التاريخي والروحي، العقائدي الإسلامي ورونقه، وذلك لأسباب كثيرة، أهمها ثلاثة:
الأول: الضعف.
الثاني: وهو المنبثق من الضعف أصلاً، وهو ما زرعه العدو في الأمة من أنظمة موالية له منذ العشرينيات من القرن الماضي لتعمل بعيداً عن روح الدين الإسلامي، وذلك في أقل الأحوال إن لم تعاده.
هي عملت على تقديم الهامشي كثقافة عامة على المهم والأهم، هذا إن لم تسطح أو تجرم الأهم والأولى، وتعمل على دفن كل ما هو حضاري في الأمة، وإظهار كل ما هو دروشة وسطحية بكل معنى الكلمة، حتى أصبحت لدينا أجيال تجهل الكثير والكثير من رموز ورقي دينها وحضارته، ولا ترى حضارته قبل الإسلام وبعد الإسلام إلا بالدماء والظلم والقهر وما شابه!
الثالث: الظلم الدكتاتوري الذي تراه شعوب الأمم الأخرى في بلاد المسلمين، ومن ثم تحكم على الإسلام والمسلمين أنهم لا حقوق لهم ولا يحزنون، فلذلك تكون لدى الآخرين القناعة أن تدخلهم فيما هو خاص جداً في الأمة أمر ضروري، ويجب نسخ الدين، أو أمور كثيرة من الدين والعقيدة الإسلامية، وأن هذا النسخ أمر لا بد منه، ومن ثم تغييره بما يريد العدو أو الأمم الأخرى عن طريق منظماتهم المزعومة وما شابه بدلاً ومكان المحذوف، خصوصاً إذا ما علمنا أن العدو وخدمه العاملين له يرونها ليست قضيتهم! كأمم وشعوب، لا دخل لها في هذا الدين الإسلامي، وهذا في حال حسن الظن بهم!
هذه الأسباب التي أراها بالفعل أثرت على أمة الإسلام في نظري، ومن ثم قامت الأمم الأخرى تنظر وتقنن لنا بصفتنا أمة لا تملك حضارة إنسانية قادرة على أن تجاري العصر، ونحن نخضع لثقافاتهم، وأعلامهم، ومناهجهم التعليمية مع الأسف بشكل أو بآخر.
الطرف الآخر الأجنبي، نحن أحياناً كثيرة لا نلومه، وخصوصاً شعوبهم لا حكوماتهم المجرمة، فهو -المواطن الأجنبي- يتعامل مع الدول ومؤسساتها، ونلومه حينما يرى هذه الدول الإسلامية أو تلك، لا مؤسسات لديها وعندها، وإن كانت هناك مؤسسات من الممكن بجرة قلم ينتهي مفعولها، أو يتغير كيانها وأسلوبها وآلياتها العملية إلا ما رحم ربي، ونحن إذ نعتب، نعتب على بني جلدتنا الذين يسعون إلى أن يجعلوا من حقوق الإنسان ديناً جديداً ناسخاً لدين محمد صلى الله عليه وسلم بشكل أو بآخر، وذلك باسم الإنسانية وما شابه تمويهاً، نسأل الله السلامة العفو والعافية، وهم يسعون مع أعداء الأمة أحياناً لغفلة فيهم، وأحياناً لأوامر إجبارية جاءتهم من أسيادهم! وذلك تحت مسمى حقوق الإنسان والأقليات، وحقوق المرأة وما شابه من كذب ودجل وتمويهاً، يناصرون حقوق الإنسان وإن خالفت أصول الدين، وتجد البعض منهم يظهر بصورة المشايخ، ويفتي بفتاوى البلاوي، تصنع “العبط” والسطحية بكل معنى الكلمة، وهم يتقصدون هذا التسطيح، فمثلاً الفتاوى في عدم الاحتفال بأعياد رأس السنة الميلادية، عيد النصارى، أفتى العلماء وأفتى كل مفتي شريف عالم أنه لا يحوز الاحتفال بهما، وهذا الكلام موجه للمسلمين لا النصارى، وأيضاً خص النصارى في بلاد المسلمين بأن يحتفلوا في كنائسهم وفي منتدياتهم وفي بيوتهم، وما حرم الإسلام ذلك، ونحن نعلم أن مشايخنا الأفاضل الكرام، هذا ما يقصدونه بالشكل والفهم المتكامل الشامل، وأيضاً يقصدون بالحرمة؟ الحرمة على المسلم الذي يتقصد الذهاب إلى أماكنهم واحتفالاتهم ليحتفل معهم وبطريقتهم، فهذا لا يجوز، كما يقصدون المسلم بالحرمة الذي يحاول أن يمنعهم من الاحتفال في أماكنهم على حد سواء، هذا هو الفهم الصحيح للفتاوى من العلماء المحترمين والمعتبرين، ولا أعتقد أن هناك من يمنع شرعاً أن تقول لجار لك، أو صديق حميم مسيحي التقيته صدفة وقلت جملة طيبة ذات وجوه مثلاً: “الله يديم علينا جميعاً الخير”، مثلاً من باب المجاملة الإنسانية والاجتماعية، ولا يعني هذا التساهل فيمن يقول: إن لله ولداً!
المشكلة أن من هو من بني جلدتنا، مع الأسف، يخلط الحابل بالنابل، أو أنه يأخذ رأي المشايخ المتشددين ويجعل منه الدين الإسلامي ولا سواه، وذلك لشيء كبير من الغبش في نفسه! ومن ثم هذه النوعية من الناس تجري بكل ما تستطيع خلف حقوق الإنسان لدعم قراراتها، التي بين فترة وفترة تقضم قضمة من عقيدة ودين الأمة الإسلامية وبمنهجية، لها زمنها وكمها وكيفها، ومع مرور الزمن وتراكم القضمات وتكرارها، نجد أن حقوق الإنسان هي الدين الجديد الناسخ لدين محمد صلى الله عليه وسلم، وهذا هدف محوري لهم ولخدمهم من العلمانيين من بني جلدتنا، وهو هدف جوهري لأسيادهم مديري المشارق العظمى الماسونية، التي تتفق مع هذه المسيرة أو بالأحرى من صنع هذا التوجه، وأيضاً هي هدف أهل البدع للتحرك ببدعهم من غير رادع ولا رقيب، وقبل الختام أقول للحقوقيين من أهل الدعوة والعلم الشرعي: ألا يوجد فيكم رجل يصنف لنا مصنفاً مبسطاً، فيه ما يلجم أدعياء حقوق الإنسان الذين يتطاولون على الدين بشكل أو بآخر؟ ولكن بشرط أن يكون المصنف مبسطاً، وينزل مؤلف هذا المؤلف من برجه العاجي والعلمي، ويتحدث فيه بمستوى فهم الشباب، واستيعابهم، وبمستوى ثقافة الشارع العام.
أخيراً، حتى يقال عنك مثقف فقل: أنا لا أؤمن بنظرية المؤامرة!
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
إعلامي كويتي.