بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية، واكتشاف العالم لمدى التأثير الإعلامي المدمر الذي مارسته أجهزة الإعلام في تأجيج الحروب، والحض على العنف وارتكاب المذابح، تم محاكمة الإعلاميين كمجرمي حرب في محكمة “نورنبرج” التي تم إنشاؤها لمحاكمة مجرمي الحرب العالمية الثانية، وتم الحكم بالإعدام على الصحفي الألماني يوليوس ستراخر بتهمة التحريض والحض على الكراهية.
وخلال محكمة “نورنبرج”، تم تحديد الحرب الدعائية على أنها أداة من أدوات الحرب بجوار الحرب بالسلاح والحرب الاقتصادية، ومن ثم بدأت الدول المتقدمة في وضع قيود على الخطاب الإعلامي، وتجريم خطابات التحريض والحض على الكراهية.
ومن أبرز الجرائم الإعلامية الجريمة التي مهدت للمذابح التي جرت في رواندا بين قبيلتي الهوتو والتوتسي عام 1994م، وسقط فيها 800 ألف قتيل خلال 3 أشهر فقط، وتم إدانة الإعلاميين الروانديين بصفتهم مجرمي حرب أثناء محاكمتهم أمام المحكمة الجنائية الدولية الرواندية لمحاكمة مجرمي الحرب؛ فقد كان لأجهزة الإعلام دور حاسم في تأجيج الكراهية ضد قبيلة “التوتسي”، ودأبوا على وصفهم بالصراصير والثعابين، مع تكرار الوصف والتأكيد عليه مصحوباً بالدعوة لسحق الصراصير وقتل الثعابين، وتم تأليف أغاني ترددها الإذاعة بحماس لتأكيد وصف التوتسي بالصراصير.
ميراث طويل من المآسي حمله تاريخ المجتمع البشري من وراء حملات بث الكراهية، جعل الأمم المتحضرة تضع القوانين التي تحول دون استخدام المنصات الإعلامية للحض على الكراهية والعنف، وتجريم من يخالف ذلك، حفاظاً على متانة نسيج مجتمعاتها.
بينما أجهزة الحكم غير المسؤولة ما زالت تستخدم أجهزة الإعلام وتوظفها في بث دعاية ممنهجة للحض على الكراهية، وضرب مكونات المجتمع بعضها بعضاً.
وتحت ضباب دخان الحرائق المشتعلة في نسيج الوطن، تتم سرقة مقدرات وحريات الشعوب المشغولة بمعاركها الوهمية، والتجاذب حول مسائل حسمتها المجتمعات المتقدمة، التي سبق أن صنفت الإعلاميين المحرضين كـ”مجرمين”.