بداية، وقبل كل شيء، لنذكر بعض المعلومات التعريفية للغباء.
الغباء هو عكس الذكاء، أو بالأحرى وبدقة أكثر أن يكون الإنسان أمام مفترق طرق عديدة والنقص والانزلاق في هذه الطرق معلوم، وهي نقص التعلم وعدم الاعتراف بالنقص، قلة الشعور والإحساس الإنساني، عدم الفهم أو قلته وادعاء عكس ذلك، وادعاء الذكاء من غير دليل، أو التعالم والأستاذية تعالياً، الرعونة والغرور والعجب بالنفس، قصر النظر وعدم قدرة التفكير البعيد والنظر، مع الجهل العميق في الخصم أو المقابل.. هذه هي حزمة أو الطرق التي مركزها الغباء، أو بالأحرى بمجموعها يكون الغباء.
كل طريق من هذه الطرق يدل على عود من عيدان حزمة الغباء، ومن يأخذ منها يكون غبياً حسب نوعية العود أو الأعواد التي أخذها، وأخطر أنواع الغباء، حسب وجهة نظري الشخصية، ادعاء العلم والتعالم والتذاكي مع الكبر والغرور، وكما يقول أهل الحكمة: “أغبى الناس من لا يحترم ذكاء الناس وإن فاض علمه وذكاؤه”.
وعدم احترام ذكاء الناس هو الغباء الأقوى الذي يدخل من خلاله الشيطان الرجيم على الإنسان وبقوة، كما يدخل على المجرمين وأدعياء البطولات كما فعل مع صدام الفتنة، وهتلر، وستالين، وماركس، وعبدالناصر، وأمثالهم.. فكل منهم نظر إلى غيره نظرة الاستصغار، وكما يفعل أجهل خلق الله تعالى وأغباهم اليهود، كما بين الله تعالى ذلك في كتابة العظيم: (وَمِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مَنْ إِن تَأْمَنْهُ بِقِنطَارٍ يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ وَمِنْهُم مَّنْ إِن تَأْمَنْهُ بِدِينَارٍ لاَّ يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ إِلاَّ مَا دُمْتَ عَلَيْهِ قَآئِماً ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُواْ لَيْسَ عَلَيْنَا فِي الأُمِّيِّينَ سَبِيلٌ وَيَقُولُونَ عَلَى اللّهِ الْكَذِبَ وَهُمْ يَعْلَمُونَ) (آل عمران: 75)، نعم يرون أنفسهم شعب الله المختار الذي لا ينبغي أن يكون غيرهم مساوياً لهم! ويقول الله تعالى أيضاً فيهم: (وَقَالُواْ لَن تَمَسَّنَا النَّارُ إِلاَّ أَيَّاماً مَّعْدُودَةً قُلْ أَتَّخَذْتُمْ عِندَ اللّهِ عَهْداً فَلَن يُخْلِفَ اللّهُ عَهْدَهُ أَمْ تَقُولُونَ عَلَى اللّهِ مَا لاَ تَعْلَمُونَ) (البقرة: 80)، وهؤلاء هم الأكثر غباء لأنهم علموا المنهج وأبوا إلا أن يكونوا من المغضوب عليهم.
هؤلاء الأغبياء الذين ذكرناهم في الدرك الأسفل من مراتب الغباء، والسبب أن هذه النوعية أول من تدمر تدمر نفسها آنياً، وتاريخياً، ومستقبلاً، فهم باسم الذكاء رجحوا الغباء فدمروا أنفسهم وغيرهم دماراً شاملاً، فلذلك أكبر الأغبياء من يتمنى ألا يكون بشراً حينما يرى الحقيقة والواقع فيدرك عظم غبائه، فيقول حينها: (يَا لَيْتَنِي كُنتُ تُرَاباً) (النبأ: 40)، ومن أعمق الغباء أن تتذاكى على الغبي المدمِّر، وتستهين به، ولا تعمل بشكل أو بآخر على إيقاف غبائه وتحركه الأرعن المدمر للآخرين ولذاته، وأغبى هؤلاء التدميريين الشيطان الرجيم، واليهود وخدمهم الأغبياء مثله.
الشيطان الرجيم كان من المنعم عليهم، ويرى ويعيش النعيم حق وعين اليقين، إلا أنه أكله الحسد والغل؛ ففاض في نفسه الغباء، وألقى كل هذه النعم الخالدة اللانهائية مقابل الحصول على أقل من جناح بعوضة! وذلك لغباء تملكه من خلال الحسد لتدمير الإنسان؛ ومن ثم تدمير ذاته، فالشيطان مارس الكثير من عيدان حزمة الغباء، وبيَّنها الله تعالى لنا في كتابه الكريم، قال تعالى: (قَالَ مَا مَنَعَكَ أَلاَّ تَسْجُدَ إِذْ أَمَرْتُكَ قَالَ أَنَاْ خَيْرٌ مِّنْهُ خَلَقْتَنِي مِن نَّارٍ وَخَلَقْتَهُ مِن طِينٍ) (الأعراف: 12)، وهذا غباء التعالي والكبر والرعونة في عدم تقدير الخطاب مع المقابل، وكان خطابه مع خالق الأكوان جل جلاله، وقال تعالى أيضاً: (قَالَ فَالْحَقُّ وَالْحَقَّ أَقُولُ {84} لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنكَ وَمِمَّن تَبِعَكَ مِنْهُمْ أَجْمَعِينَ) (ص)، غباء دليل العلم الأكيد وعين اليقين بالعذاب، إلا أن الحسد أعدم الاستفادة منه فكان مصيره ومن تبعه جهنم، وقال تعالى: (قَالَ فَبِمَا أَغْوَيْتَنِي لأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِرَاطَكَ الْمُسْتَقِيمَ {16} ثُمَّ لآتِيَنَّهُم مِّن بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ أَيْمَانِهِمْ وَعَن شَمَآئِلِهِمْ وَلاَ تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شَاكِرِينَ) (الأعراف)، غباء الإصرار في دمار الذات لوضعها في موقع أعلى من كيانها وذاتها غروراً وحسداً! وقال تعالى: (إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ إِلاَّ مَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْغَاوِينَ) (الحجر: 42)، وهنا بيان قمة الغباء لأن العمل هنا ضد الحق مع العلم به، ومقابل هذا الغباء يبين الله تعالى بقوله: (لاَ إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَد تَّبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِن بِاللّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَىَ لاَ انفِصَامَ لَهَا وَاللّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ) (البقرة: 256)، نعم العروة الوثقى مقاومة الغباء حسب العرض القرآني العظيم، ولكن الغباء يغلب على الطاغوت وأتباعه ومن أكل الحقد والحسد والغرور عقله وقلبه.
ومن وسائل الانتصار على الغباء معرفة ذات النفس، وأن لها نقصها خِلقة، وكمالها في السعي على العلم والتعلم، والاستفادة من تجارب وعلوم الآخرين والتعارف عليها، وهذا جميعه يكون بين دفتي الكتاب والسُّنة.
إن قمة الغباء، والغباء الذي ما بعده غباء، الجرأة على كتاب الله وشرعه؛ كمن يدعي أن القرآن ماذا نستفيد من حفظه؟! وتلميذ آخر للشيطان الرجيم يقول: ماذا نستفيد من الوضوء؟! وهؤلاء من أفضل وسائل الشيطان التي يستغلها لنشر الغباء الشركي والإلحادي، وأيضاً من أغبى الغباء الذي يحبه الشيطان الرجيم وأجناده أن يعمل الإنسان الخير ولا يحسب لمناهج أهل الشر ومقاومتها أي حسبة، وقمة المواجهة لمناهجهم في كل النواحي والتخصصات، وهو ما أوصانا الله تعالى بالعمل في مواجهة الشر، قال تعالى: (وَأَعِدُّواْ لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ وَمِن رِّبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدْوَّ اللّهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآخَرِينَ مِن دُونِهِمْ لاَ تَعْلَمُونَهُمُ اللّهُ يَعْلَمُهُمْ) (الأنفال: 60)، بمفهومها الشامل، وأول هذه المفاهيم وأهمها معرفة تفكير العدو وإستراتيجياته ومخططاته في محاربتنا منهجاً وعقيدة.