شيّع مسلمو البوسنة، أمس الإثنين، في الذكرى الـ27 لمذبحة سربرنيتسا، رفات 50 من ضحايا المذبحة، إلى مقبرة بوتوتشاري، ليكون عدد من تم دفن رفاتهم حتى الآن 6721 من إجمالي شهداء المذبحة البالغ عددهم 8372 مسلماً.
ويحيي مسلمو البوسنة في الـ11 من يوليو كل عام، ذكرى المذبحة، التي وقعت في نفس التاريخ عام 1995 وراح ضحيتها 8372 من مسلمي البوسنة خلال أيام قليلة على يد الصرب، ومذبحة سربرنيتسا هي واحدة من عشرات المذابح التي ارتكبها الصرب بحق المسلمين البوشناق خلال حرب البوسنة التي وقعت (1992 – 1995).
فأعمال البحث عن رفات الضحايا مستمرة، وفي الذكرى السنوية للمذبحة يتم دفن الرفات التي اكتشفت وتم تحديد هوية أصحابها خلال العام، ووافق ذووهم على دفنهم، وقبيل الذكرى بأيام تطوف شاحنة تحمل الرفات الجديدة مدن البوسنة وينتظرها الناس بالورود في طريقها إلى محطتها الأخيرة في مقبرة بوتوتشاري أو النصب التذكاري لشهداء المذبحة.
كيف وقعت مذبحة سربرنيتسا؟
سربرنيتسا بلدة خضراء جميلة تزينها أشجار عالية لكن أشجارها يكسوها الحزن فجذوعها تشربت بدماء الأبرياء وأوراقها شاحبة كوجوه النساء والفتيات ضحايا الاغتصاب، وأرضها الخضراء مثقلة برفات الآلاف من المسلمين.
وسربرنيتشا تقع شرق البوسنة، وفي أبريل 1993 صدر القرار الأممي (819) باعتبار سربرنيتسا منطقة آمنة تحت حماية دولية بشرط نزع أسلحة المقاتلين البوسنيين الذين كان دورهم منع المد الصربي.
“بعد انصياع الحكومة البوسنية للقرار الأممي بتسليم السلاح فوجئنا أن مناطقنا فقط نحن المسلمين أصبحت منزوعة السلاح، بينما يحتفظ الصرب بكل أنواع الأسلحة”، شهادة أحمد أوستيتشك أحد جنود الجيش البوسني.
مع تقدم الصرب من ناحية الشرق منذ بداية الحرب توافدت أعداد من الأهالي المسلمين من الشرق على سربرنيتسا فتضاعفت الأعداد فيها من 7 أو 10 آلاف إلى حوالي 40 ألف شخص، محاصرين بلا أي مقومات للحياة.
تقول خديجة محمدوفيتش فقدت زوجها وولديها: كان الصرب المدنيين يغادرون سربرنيتسا يعلمون كل شيء والمسلمون في غياب تام عن الواقع، قام الصرب بالوشاية بجيرانهم المسلمين والمشاركة في اغتصاب نسائهم.
في مارس 1995 طوق الصرب سربرنيتسا وتم حصارها وتجويعها وقصفها بالأسلحة الثقيلة، وفي يوليو 1995 دخل الصرب سربرنيتسا.
حماية أم تواطؤ؟
يروي أحمد أوستيتشك في شهادته: “في منتصف الليل أعلن عبر المذياع أن قصفاً سيقوم به حلف “الناتو” على ضواحي سربرنيتسا وسيبقى وسط المدينة فقط هو المنطقة الآمنة، هنا انسحب جنود الجيش البوسني إلى وسط المدينة لكن للأسف كانت خديعة فلم يحدث قصفاً من قبل “الناتو”، وكانت المفاجأة أن الصرب هم من تحركوا تجاه سربرنيتسا وبدأوا هجومهم عليها”، نحن أمام مؤامرة إذاً!.
هنا انقسم المحاصَرون بالمدينة إلى فريقين أحدهما تسلل إلى الغابات أملاً في الوصول لأقرب مدينة يسيطر عليها الجيش البوسني كانت توزلا تبعد نحو 100 كم، وفريق ذهب إلى قاعدة بوتوتشاري.
الصرب أعدوا كمائن بالغابات وقتلوا أغلب الأهالي ودفنوهم في حفر، نجا منهم أعداد قليلة للغاية.
في قاعدة بوتوتشاري مقر الوحدة الهولندية اجتمع السفاح راتكو ملاديتش بقائد الوحدة وأمام الكاميرات، خرج ملاديتش يقول للأهالي: “اطمئنوا لن يمسكم أذى ووزع الحلوى على الأطفال، وأمام الكاميرات أيضا نقل الصرب النساء والأطفال الصغار بحافلات إلى مخيمات، وبقي الذكور من عمر 14 عاماً فما فوق”.
بعد ذهاب الكاميرات كانت الجرافات تجهز المقابر الجماعية ويُقتل المسلمون جماعات ويُدفنوا في الحفر وخلال 4 أيام قتل 8372 مسلماً.
شهادة مهمة
أمام محكمة لاهاي قال الضابط الصربي مومير نيكوليتش: سألت الجنرال ملاديتش: “ماذا علينا أن نفعل بكل هؤلاء الرجال؟ فأشار إليَّ بطريقة فهمت منها أنهم سيُعدمون”.
السيدة خديجة محمدوفيتش تقول: سألت هل الجسد سليم؟ أجابوا: إنه ليس كاملاً وجدنا عظمتين من الساقين، قلت: لن أدفنه لم أنجبه بلا رأس، قالوا نأسف: إن القبور كانت مدمرة ويستحيل إيجاد بقايا أخرى.
نبش المقابر
ففي تقرير لها قالت المحكمة الجنائية الدولية: في شهري سبتمبر وأكتوبر 1995 قام الصرب بنبش عدة مقابر جماعية من إجمالي حوالي 21 مقبرة ونقلوا الجثث وأعادوا دفنها على أجزاء بأماكن أخرى لتضييع الأدلة.
البوسنة كانت إحدى المكونات الستة ليوغسلافيا الاتحادية وهي (صربيا، البوسنة، الجبل الأسود، مقدونيا، سلوفينيا، كرواتيا).
سكان البوسنة
تتكون البوسنة من 3 مكونات سكانية هي: المسلمون البوشناق 51% والصرب 30% والكروات 15% وكلها ترجع إلى العرق السلافي القديم “عرق أوروبي”.
بيجوفيتش
عام 1990 أنشأ علي عزت بيجوفيتش مع آخرين حزب العمل الديمقراطي وفاز بأول انتخابات أجريت بنفس العام، وأواخر نفس العام انتخب بيجوفيتش رئيساً للبوسنة.
الاستقلال
في 29 فبراير وأول مارس 1992 أجري استفتاء شعبي بالبوسنة على الاستقلال عن يوغسلافيا صوّت غالبية المشاركين فيه لصالح خيار الاستقلال، وفي 6 أبريل اعترف الاتحاد الأوروبي وأمريكا بدولة البوسنة ورفع العلم أمام الأمم المتحدة مايو 1992.
لماذا الحرب؟
خيار الاستقلال لم يعجب الصرب فشنوا حرب إبادة ضد المسلمين استمرت من 1992 حتى 1995.
قاد الحرب الجنرال العسكري راتكو ملاديتش، وزعيم صرب البوسنة رادوفان كراديتش كما شارك الكروات أيضا في الجرائم.
المحاكمة
في نوفمبر 2017 انتحر القائد العسكري لكروات البوسنة سولوبودان برالياك بتجرعه السم أمام المحكمة بسبب حكم سجنه، أما الجنرال العسكري لصرب البوسنة “راتكو ملاديتش” فقد صدر ضده حكم بالمؤبد، بينما رادوفان كراديتش زعيم صرب البوسنة حكم عليه بالسجن 40 سنة.
اتفاقية دايتون
في 14 ديسمبر 1995 وقع بيجوفيتش والرئيس اليوغسلافي سلوبودان ميلوزيفيتش والكرواتي فرانكو توجمان اتفاقاً أنهى الحرب لكنه قسم البوسنة.
اتفاق نهاية الحرب قسم البوسنة إلى فيدرالية البوسنة والهرسك تضم البوشناق والكروات على مساحة 51% وفيدرالية صربسكا للصرب مساحة 49% ويحكمها مجلس رئاسي من 3 أشخاص.
زهرة سربرنيتسا
اتخذ مسلمو البوسنة شعاراً لمذبحة سربرنيتسا عبارة عن نعش تحيط به الأمهات، اللون الأخضر يرمز لشهداء المجزرة وعددهم 8372 شهيداً وعدد بتلات الزهرة 11 لوقوع المجزرة يوم 11 يوليو عام 1995.