لم تكن الكويت بعيدة عن قضية الأمن الغذائي، إذ كان حديث كثير من نواب مجلس الأمة في فترات مختلفة عن تقلبات الأسعار، سواء أكان ذلك في أزمة الغذاء العالمية عامي 2006 و2007م، أم في أزمة التغيرات المناخية عام 2010م، والحال نفسها في ظل أزمة «كورونا»، التي استمرت خلال عامي 2020 و2021م، حيث ارتفعت أسعار بعض الأغذية، كما ألقت أزمة الإمدادات الغذائية بظلالها السلبية على الاقتصاد الكويتي.
لكن أزمة الحرب الروسية على أوكرانيا أصبحت أكثر تهديداً للوضع الغذائي، ليس فقط على الكويت، بل على الدول العربية والعالم أجمع.
وسط المخاوف من تفاقم الأزمات التي تؤدي إلى عدم الاكتفاء الذاتي في الغذاء، اتخذ مجلس الوزراء الكويتي، في مايو الماضي، في عهد رئيسه السابق سمو الشيخ صباح الخالد، خطوة مهمة للمضي قدماً نحو تعزيز الاكتفاء الذاتي، من خلال التوجيه بتشكيل لجنة عليا للأمن الغذائي تضم 12 جهة حكومية برئاسة نائب رئيس مجلس الوزراء وزير النفط وزير الدولة لشؤون مجلس الوزراء د. محمد الفارس، وحدد مهمتها في وضع الآلية المناسبة لتلافي العواقب المحتملة، أو النتائج المصاحبة لأي أزمات أو كوارث عالمية أو محلية من شأنها الإخلال بمنظومة الأمن الغذائي والمائي.
لجنة عليا للأمن الغذائي والمائي تضم 12 جهة حكومية وخاصة لمواجهة الأزمات
وجاء دخول هذا التوجيه مرحلة التنفيذ في 2 أغسطس الماضي؛ حيث قام المجلس في نسخته الجديدة برئاسة سمو الشيخ أحمد النواف بالاطلاع على توصية اللجنة بشأن التقرير النهائي لها، وقرر المجلس الموافقة على إنشاء لجنة عليا تسمى «اللجنة الوطنية العليا لتعزيز منظومة الأمن الغذائي والمائي» برئاسة نائب رئيس مجلس الوزراء وزير النفط وزير الدولة لشؤون مجلس الوزراء، وتضم في عضويتها الجهات المختصة من القطاعين العام والخاص، وهي على النحو التالي: وزارة الداخلية (الإدارة العامة للدفاع المدني)، وزارة الخارجية، وزارة المالية، وزارة التجارة والصناعة، وزارة الكهرباء والماء، وزارة الشؤون الاجتماعية، الهيئة العامة لشؤون الزراعة والثروة السمكية، الهيئة العامة للغذاء والتغذية، الهيئة العامة للاستثمار، معهد الكويت للأبحاث العلمية، غرفة تجارة وصناعة الكويت، الأمانة العامة لمجلس الوزراء.
وقرر المجلس أن يكون للجنة جهاز استشاري يضم كفاءات من داخل وخارج البلاد لإعداد وتوجيه الأنشطة الفنية والتوصيات بشأن الأمن الغذائي والمائي، ووضع الإستراتيجية الوطنية المتكاملة للأمن الغذائي والمائي وبرامجها ومشاريعها ومؤشرات قياس أدائها، واقتراح السياسات العامة والإستراتيجيات ومشروعات القوانين والقرارات المتصلة بالأمن الغذائي والمائي بدولة الكويت، ومتابعة الجهود المبذولة في القطاعين العام والخاص لتعزيز منظومة الأمن الغذائي والمائي، وتطبيق الخطط والإستراتيجية المعتمدة من مجلس الوزراء، وتوجيهها حسبما تتطلب المصلحة العليا للبلاد، واقتراح التدابير التنفيذية اللازمة لتحقيق الأمن الغذائي والمائي في حال تعرضه للخطر ووقت الأزمات والطوارئ.
وزير التجارة: الكويت تستورد 95% من المواد الغذائية والتغيرات العالمية مؤثرة بشكل كبير
إشادات واسعة
وقد لاقى القرار إشادات واسعة وتفاعلاً كبيراً من قبل المعنيين بملفي الغذاء والماء الذين رأوا أن هذه اللجنة ستضع من خلال عملها ومتابعتها خريطة طريق ستسير عليها الكويت لبر الأمان، واعتبروا أن هذه الخطوة الاستباقية تأتي في إطار الرؤية المستقبلية وهي مهمة ومستحقة، ولها انعكاسات إيجابية كثيرة من شأنها تعزيز وضع الأمن الغذائي والمائي في البلاد.
فمن جانبه، أكد رئيس مجلس إدارة جمعية المهندسين الزراعيين م. علي الغيث أن القرار يهدف للوصول إلى الاكتفاء الذاتي في العديد من السلع الغذائية.
وقال: إننا نحتاج إلى مثل تلك القرارات التي تجعل من الكويت دولة تعمل وتؤمن لمواطنيها السلع الغذائية في ظل الظروف التي يمر بها العالم، مؤكداً أن التوصيات لمعالجة قصور الإنتاج الزراعي وضعف الإنتاج من الماشية والتغلب على الأزمات التي تواجه قطاعي الدواجن والأسماك من الضروري الاهتمام بها.
العازمي: المزارع المنتجة أقل من 1000 والسبب قلة الدعم وتشبُّع السوق من البضاعة المستوردة
أما رئيس مجلس إدارة جمعية المياه الكويتية د. صالح المزيني فعلق قائلاً: نتمنى أن يكون لهذه اللجنة برنامج عمل شامل متكامل مستدام لتحقيق الأمن المائي والغذائي، وأن تكون بداية حقيقية شاملة للتحرك نحو تأمين المياه على المديين القصير والطويل من جانب المسؤولين ومتخذي القرار في الدولة.
من جهة أخرى، طمأن وزير التجارة والصناعة فهد الشريعان المواطنين الكويتيين، حيث أكد أن أسعار السلع تحت رقابة وسيطرة وزارة التجارة، مطمئناً الجميع بأن توفير الأمن الغذائي من مواد تموينية وسلع ومواد أساسية لكل بيت كويتي على رأس أولويات الحكومة.
وقال الشريعان: إن وزارة التجارة قادرة على السيطرة على التأثر بأسعار السلع محلياً، لكن التغيرات التي حدثت عالمياً هي المؤثرة بشكل كبير على أسعار السلع اليوم، وهذا الارتفاع أصاب جميع دول العالم إثر الكوارث وتداعيات الحرب.
وأوضح أن الكويت تستورد نسبة 95% من المواد الغذائية إن لم يكن أكثر؛ لذلك فما يحدث من تغيرات عالمية تمثلت في زيادة أسعار الطاقة وزيادة أسعار الشحن ومنع بعض الدول من تصدير منتجاتها وغيرها من العوامل جميعها ساهمت بشكل أساسي في زيادة الطلب وقلة المعروض.
المدعج: يجب أن يرتبط الأمن المائي بالغذائي عن طريق تأمين كمية مياه مناسبة للأراضي الزراعية
فيما قال الرئيس التنفيذي لشركة المطاحن الكويتية مطلق الزايد: الحرب (الروسية الأوكرانية) ما زالت قائمة، وأوكرانيا تمتلك الكثير من الكميات التي لا تستطيع أن تخرجها خارج أرضها، وهي في حدود 30 مليون طن من الحبوب، وتابع أننا كمجتمع كويتي يفترض ألّا نقبل بأن نكون رهن تذبذب أسعار النفط أو ترقب الأزمات الإقليمية أو الداخلية، بل من المفترض أن يكون لدينا مخزون إستراتيجي من كل المواد الغذائية، ليعزز ذلك قدراتنا في ديمومة الأمن الغذائي.
وأشار الزايد إلى التموين قائلاً: استطعنا أن يكون لدينا مخزون للأرز لأكثر من سنة، والحليب لأكثر من 6 أشهر، وبدأنا نصل إلى قفزات جيدة، أما بالنسبة إلى المطاحن فقد تسلّمنا حالياً مساحات لتشييدها مخازن، وستصبح سعة هذه المخازن للمواد الغذائية لأكثر من سنة.
وفيما يتعلق بهيئة الزراعة، قال الزايد: يجب أن يكون الأساس هو تسهيل التسويق للمنتجات الغذائية، اليوم لدينا 7 آلاف مزرعة، لكن الإنتاج الحقيقي يأتي من 1000 مزرعة فقط، وهذه المزارع هي الأمن الغذائي للكويت.
ومن جانبه، قال رئيس مجلس إدارة اتحاد المزارعين، عبدالله العازمي: إن المزارع المنتجة أقل من 1000 مزرعة، والسبب هو قلة الدعم، والسوق الكويتية مشبعة من البضاعة الخارجية المستوردة، كما أنه لا توجد دراسة ورؤية واضحة للمنتج الكويتي.
وتابع: اليوم أصبح الأمن الغذائي يسدّ الحاجة، ولكن هناك بعض الأمور التي تقف ضدنا، وهي عدم وجود الدعم والأسواق الكافية، على سبيل المثال؛ كل منطقة جديدة يفترض أن تكون بها سوق لتصريف المنتج الكويتي، فاليوم الكويت تعاني تصريف المنتجات الكويتية، والمنتج الكويتي هو الأولى أن نوزّعه ونصرّفه.
أما أستاذ موارد المياه في قسم الهندسة المدنية بجامعة الكويت د. جابر المدعج، فشدد على ضرورة أن يرتبط مفهوم الأمن المائي بمفهوم الأمن الغذائي عن طريق تأمين كمية مياه مناسبة للأراضي الزراعية، فالإنتاج الغذائي هو أكبر مستهلك للمياه في جميع دول العالم، إذ إن أصحاب المزارع ما يزالون يعتمدون على الموارد المائية غير التقليدية عن طريق شراء تناكر مياه التحلية مرتفعة التكلفة لاستهلاك الأفراد والمواشي، وما زال أصحاب المزارع يعانون من انقطاع إمدادات مياه الصرف الصحي المعالجة لإنتاج علف المواشي والزراعات الأساسية.